مضى 173 يوما من الحرب الضارية التي يشنها
الاحتلال على
غزة برا وجوا وبحرا، مستخدما أعتى آلة عسكرية وأحدث الأسلحة وأكثر القنابل تدميرا، والهدف كما كرر نتنياهو مرارا هو تدمير
المقاومة ككل و"حماس" بجناحها العسكري كتائب القسام بشكل خاص.
ستة أشهر ناور بها الاحتلال بعمليات برية دمرت معظم مباني القطاع وامتدت من بيت لاهيا وبيت حانون شمالا حتى دير البلح والشيخ رضوان في الوسط وليس انتهاء بخانيونس في الجنوب.
حرص الاحتلال على إعلان النصر كلما أنهى عملياته العسكرية في إحدى المناطق كما أنه أكد على تدمير كتائب حماس في كل من الشمال والوسط وخانيونس، سوى رفح التي يعدها محطته الأخيرة في الحرب.
لكن يختلف الأمر على الأرض كلما أعاد الاحتلال التوغل في المناطق التي انسحب منها، حيث تبرز المقاومة مجددا لتعود سيرتها الأولى، قد لا تكون بذات الزخم لكنها بالتأكيد بنفس الفعالية والقدرة على التأثير ما يدل على حفاظ المقاومة على بنيتها بتلك المناطق فضلا عن سلاحها الاستراتيجي، الأنفاق والصواريخ، كما حدث في "
أسدود" الاثنين.
اظهار أخبار متعلقة
قصف أسدود
أعلنت كتائب القسام، عن قصفها مدينة أسدود المحتلة، برشقة صاروخية، ردا على استهداف المدنيين في قطاع غزة.
ودوت صافرات الإنذار في أسدود، شمال قطاع غزة، وقالت مصادر عبرية، إن 8 صواريخ رصدت تنطلق باتجاه المدينة الساحلية، والتي لم تنطلق فيها الصافرات منذ 14 كانون الثاني/ يناير الماضي.
ولفتت هيئة بث الاحتلال، إلى أن صاروخين فقط من القبة الحديدية، جرى اعتراضهما، لكنها لم تكشف عن موقع سقوط بقية الصواريخ.
يذكر أن هذه الرشقة الصاروخية تعد الأولى تجاه أسدود منذ أكثر من شهرين، حين أعلنت "القسام" منتصف كانون الثاني/ يناير عن قصفها مدينة أسدود المحتلة برشقة صاروخية من طراز مقادمة M75، ردا على مجازر الاحتلال بحق المدنيين.
وقالت القناة الـ12 العبرية إن صاروخا سقط في حقول قريبة من مستوطنة تابعة لـ عسقلان، من دون وقوع إصابات.
توقيت الرشقة الصاروخية على أسدود لا يحرج أحدا كما يحرج نتنياهو الذي يمهد لاجتياح رفح، فهي تعيد المعركة لأيامها الأول وتضعه في موقف صعب للغاية أمام الشارع "الإسرائيلي" الغاضب أساسا.
كما أنها ستقوي من موقف المقاومة في مفاوضات الهدنة وصفقة التبادل، إذ بدت وعود نتنياهو بإنهاء الحرب في رفح والقضاء على المقاومة صعبة التحقيق.
نصر غير قابل للتحقيق
ذكر
تقرير لصحيفة "جيروزاليم بوست"، أن "المكاسب التكتيكية التي حققها الجيش الإسرائيلي في غزة يمكن أن تتحول إلى خسائر استراتيجية وهذا هو السبب إذا استمرت الصواريخ في السقوط وواصلت ’حماس’ حشدها".
وتساءلت الصحيفة: "متى ستكون النقطة التي سيقرر فيها الجمهور العام أن النصر المطلق غير قابل للتحقيق؟".
وبينت، أنه "منذ منتصف كانون الثاني/ يناير، كان إطلاق الصواريخ متقطعاً، مع عدم إطلاق أي صواريخ على الإطلاق على مدى أيام طويلة، لكن الصواريخ استؤنفت إلى حد ما في الأيام الأخيرة".
وأشارت إلى أن "حوالي نصف سكان الحدود الجنوبية استمعوا لتشجيع الجيش الإسرائيلي والحكومة بالعودة إلى منازلهم، ولكن لماذا؟ إطلاق الصواريخ مستمر بين الحين والآخر، حتى بعد الغزو الذي يفترض أن يمنحهم بعض الهدوء؟ هل يظن الناس أن البقية سيعودون إلى الجنوب عندما يسمعون الخوف والإحباط من جيرانهم الذين سبقوهم؟".
"على الرغم من قول الجيش الإسرائيلي إنه في كل مرة تتمكن فيها ’حماس’ من إطلاق الصواريخ، يتم القضاء على الخلية المعنية، وفي كل مرة تعيد ’حماس’ تشكيل نفسها، كما هو الحال في
الشفاء، يعود الجيش الإسرائيلي لسحقها، هل يمكن أن نسمي هذا تقدما استراتيجيا؟"، وفقا للصحيفة.
وتابعت: "إذا كانت عملية إطلاق الصواريخ الأخيرة والشفاء هي المحاولات الأخيرة الحقيقية التي تبذلها ’حماس’ لاستعادة مكانتها، وإذا كان تهديدها سوف يبدأ في الانهيار في وقت قريب، فهذا يعني أن تحولاً استراتيجياً حقيقياً قد بدأ".
وأردفت: "إذا لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من وقف إطلاق الصواريخ بشكل دائم، وإذا عادت ’حماس’ إلى الشفاء مرة ثالثة، حتى لو بعد عدة أشهر من الآن، أو تمكنت من إطلاق النار مرة أخرى وإعادة بناء قواتها لتصل إلى 100- 200 مقاتل، فإن الرسالة سوف تكون: السيطرة العملياتية لا تمنع إطلاق الصواريخ ولا تمنع ’حماس’ من البقاء كقوة مهيمنة في غزة".
وبينت، أنه "سوف يظل جيش الدفاع الإسرائيلي أقوى من ’حماس’ في أي قتال مباشر وغير مباشر، ولكن إلى متى سوف يمر قبل أن يتعب العالم والمجتمع الإسرائيلي من حرب أبدية جديدة تترتب عليها مثل هذه الخسائر الباهظة الثمن؟".
واستدركت، بأنه "إذا تابعنا تصريحات الحكومة وكبار ضباط جيش الدفاع الإسرائيلي، فإن ’الحرب الرئيسية’ كانت ستنتهي في منتصف يناير/ كانون الثاني، وكان من المفترض أن يتم التمرد منخفض الحدة في وقت ما بين منتصف أبريل/ نيسان ومنتصف سبتمبر/ أيلول".
اظهار أخبار متعلقة
ملحمة الشفاء
بدأ الاحتلال عملية عسكرية في مجمع الشفاء في الـ18 من الشهر الجاري، ارتكب خلالها عدة مجازر ضد المدنيين المحاصرين في المجمع والمباني المحيطة به.
وتعد هذه المرة الثانية التي يقدم الاحتلال فيها على اقتحام مجمع الشفاء، بعدما نفذ عملية واسعة داخله في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
وأعلن عقب الاقتحام الأول السيطرة على المنطقة وإنهاء تواجد المقاومة هناك، إلا أن كتائب القسام فاجأته بمقاومة شرسة ومعركة مستمرة منذ 9 أيام قتل خلالها العديد من جنود جيش الاحتلال وضباطه.
وكعادتها بتوثيق
المعارك بالصوت والصورة، بثت "القسام" خلال يومين مشاهد من المعارك في محيط مجمع الشفاء.
وأظهرت المشاهد استهداف المقاومة لعدد من آليات الاحتلال الإسرائيلي وتدميرها خلال المواجهات المباشرة التي اندلعت في المجمع الواقع غرب مدينة غزة.
وتوثق المشاهد استهداف دبابة في شارع الرشيد الذي ظل طوال الفترة الماضية تحت السيطرة النارية للاحتلال، لذا فإن تمكن المقاومة من هذه العملية يظهر هشاشة بيانات الاحتلال المتعاقبة عن إحكام الطوق على بعض مناطق القطاع وتحييد المقاومة.
تعد هذه العمليات أولى الضربات للفرقة 162 التي تنتشر في محيط المجمع بعد انسحاب الفرقة 36، متكبدة خسائر فادحة عقب ستة أشهر من المعارك في هذه المناطق.
ويستهدف مقاتلو "القسام" في المقطع المصور بسلاح القنص مراكز سيطرة وقيادة للاحتلال، وكان من اللافت تكرار القناص استهداف المركز عدة مرات ومن مكان مؤمن، ما يوحي بإمكانيات عالية للمقاومة أمنت وصول المقاتلين وتنسيق العملية وتوثيقها ثم الانسحاب بسلام.
بيت حانون
ادعى الاحتلال سابقا انتهاء المعارك في شمال غزة، قبل أن يعود ويتوغل في المنطقة خلال الأيام الثلاثة الماضية، ويواجه مقاومة شرسة في منطقة قال إنها خلت من المقاومة.
وبثت "القسام" مشاهد لاستهداف آليات عسكرية للاحتلال شمال شرق بيت حانون شمال القطاع، المتاخمة لغلاف غزة.
وتظهر المشاهد استهداف دبابة "ميركافا" وجرافة "دي 9" (D9) بقذيفتين مضادتين للدروع من طراز "الياسين 105"، وإصابتهما بشكل مباشر وسط تكبيرات المقاتلين القساميين.
وتعود هذه المشاهد بحسب كتائب القسام إلى الـ23 من الشهر الجاري، والتي اختتمت بعرض مقتنيات تعود لجنود جيش الاحتلال الإسرائيلي وبقايا من آلياته العسكرية المدمرة.
وأعلنت "شهداء الأقصى"، عن إسقاطها طائرة استطلاع للاحتلال من طراز "سكاي لارك 2" كانت في مهمة استخباراتية في سماء مدينة بيت حانون شمال قطاع غزة.
اظهار أخبار متعلقة
إقرار بالفشل
وتتعالى الأصوات يوميا داخل الاحتلال بأن نتنياهو يأخذهم للهاوية مع السقف العالي لأهدافه في غزة وصعوبة وربما استحالة تحقيقه.
يقول الخبير العسكري والجنرال في قوات الاحتياط إسحاق باريك في مقال نشرته صحيفة "معاريف" العبرية: "لقد أصبح من الواضح للجميع أن التدمير الكامل لـ’حماس’ هو خيال نتنياهو وأتباعه وباسم هذا الوهم الذي يخدعون به الجمهور، يخلق المستوى السياسي العقبات للإفراج عن المختطفين".
وأضاف أن "النتيجة ستكون، لا نصر كاملا على ’حماس’، ولا إطلاق سراح لجميع المختطفين، وهذا هو أسوأ فشل تعرّض له شعب ’إسرائيل’ في جميع حروبه منذ تأسيس الدولة اليهودية وحتى يومنا هذا".
ويستشهد باريك بحديث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، لمجلس الحرب حين قال إن "أمن ’إسرائيل’ ومكانتها الدولية في خطر. إن لم تفهموا ذلك بعد، فإنكم تخاطرون بالتعثر في غزة، وتخاطرون بالعزلة العالمية".
وتابع باريك: "في كل مرة يعيد نتنياهو إطلاق شعاره الأجوف معدوم الأساس (ادخلوا رفح وأسقطوا ’حماس’ بالكامل) فإنه يعيد المفاوضات مع ’حماس’ لإطلاق سراح الرهائن عشرات الخطوات إلى الوراء، حتى لو كانت قد بدأت بالفعل خطوة واحدة إلى الأمام".
يؤكد الخبير العسكري "الإسرائيلي"، أن "تصريحات نتنياهو وأحد أمثاله الذي سيسيطر على الذراع العسكرية لـ’حماس’ بعد تدمير الكتائب الأربع في رفح، هي تصريحات غبية لا أساس لها من الصحة، وتظهر عدم فهم كامل لماهية حرب العصابات".
وأردف: "على سبيل المثال، استولى الجيش على مدينة غزة والأحياء المحيطة بها، لكن ذلك لم يمنع الآلاف من مقاتلي ’حماس’ من العودة عبر الأنفاق إلى شمال قطاع غزة، إلى مدينتي غزة وجباليا وحي الشجاعية والزيتون. إنهم يستعيدون السيطرة على شمال قطاع غزة في جميع الأماكن التي تركها رغم أننا قصفنا كتائبهم. لذا فإن تدمير أربع كتائب أخرى لـ’حماس’ في رفح لن يغير شيئا".
ومضى قائلا: "لا توجد علاقة بين سيطرة الجيش على كتائب ’حماس’ وبين تدمير البنية التحتية المحيطة بها وبين قدرة ’حماس’ على مواصلة القتال كمقاتلين فدائيين. وإذا أضفنا إلى ذلك أنه حتى هذه اللحظة ليس لدى المستوى السياسي أي خطة لكيفية استبدال الحكم المدني لـ’حماس’ في قطاع غزة، فمن الممكن أن نفهم لماذا وصلنا إلى أسوأ فشل في تاريخ دولة ’إسرائيل’".
وحول رفح يقول باريك، إن "دخول رفح رهان على أمن البلاد، لأنه قد يفجّر علاقاتنا مع الولايات المتحدة، التي هي بالفعل هشة للغاية اليوم، ويزيد مقاطعة العالم كله لـ’إسرائيل’. أضف إلى ذلك المقاطعة الاقتصادية وحظر إرسال الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية الأساسية، على غرار ما حدث لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا".
وختم، بأن "الدخول إلى مخيمات رفح قد يؤدي إلى حرب إقليمية متعددة الجوانب، وفقدان السلام مع مصر في حال تشابك القتال في منطقة محور فيلادلفيا على الحدود المصرية، وهو الوضع الذي قد يؤدي أيضا إلى مشاكل مع الأردن والإمارات، مع مقتل جميع المختطفين. وهذه مقامرة خطيرة جدا لا ينبغي الإقدام عليها، فقد تكون المسمار الأخير في نعش بقائنا".