أعلنت حكومة رئيس النظام
المصري عبدالفتاح
السيسي، عن توجهها لطرح إدارة وتشغيل بعض مطاراتها وموانئها البحرية والجافة ومشروعات النقل البري بها على كبرى الشركات العالمية العاملة في البلاد، في خبر حذر اقتصاديون وخبراء من تأثيره الخطير على اقتصاد البلاد المتداعي وعلى الأمن القومي المصري.
والأحد، التقى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزير النقل كامل الوزير، بممثلي 20 شركة من كبريات الشركات العالمية المتخصصة بمجالات النقل واللوجستيات والملاحة البحرية، وبينها الأمريكية، والصينية، والروسية، والألمانية، والفرنسية، والإسبانية، والإماراتية، والمجرية، والدنماركية، والنمساوية، والتشيكية، والمجرية.
مدبولي، قال إن الحكومة تعتزم طرح إدارة وتشغيل المطارات والموانئ البحرية والموانئ الجافة أمام القطاع الخاص، مؤكدا حرص حكومته على أن يدير القطاع الخاص ويشغل هذه المشروعات، مضيفا: "نحن حريصون كذلك على استكشاف فرص الشراكة مع القطاع الخاص في إدارة وتشغيل خطوط النقل الجماعي".
شارك بالمائدة المستديرة، مندوبو شركات: "سيمنز" العالمية، وموانئ "هاتشيسون يورب"، و"ألستوم"، و"موانئ دبي العالمية"، و"موانئ أبوظبي"، و"ترانس ماش هولندج"، و"وابتك"، و"MSC"، ومجموعة "تاليس"، و"يورو جيت"، و"أفيك"، و"هاباج لويد"، و"بلاسر وتيريور"، و"تالجو"، و"سكك حديد ألمانيا"، و"كاف"، و"سكودا"، و"كول واي"، و"جانز مافاج انترناشيونال".
وتقوم بعض تلك الشركات بإدارة محطات الحاويات والبضائع بالموانئ المصرية، وبأعمال إنشاء وصيانة وإدارة بعض مشروعات النقل المصرية مثل مترو الأنفاق، والمونوريل، والقطار الكهربائي الخفيف، وغيرها.
"تطوير بقروض ثم تفريط"
ويأتي الحديث عن إسناد إدارة موانئ مصرية لشركات عالمية إثر إعلان حكومة السيسي، في حزيران/ يونيو 2022، عن "وثيقة ملكية الدولة"، التي تتضمن خططا لبيع 65 بالمئة من الأصول الحكومية للقطاع الخاص خلال 5 سنوات، ما اعتبره مراقبون خطة كارثية للتفريط في أصول البلاد.
هذه الخطط باتت موجهة بشكل مثير للمخاوف على الأمن القومي المصري نحو الموانئ المصرية، ففي أيار/ مايو 2022، أعلن رئيس الوزراء مدبولي، "دمج أكبر 7 موانئ مصرية بشركة واحدة وطرحها بالبورصة"، مع توجيه لجنة حكومية بدراسة طرح الموانئ المصرية بالبورصة للمستثمرين العرب والأجانب.
وقامت
القاهرة بإنفاق هائل لتطوير بعض الموانئ والمطارات، بتمويل عبر قروض خارجية، مثل محطات الحاويات متعددة الأغراض بموانئ "سفاجا" و"الدخيلة" و"السخنة" و"دمياط"، وغيرها، بجانب تشغيل "محطة تحيا مصر" متعددة الأغراض بـ"ميناء الإسكندرية".
إلا أنها منحت إدارة العديد منها إلى شركات أجنبية، ورغم ما طال ذلك التوجه من انتقادات اقتصاديين إلا أن القاهرة يبدو أنها تسير على نفس المنوال المثير لمخاوف مراقبين وخبراء.
اظهار أخبار متعلقة
ويصل إجمالي التقديرات الاستثمارية للهيئات الاقتصادية بوزارة النقل للعام المالي (2023-2024) وبينها القطاع البحري نحو 186 مليار جنيه، مقسمة إلى 98 مليار جنيه قروضا خارجية، و85 مليار جنيه قروضا محلية، و1.87 مليار جنيه تمويلا ذاتيا، و0.05 مليار جنيه مساهمات من الخزانة العامة، و0.09 مليار جنيه منح أجنبية، وفق موقع "البورصة" في حزيران/ يونيو الماضي.
"سيل من الإدارات الأجنبية"
ويأتي حديث رئيس وزراء مصر عن طرح موانئ ومطارات ومشروعات نقل لتديرها شركات أجنبية استكمالا لسلسلة سابقة من التفريط في إدارة مشروعات البلاد لشركات أجنبية، ما يمثل خسائر فادحة لاقتصاد البلاد، بحسب متحدثين لـ"عربي21".
وتعتبر مجموعة "موانئ دبي" العالمية، أول من حصلت على موطئ قدم في الموانئ المصرية عبر الاستثمار في ميناء "العين السخنة" على البحر الأحمر.
وفي 17 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وافق مجلس النواب المصري، على قانون منح مجموعة "أبوظبي للموانئ"، التزام بناء وتطوير وإدارة وتشغيل وصيانة "محطة متعددة اﻷغراض" بميناء "سفاجا" بالبحر الأحمر مدة 30 عاما.
وفي آذار/ مارس الماضي، وفي ظل تغول إماراتي على هذا القطاع المصري تتحكم "موانئ أبوظبي" في أعمال وإنشاءات وإدارة موانئ "سفاجا" و"العين السخنة" و"الغردقة" و"شرم الشيخ" بالبحر الأحمر، وكذلك "بورسعيد" و"العريش"، بالبحر المتوسط.
وفي تموز/ يوليو 2022، استحوذت "موانئ أبوظبي"، على 70 بالمئة من حصص الشركة "التابعة الدولية لنقل البضائع"، (TCI) المالكة لشركتي "ترانسمار" للنقل البحري، و"ترانسكارجو، بـ 140 مليون دولار.
وفي قطاع مشروعات النقل البري، وفي أيلول/ سبتمبر 2020، أسندت الحكومة المصرية، للشركة الفرنسية (RATP Dev) إدارة وتشغيل وصيانة "الخط الثالث" لمترو أنفاق القاهرة، مدة 15 عاما.
وتعاقدت مصر مع نفس الشركة في آذار/ مارس 2021، لإدارة وتشغيل القطار الكهربائي الخفيف "LRT" لمدة 20 عاما، مقابل نسبة من الإيراد.
وفي آب/ أغسطس 2021، أسندت الحكومة المصرية إدارة وتشغيل خطي مونوريل "شرق" و"غرب" النيل إلى شركة "ألستوم" الفرنسية، لمدة 30 عاما.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، جرى التعاقد مع سكك حديد ألمانيا DB"" (دويتشه بان) لإدارة وتشغيل منظومة القطار الكهربائي السريع مدة 20 سنة.
وفاز التحالف المصري الفرنسي "-ترانس ديف الفرنسية- مواصلات مصر- mcv –وأوراسكوم"، بإدارة الأتوبيس السريع "brt" بالطريق الدائري حول العاصمة القاهرة، مدة 15 عاما.
"الرهن.. ومبادلة الديون"
ويأتي حديث الحكومة المصرية عن طرح مطارات وموانئ أمام إدارة شركات أجنبية في ظل ما أثير من أنباء على مدار نحو عام حول توجه الحكومة المصرية لإقرار مبدأ مبادلة ديونها لدول ألمانيا وفرنسا والصين بموانئ ومطارات، وأصول استراتيجية، وسط تحذيرات اقتصادية من تبعات نظام "مبادلة الديون".
وفي 19 تشرين الأول/ أكتوبر الماضين أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ إقرار برنامج لمبادلة الديون بين بلاده ومصر، خلال لقائه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في بكين.
وفي 7 آب/ أغسطس 2022، كشفت مصادر لـ"عربي21"، عن لقاء جمع مسؤولين مصريين وصينيين، بالعاصمة السويسرية جنيف لمناقشة مبادلة الديون الصينية على القاهرة المقدرة بنحو 8 مليارات دولار بأصول مصرية استراتيجية، بين موانئ ومطارات، ومبادلة أصول أخرى بنحو 10 مليارات دولار.
ولهذا فإن خبراء أكدوا لـ"عربي21"، أنه لا فائدة تعود على الاقتصاد من إدارة شركات أجنبية لموانئها ومطاراتها ومشروعاتها، وأن خسائر مصر من عدم إدارتها بنفسها لمطاراتها وموانئها، كبير، محذرين من مخاطر استراتيجية وأمنية مع توغل شركات عالمية بالقطاعات الحيوية، مشيرين لسياسات النظام في الاستدانة وبيع الأصول للحصول على العملات الصعبة.
"ورطة جديدة"
وفي تعليقه، قال الخبير الدولي في إدارة الصناعات البحرية، إبراهيم فهمي، إن "النظام ورط البلاد في ديون غير مسبوقة حيث اقترض ما يزيد على الـ140 مليار دولار، 4 تريليونات جنيه، للداخل، بفوائد مرتفعة وقصيرة الأجل (2014- 2022) وضخها بمشروعات بدون دراسات جدوى وغير ذات أولوية وليس لها عائد استثماري".
السياسي المصري المقيم في بريطانيا، أضاف لـ"عربي21"، أن "النظام أصبح غير قادر حتى على سداد فوائد هذه الديون ناهيك عن أصولها، فيقوم بمزيد من الاقتراض وبيع الأصول لسداد الأقساط، حيث تبتلع تلك الأقساط نحو 85 بالمئة من الإيرادات السنوية للموازنة، مع ملاحظة أن ثلثي الأقساط تذهب لسداد الفوائد المرتفعة والثلث فقط لسداد أصل الدين".
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح أنه "مع عدم قدرة النظام على إعادة جدولة الديون القريبة الأجل، حيث أنه مطالب بسداد نحو 40 مليار دولار خلال العامين القادمين، لا يجد حلا أسهل من البيع المباشر للمرافق الحيوية للدولة، وهو يخاطر بالأمن القومي للبلاد من أجل الاستمرار في الحكم".
وأكد الخبير المصري، أنه "سبق وحذر في تصريحات له في لندن، بعد انقلاب تموز/ يوليو 2013، من أنه في ظل غياب الرؤية الاقتصادية الرشيدة فإن بعض الدول والبنك الدولي ومؤسسات اقتصادية دولية سيقدمون قروضا كبيرة للنظام تهدف لتوريط مصر في ديون للتحكم في استقلالها ورهن إرادتها السياسية".
وقال إن "النظام الاقتصادي في حالة سيولة مستمرة منذ 10 سنوات متتابعة، وهو أسير للقرارات السياسية المتخبطة، معتمدا على بيع أصول ومقدرات الشعب التي بناها بعرق أجيال متتابعة لتسديد فوائد الديون".
وأضاف: "ليس سرا أن التفريط في إدارة المؤسسات الاستراتيجية كالموانئ والمطارات يكشف الأمن القومي لصالح دول أجنبية تتستر أجهزة مخابراتها خلف شركات متعددة الجنسيات".
وتابع: "أما الادعاء بأن الدولة تتبع آليات السوق في طرح هذه المؤسسات في البورصة، فمردود عليه من أمثلة سابقة للنظام، حيث تم بيع صناعات حيوية للاقتصاد وتحتل أماكن استراتيجية مثل شركة (أبوقير للأسمدة)".
وأشار إلى أنه "بدءا بطرحها للاكتتاب ثم بيع حصص منها داخل السوق المحلية مع نسبة صغيرة لدولة خليجية (الإمارات) لها شراكات في صناعات هامة مع الكيان الصهيوني، وخلال أقل من سنتين فقط اشترت حصصا كبيرة من الأسهم وأصبح لها حق الإدارة الكاملة".
وأعلن فهمي، عما اعتبره "مفارقة"، موضحا أنه "سبق وعرض تنفيذيون وطنيون على درجة عالية من الكفاءة الإدارية من العاملين بالخارج خبراتهم الاقتصادية واستعدادهم لترك وظائفهم الحالية في كبرى المؤسسات العالمية، مقابل تولي المناصب التنفيذية بمؤسسات الدولة الاستراتيجية للقيام بمهمة إصلاح الخلل الإداري في هياكلها الاقتصادية وتطويرها، بشرط الاستقلال في اتخاذ القرارات، وجاءت الإجابة سريعة بالتوسع في البيع".
وختم بالقول: "بدا واضحا أن النظام الحاكم يفضل انكشاف الأمن القومي على فتح الباب للوطنيين المخلصين من ذوي الخبرات العالمية للقيام بإدارة الاقتصاد وإصلاحه بشكل مستقل، فهو يرى في ذلك تقويضا لأركان حكمه وتهديدا لمستقبله السياسي، ولكنه لا يرى مخاطر من توغل شركات عالمية بقطاعات حيوية للدولة".
"دليل إفلاس"
من جانبه قال الباحث في الاقتصاد السياسي والتنمية والعلاقات الدولية الدكتور مصطفى يوسف، إن "طرح مطارات وموانئ مصرية أمام 20 شركة عالمية دليل على الإفلاس وعدم القدرة على جذب استثمارات حقيقية أو عمل أي تفكير خارج الصندوق".
وفي حديثه لـ"عربي21"، لفت إلى "رفض الكونجرس الأمريكي عام 2006، صفقة أمريكية إماراتية كانت ستدير من خلالها شركة (موانئ دبي العالمية) 6 موانئ أمريكية، وذلك لاعتبارات الأمن القومي الأمريكي، وبالفعل تم منع دخول شركة أجنبية بالموانئ الأمريكية وأوقفت المزايدة في بلد الرأسمالية".
وأكد مدير المركز الدولي للدراسات التنموية، "أنك بهذا تعطي أمنك القومي لمطارات مصر وموانئها لشركات أجنبية، لأن لديك عجز دائم في العملة الصعبة، ولا تستطيع جذب مدخرات مصريي الخارج نتيجة فقدان الثقة بالحكومة المصرية، ولا تستطيع عمل جذب للاستثمارات الأجنبية نظرا لاستشراء الفساد".
ولفت إلى أن "الفساد ضخم جدا بمعظم أجهزة الدولة، كما أنه لا يوجد رغبة حقيقية في رفع سيطرة المؤسسة العسكرية والشركات التابعة لها ورجال الأعمال التابعين للنظام العسكري عن
الاقتصاد المصري".
وأشار إلى أن تلك السياسيات "تسببت في ضياع مخزون العملة الأجنبية لديك، ونفاذ الاحتياطيات من النقد الأجنبي، وذلك في مغامرات لا طائل منها مثال حفر تفريعة قناة السويس، في الوقت الذي ترفض فيه عمل تنمية لمحور قناة السويس".
وتابع: "ولا تستطيع جذب شركات، وإنشاء مصانع، ولا عمل نهضة حقيقية، أو التقدم في الصناعات التكنولوجية، والصناعات الصغيرة، أو بمجال الزراعة، وكل ما فعلته شبكة طرق مطعون بأهميتها ولا جدوى اقتصادية لها، وسكك حديدية للصفوة لا تخدم جموع المصريين"، بحسب الخبير المصري المقيم في كندا.
وأعاد التذكير برفض "الجنرال السيسي عندما طلبت منه وزارة النقل 10 مليارات جنيه لتطوير مزلقانات السكك الحديدية بأنحاء الجمهورية، وقوله إنه يفضل وضع هذا المبلغ في البنوك والحصول على أرباح ملياري جنيه".
وأشار كذلك إلى "بناء العاصمة الجديدة، والقصور الرئاسية، وشراء طائرة رئاسية بنصف مليار دولار، ومدينة العلمين الجديدة، ونقل مقرات الحكومة، وغيرها من القرارات والسياسات".
وقال إن "كل ما سبق يُعطي إشارات للمستثمرين الأجانب بأنها الحكومة غير جادة في الإصلاح، وغير جادة في وقف الإنفاق السفهي والترفي والمظهري ما يسبب خللا كبيرا في الأوليات، وكذلك إشارة لعدم وجود خطط تنمية، ويؤكد الاهتمام بعناصر الجمهورية الجديدة من ضباط الجيش والشرطة والقضاة والإعلاميين، فقط".
اظهار أخبار متعلقة
ويرى يوسف، أن "قول مدبولي، بشأن تطوير موانئ والرغبة في طرحها على شركات أجنبية وأن هذا يعود على الدولة بالفائدة، هو كلام غير سليم، وينطوي على مخاطر استراتيجية وأمنية عنيفة".
وانتقد "التوسع في بيع كل الشركات المملوكة للحكومة والأصول الاستراتيجية والجيوسياسية التي تنعكس في المقام الأول على الأمن القومي المصري ويعد تفريطا في الأمن القومي، ونحن بهذا أمام كارثة اقتصادية بسبب عدم تحديد الأولويات والرؤى الاستراتيجية والتفكير في التنمية المستدامة".
وأضاف: "نحن أمام كارثة محققة في الاقتصاد مع انعدام الكفاءة، وغياب رؤية التنمية تماما، وغياب مفهوم الأمن القومي عند صانع القرار، ومحاولة القفز للأمام والحصول على الأموال بأية طريقة".
وختم بالقول: "الشيء الوحيد الذي يجلب الأموال على المدى القصير جدا هو بيع الأصول، وعندما ينتهي بيع الأصول الأساسية وكذلك الموانئ والمطارات تنكشف البلاد تماما، ونقع في موقف فادح وكارثة اقتصادية".