فتح الخطاب الأخير
لرئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "
حماس" إسماعيل هنية،
بابا للتكهنات حول العملية السياسية الفلسطينية في مقابل إجراءات
الاحتلال الإسرائيلي،
ورغبة من الحركة في طرح رؤيتها السياسية التي يدعمها صمود المقاومة في قطاع
غزة
والخسائر في صفوف الاحتلال جيشا وحكومة واقتصادا، وسط حراك غير مسبوق في قطر لمفاوضات
بشأن هدن مؤقتة، يحتمل أن تتطور لتشمل تفاوضا لحل أطول وقتا، وأوسع مدى بخصوص
القضية الفلسطينية.
وأكد هنية في
خطابه في الرابع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري على أن إنهاء العدوان
على غزة مقرون أيضا برفع الحصار الشامل على القطاع، وتبادل الأسرى، ووقف
الاعتداءات على المسجد الأقصى، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه الوطنية
المشروعة في إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، ومنحه الحق في تقرير
مصيره.
وحمل الخطاب
الأخير رسائل سياسية أكثر مما تناول المعركة الدائرة على الأرض بين الاحتلال
الإسرائيلي، والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة المحاصر.
وفي خطاب آخر
مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر، قال هنية إن حركته قدمت تصورا شاملا لوقف العدوان على
غزة، وفتح المعابر، وصفقة لتبادل الأسرى، وفتح المسار السياسي للوصول إلى قيام دولة
فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، ما وصفه مراقبون بأنه يعني موافقة الحركة على مسار
يؤدي لحل سياسي وهدنة طويلة المدى.
اقرأ أيضا: هنية: الاحتلال نزل عند شروط المقاومة وإرادة الشعب الفلسطيني
ورأى مراقبون
أن هنية أراد من خطابه توسيع دائرة الضوء المسلط على غزة في حربها مع الاحتلال،
لتقول الحركة إن المعركة يتردد صداها في الضفة والقدس المحتلة، ولها علاقة بكل
فلسطيني في الأراضي المحتلة، وخارجها.
وأكد هنية في
كلمته، أن الحركة لن تغادر مواقعها ولن تتخلى عن مسؤولياتها تجاه أبناء الشعب
الفلسطيني قبل المعركة وأثناء المعركة وبعد المعركة، مشيرا إلى تمسكها بوحدة الأرض
والشعب والمصير.
المحلل السياسي، والخبير في شؤون الشرق الأوسط، الدكتور
حسن مرهج، رأى أن تناول القضايا السياسية في خطاب هنية يأتي من باب أن العمل
العسكري على الأرض وفي الميدان، هو الذي يمهد لحلول سياسية توائم تطلعات الشعب
الفلسطيني، وكرئيس للحركة، كان يجب أن يتناول الشق السياسي بالتزامن مع طرح أطراف
مختلفة القضية على المنابر المختلفة، لا سيما "حل الدولتين".
وتابع مرهج بأنه إذا ما كان هنالك توجه إلى الحلول
السياسية، فإنه لا بد للجانب الفلسطيني أيضا أن يضع القواعد باتفاق الأطراف
السياسية، والفصائلية.
وأكد أن طرح هنية يتماشى مع ما يطرح إعلاميا، لا سيما من
طرف الولايات المتحدة بشأن التفاوض على الحلول السياسية، مع غياب الطرف الإسرائيلي
الذي يصمم على الحل العسكري ويرفع شعار القضاء على حماس بالكامل في قطاع غزة، رغم
وجود رئيس الاستخبارات الإسرائيلية "الشاباك" في الدوحة من أجل التفاوض.
اقرأ أيضا: الدبلوماسية في غزة تعزز دور قطر كوسيط عالمي
ولفت إلى أن الحديث عن الأسرى والتبادل، قد يتوسع ليطال
إنهاء الملف كاملا، وهو ليس ملفا سهلا، وعليه ربما يأخذ وقتا طويلا، وقد يكون هناك
مبادرات سياسية خلال التفاوض مثل اقتراح رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي،
بدولة فلسطينية منزوعة السلاح.
وتناول هنية في كلمته ضرورة إنهاء العدوان الإسرائيلي
على المسجد الأقصى – الذي سميت عملية المقاومة على اسمه – وطالب بإقامة دولة
فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، ومنح الفلسطينيين حق تقرير المصير.
وشدد على أن
الشعب الفلسطيني يخوض معركة التحرر الوطني عبر جبهة متراصة في غزة والقدس وفي كافة
أماكن تواجده، مشيدا ببطولات السكان في الضفة الغربية في مواجهة المستوطنين وجيش
الاحتلال الذي يقوم بإرهاب منظم ضد الأهالي والأسرى في الضفة والقدس.
اتساع الصراع في غياب الحلول
واتسع الصراع ببطء بعد شن الاحتلال الإسرائيلي عدوانه
على قطاع غزة، فدخلت المقاومة اللبنانية في تبادل لإطلاق النار والصواريخ مع
الاحتلال الإسرائيلي، وأوقعت ضحايا، وقدمت عددا من الشهداء المقاتلين، والمدنيين
في لبنان، كما اتسع القتال ووصل المليشيات المسلحة في العراق، التي وجهت عدة ضربات
للقواعد المتواجد بها عناصر أمريكيون وردت أمريكا عسكريا واعتبرت أنها تحركت بدفع
من الحرس الثوري الإيراني.
كما دخلت جماعة أنصار الله اليمنية على خط المعركة،
وقصفت منطقة إيلات المحتلة غير مرة، واحتجزت سفينة تشغلها شركة إسرائيلية، وقالت
إنها ستستهدف المصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر، وكل من يحاول حماية سفنها، إلى
حين انتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
من جانبه، قال مرهج إنه في غياب الحل السياسي، واستمرار
الحرب، فإن العواقب ستكون وخيمة، ولذا نلحظ تسارعا في الحراك السياسي، إقليميا
وعالميا، ونرى تغيرا في المواقف الداعمة لإسرائيل، لأن الجميع يعرف أن استمرار
اتساع نطاق الصراع يعني صراعا من باب المندب إلى سوريا والعراق ولبنان، وربما يصل
البلدان المجاورة والخليج العربي.
وكان الرئيس
الفرنسي، إيمانويل ماكرون قال خلال أول طاولة مستديرة في منتدى باريس للسلام: "كل شيء مترابط".
وأضاف: "لدينا اليوم دول ضعيفة للغاية، إذا
لم نساعدها من خلال التضامن الدولي، ستنجر إلى النزاع الدائر" في الشرق
الأوسط.
اقرأ أيضا: مديرا المخابرات الأمريكية والإسرائيلية في قطر لبحث هدنة غزة
وتابع: "بالتالي فإن تحرك صندوق النقد الدولي، خاصة في الأردن ومصر في إطار النزاع حاسم للغاية".
كما عبر خبير شؤون الشرق الأوسط عن مخاوف الغرب من وصول
التداعيات إلى أوروبا، وأمريكا، وهو ما لا يتماشى مع السياسة الأمريكية، خصوصا
أثناء انشغالها بملفات أخرى مثل الصين، وروسيا، وأوكرانيا.
وعبرت دول أوروبية على رأسها فرنسا وألمانيا، عن قلقها من تزايد
مظاهر "معاداة السامية" في البلدين الكبيرين، مع استمرار الحرب
الإسرائيلية على قطاع غزة.
وعبر كبير حاخامات إسرائيل في هولندا، يوني فيدر، عن مخاوف اليهود في
هذا البلد الهادئ والمسالم، من ارتداء الرموز اليهودية، وتجنبهم الحديث بالعبرية
في الأماكن العامة، بسبب الأجواء السياسية غير المريحة في البلاد بسبب الحرب على
غزة.
وأطلق أمريكي النار على ثلاثة طلاب فلسطينيين في ولاية
فيرمونت الأمريكية الأسبوع الجاري، الأمر الذي أزعج البيت الأبيض الذي عبر عن
"صدمته الشديدة" من الحادثة.
حراك محموم في قطر
على جانب آخر، تشهد العاصمة القطرية الدوحة حراكا محموما
على صعيد مفاوضات الهدنة التي تم تمديدها ليومين إضافيين، بعد أربعة أيام شهدت
تبادلا للأسرى من جانب الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية.
وقالت مصادر
عدة إن مدير جهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد"، ديفيد بارنياع،
ومدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "CIA"،
ويليام بيرنز، وصلا قطر للقاء رئيس وزرائها، الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل
ثاني، بشأن الهدنة بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية في غزة.
وأضاف مصدر
لوكالة رويترز، أن مسؤولين مصريين حضروا الاجتماع في الدوحة الذي سيتناول أيضا
المرحلة التالية من اتفاق محتمل.
وقال مصدر آخر
لوكالة فرانس برس إن المذكورين اجتمعوا للبناء على التقدم المحرز في اتفاق الهدنة
الإنسانية الذي تمّ تمديده وبدء المزيد من المباحثات حول المرحلة المقبلة من اتفاق
محتمل، وأكد المصدر أيضا حضور مسؤولين مصريين الاجتماع.
وتأمل دول عديدة على رأسها قطر المفاوض الأساسي في
الملف، بأن تؤدي الهدن الإنسانية المؤقتة، إلى الوصول لوقف إطلاق نار شامل.
وختم مرهج بأن
على حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أن تكون جاهزة على صعيد الملفات
السياسية، وعلى أصحاب القرار في المعركة اتخاذ القرار المناسب لأن صمودهم، أو
خسارتهم، عامل مهم في إنجاح، أو فشل المفاوضات السياسية، وأن على العرب أن يكونوا
جاهزين على صعيد المبادرات السياسية.