هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم تنتفض وزارة الثقافة والنخب المجتمعية اليمنية في وجه الغول الحوثي، مثلما انتفضت عندما أعلن استهدافه للأغنية اليمنية، ذلك أن استهداف الأغنية يعد تجريفا للهوية الوطنية في عرف الوزارة، بينما لم تبد الوزارة ونخبها نفس ردة الفعل عندما استباحت الآلة الحوثية آلاف المساجد ودور القرآن، وشرعت في غسل أدمغة ملايين العقول منذ ما يربو على الست سنوات.
في حين يتوسع الحوثيون في نشر عقيدتهم الطائفية في المناطق التي يسيطرون عليها، مستهدفين صغار السن بشكل خاص، نجد أن السلطات في المناطق المحررة، تهمش الجانب الديني في مقابل التركيز على الجانب الترفيهي عموما والغنائي بشكل خاص، وتأثير هذه المقاربة في مجريات المعركة مع الفكر الحوثي سيتضح على المدى البعيد.
يؤسس الحوثيون لقاعدة فكرية، في مناطق سيطرتهم التي تتميز بثقل سكاني، يجاوز الثقل الموجود في مناطق سيطرة الحكومة، وهذه القاعدة الفكرية، يعوّل عليها الأقلويون الحوثيون في بقاء فكرهم الطائفي، تحسبا لأي اندثار قد يطال هذا الفكر مستقبلا، خاصة إذا استمرت الحرب لفترة زمنية طويلة.
يدرك الحوثيون أنه ما من طريقة تضمن استمرار فكرهم الطائفي في محيط سنّي، سوى توسيع دائرة هذا الفكر في قلب المحيط، وإيجاد توازن ديموغرافي يضمن استمرار فكرهم لمدى طويل من ناحية، ويفكك بنية المحيط السني من ناحية ثانية.
السؤال المهم، هل تستطيع الحكومة أن تقوم بهذين الدورين اللذين يرتكزان على أساس ديني؟ ربما يصعب حدوث ذلك في بيئة أصبحت تنبذ الجانب الديني وتعتبره تخلفا، وتنفق على حفلات البهرجة والطرب أموالا طائلة باعتبارها أكبر رد على الحوثيين الذين يسعون لتجريف الهوية الوطنية!
ومما يسهل على الحوثيين مهمتهم في نشر فكرهم وعقيدتهم بين السكان، هو استمرار المحيط السني في حالة من التيه والتجاهل المتعمد للمشكلة على اعتبار أن التعامل الجدي معها يتنافى مع الدولة الوطنية التي تعلي الانتماء الجغرافي على حساب الانتماء العقدي، كما أن أي تحرك للتعاطي مع المشكلة من منظور عقائدي، قد يعرض حاكمي المحيط لانتقادات أسيادهم الغربيين الذين يولون أهمية استثنائية لمسألة الأقليات، والحوثيون أقلية كما هو معلوم.
وإذا كانت الحكومة لا تستطيع مواجهة الفكر الحوثي الدخيل من منطلق عسكري عقدي صريح كما يفعل الحوثيون، فذلك لا يمنعها من التصدي له ثقافيا وإعلاميا انطلاقا من أساس عقدي صحيح، من خلال خطين متوازيين، الأول يتمثل في تحصين القاعدة السكانية في مناطقها من الفكر الحوثي، من خلال تشجيع الشباب والنشء على الإقبال على دور القرآن، ومطالعة الكتب التاريخية ذات الصلة بالفكر الحوثي، بما يكسبهم مناعة من أي شبهة يلقيها الحوثيون من خلال وسائل إعلامهم المبثوثة على امتداد اليمن.
أما الخط الثاني، فيتمثل في إنشاء وسائل إعلامية تخاطب قاطني مناطق الحوثيين، ومخصصة لمقارعة الفكر الحوثي وتفنيد أكاذيبه التي تحفل بها ملازمه وكتبه التي يستخدمها في التأثير على النشء في مناطق سيطرته، وإعادة صياغة الهوية الدينية للسكان بما يتفق مع الفكر الحوثي.
لكن السؤال المهم، هل تستطيع الحكومة أن تقوم بهذين الدورين اللذين يرتكزان على أساس ديني؟ ربما يصعب حدوث ذلك في بيئة أصبحت تنبذ الجانب الديني وتعتبره تخلفا، وتنفق على حفلات البهرجة والطرب أموالا طائلة باعتبارها أكبر رد على الحوثيين الذين يسعون لتجريف الهوية الوطنية!