مسرحية "كاسك
يا وطن" قُدمت في
سوريا عام ١٩٧٩، من تأليف
محمد الماغوط وإخراج خلدون
المالح، وبالطبع اضطلع بالبطولة المطلقة فيها النجم السوري دريد لحام.
ولم تكن فقط
مسرحيةً ممتعة ومسلية أو حتى مسرحية تحمل الأيديولوجيا الصارخة وتقوم بتعليتها
أكثر على حساب أي عنصر فني آخر فيها.
وترجع أهمية
وخطورة هذه المسرحية في عرضها عام ١٩٧٩ إلى تقديمها النقد السياسي الاجتماعي
القاسي في ظرف بالغ الحساسية كان يمر به العالم العربي بشكل عام، وسوريا بشكل خاص
من ناحية، والحال التعس الذي وصلت إليه القضية
الفلسطينية وحالة اللا اتفاق التي
وصلت إليه الأنظمة العربية تجاهها من ناحية أخرى، وبالطبع لقد فطنت الشعوب إلى استغلال
الأنظمة العربية القضية لتقدم مشروعية وجودها الدائم في الحكم.
وهنا فطن نظام
الحكم الذكي في سوريا، وأنظمته الأمنية، إلى أنه لا بد من حتمية إرواء حالة ظمأ وجوع
الجماهير إلى حرية التعبير، وإلى نوع من التنفيس ومن ثم الإشباع، وبهذا يضمن
النظام بقاءه، وقد كان ما أريد له أن يكون.
وتم التصريح لعرض
مسرحية "كاسك يا وطني" وما فيها من سخرية مُرة على حال العرب وموقفهم
المتخاذل تجاه القضية، وكذلك السخرية من الإعلام الموجه الذي يبيع الأحلام الساذجة
للناس، بينما بطل المسرحية
غوار يبيع أولاده الثلاثة، بعد أن خسر كل شيء نتاج
البيروقراطية الغبية العمياء، في إشارة واضحة لنظام حكم متكلس.
كما يفقد غوار
بطل مسرحيتنا حياة ابنته، وتتركه زوجته وتتدهور به الأحوال اقتصاديا واجتماعيا،
ويبيع أولاده الثلاثة، ويتحول غوار من مواطن بسيط ملتزم إلى مواطن فاشل فقد كل شيء.
وهنا يأتي أهم مشهد
في المسرحية، وهو ظهور شبح والده الذي استشهد من أربعين سنة، ليسأله عن أحواله
وأحوال الأمة العربية، وما انتهت إليه القضية الفلسطينية، وهل أعيدت الأمور إلى
نصابها، واستقر العدل.
وبالطبع هذا
المشهد المهم والمدهش الذي ابتدعه الماغوط، قد استوحاه من مشهد الشبح في مسرحية
هاملت لشكسبير، فالشبح في الحالتين (هاملت وغوار) يحتمل دلالات مختلفة وتأويلات
عديدةً، فهو المعادل الموضوعي للعقل الباطن الذي يظهر لغوار، وهو في حالة انهيار
وسُكْر وتشرذم وانهيار كامل، ليطلب ويسأل، ولكن غوار بعد بعض المجاملات يواجه
الشبح بالحقيقة المُرة، وبضياع القضية ومعها ضياع الكرامة.
وينصرف الشبح بعد
أن صب جام غضبه ولعناته على غوار، أي حالة من حالات المواجهة بين الإنسان ونفسه
لمحاولة التطهر، وهي في واقع الأمر ليست لغوار فقط، وإنما تنسحب علينا نحن أيضا
كمتلقين بضرورة مواجهة ظرفنا البائس التعس، وعدم الاستسلام لمن يبيعون لنا الأحلام
ويتاجرون بأموالنا، ويقدمون لنا وللجماهير العريضة حزمة من الكذب تسمى بحق تقرير
المصير، وما أكثرهم من كَذَبة ومخادعين.