ملفات وتقارير

لماذا تزامن رفع حكومة السيسي أسعار الخبز والوقود مع مراجعة صندوق النقد؟

أعلنت الحكومة المصرية عن رفع سعر رغيف الخبز المدعوم إلى 20 قرشا من 5 قروش، وتنفيذ القرار اعتبارا من مطلع يونيو المقبل- الأناضول
أعلنت الحكومة المصرية عن رفع سعر رغيف الخبز المدعوم إلى 20 قرشا من 5 قروش، وتنفيذ القرار اعتبارا من مطلع يونيو المقبل- الأناضول
في الوقت الذي تزور فيه بعثة صندوق النقد الدولي القاهرة منذ 21 أيار/ مايو الجاري، لإتمام المراجعة الثالثة للاقتصاد المصري تمهيدا للحصول على شريحة جديدة بقيمة 820 مليون دولار، من تمويل الصندوق البالغ 8 مليارات دولار  وفق اتفاق مع القاهرة جرى في آذار/ مارس الماضي، فقد توالت التصريحات الحكومية عن رفع أسعار بعض الخدمات والسلع الاستراتيجية.

وفي حديث تكرر على مدار الأيام الماضية أمام وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية في القاهرة، أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، عن تحريك أسعار الخبز المدعم 4 أضعاف، ورفع الدعم عن الكهرباء، والمنتجات البترولية، فيما جرى الإعلان عن رفع كبير بأسعار أكثر من 200 صنف دوائي.

وهو الحديث الذي جاء عقب إعلان رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، عن هذا التوجه الحكومي لرفع أسعار تلك السلع والخدمات المدعوم بعضها بقدر من الموازنة العامة المصرية، قبل أيام.. ما دفع مراقبين إلى القول إن هذا التكرار والتأكيد قد يكون فيه رسالة للصندوق لتمرير المراجعة الهامة والحصول على الجزء المقرر من القرض، وطلب تمويل جديد بنحو 1.2 مليار دولار من صندوق الاستدامة التابع للصندوق، وفق تصريح سابق لمدبولي.

وذلك لحل أزمة شح الدولار لدى الحكومة المصرية، ولدفع مستحقات بعض الشركات الأجنبية وخاصة شركات التنقيب عن النفط والغاز، وأيضا دفع خدمة دين فاقت الـ168 مليار دولار مع نهاية العام الماضي.

ولكن على الجانب الآخر، يرى البعض أن ذلك الحديث يعد مؤشرا على تفاقم جديد لأوضاع أكثر من 106 ملايين مصري مع القرارات الجديدة واشتراطات وتعليمات الصندوق.

"تغيير لم يحدث منذ 30 عاما"
والأربعاء، أعلن مدبولي، عن رفع سعر رغيف الخبز المدعوم إلى 20 قرشا من 5 قروش، وتنفيذ القرار بعد 3 أيام اعتبارا من مطلع حزيران/ يونيو المقبل، في مخاطرة جريئة وقد تكون غير محسوبة خاصة أنه لم يتم تحريك سعر الخبز المدعم منذ 30 عاما، وفق تأكيد مدبولي.

وأضاف أن الدعم سيظل موجودا للفئات ذوي الدخل المنخفض، لكنه أثار الجدل مجددا بقوله إنه سيتم مناقشة التحول من الدعم العيني إلى النقدي.

اظهار أخبار متعلقة


ويصف خبراء ومراقبون ملف الخبز المدعم بأنه أشد الملفات خطورة، كونه يمس بشكل مباشر ملايين المصريين من الطبقات الفقيرة والمعدمة من شعب يتغلغل الفقر، والفقر المدقع في مساكنه وشوارعه وحواريه وقراه ونجوعه وعزبه وكفوره.

وذلك إلى جانب ارتباط هذا الملف بانتفاضات شعبية مثل "انتفاضة الخبز" أيام 18 و19 كانون الثاني/ يناير 1977، في عهد الرئيس أنور السادات، كما كانت كلمة "عيش" وتعني الخبز ، أهم مطالب المصريين إلى جانب "الحرية والعدالة" في ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، ضد حكم حسني مبارك.

"الوقود والكهرباء"
والثلاثاء، تحدث مدبولي، أيضا عن أسعار الخبز والوقود والكهرباء، وقال: "يجب تحريك سعر رغيف الخبز المدعم بصورة تتناسب مع الزيادة الرهيبة في الأسعار، مشيرا إلى إمكانية زيادة أسعار المواد البترولية، وذلك برغم أن حكومته رفعت في آذار/ مارس الماضي، سعر البنزين من 8 إلى 10 بالمئة، والسولار بنسبة 21.2 بالمئة".

وواصل مدبولي، بحديث هادئ مليء بالأرقام والإحصائيات عن تكلفة دعم الخبز والوقود والكهرباء للموازنة المصرية، صدماته للشارع المصري معلنا عن أنه طالب وزارة الكهرباء بوضع خطة لرفع الدعم عن الكهرباء بالكامل على مدى 4 سنوات...

وذلك رغم أنه ملف يؤلم الكثير من المصريين خاصة مع انقطاع الكهرباء بشكل يومي، وفق خطة لتخفيف الأحمال، وتوفير الكهرباء لتصديرها للخارج والحصول على عائد دولاري مجز.



وواصل المسؤولين في حكومة مدبولي توجيه الصدمات للمصريين بهذه الملفات، والتي جاءت إحداها على لسان المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء محمد الحمصاني، بقوله لفضائية "صدى البلد" المحلية، إنه "سيجري رفع الدعم عن بعض السلع بصورة كاملة".

أما وزير المالية محمد معيط، وفي اتصال بفضائية "الحدث اليوم" المحلية، فقد وجه رسالة مقلقة بقوله إن ملف الدعم "أصبح يمثل خطورة على الأمان المالي والاقتصادي للدولة".

والأربعاء، أكد رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية الدكتور علي عوف، أن هناك زيادة مرتقبة في أسعار 200 صنف دوائي، الأسبوع المقبل، متوقعا زيادة أسعار 700 صنف خلال 3 أشهر قادمة، ملمحا لاحتمال رفع أسعار أدوية الأمراض المزمنة، 20 بالمئة، والأمراض الحادة 30 بالمئة.

"طروحات واستحواذات بالتزامن"
وبالتزامن مع حضور صندوق النقد للقاهرة، وإعلان الحكومة عن رفع أسعار تلك السلع، عاد الحديث عن ملف الطروحات بقوة، حيث أُعلن قبل أيام عن عروض لشراء شرطة "وطنية" التابعة للجيش المصري، والتي يمثل طرحها للبيع إحدى مطالب صندوق النقد الدولي، بدعوى تقليل حصة الجيش في الاقتصاد المحلي.

وبعد يوم واحد من وصول بعثة صندوق النقد إلى القاهرة، وفي 22 أيار/ مايو الجاري، قالت وزيرة التخطيط المصرية هالة السعيد لـ"اقتصاد الشرق مع بلومبرغ، إن "مصر تلقت 7 عروض عالمية ومحلية للاستحواذ على أسهم "الشركة الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية" (وطنية).

اظهار أخبار متعلقة


وإلى جانب ما تشير إليه الأنباء من قرب تنفيذ صفقة "وطنية"، فقد جرت في الأيام الماضية وبالتزامن مع وجود بعثة صندوق النقد في مصر، استحواذات واسعة في القطاع الزراعي، والصحي والطبي.

ومنها استحواذ شركة "تريكويرا" الهولندية على حصة جديدة قدرها 22 بالمئة في "مينا فارم" للأدوية لتصل حصتها 50 بالمئة، واستحواذ شركة "بريميوم دياجنوستيكس" الإماراتية على حصة أقلية في سيتي للتحاليل الطبية، ورفع شركة "غولدمان ساكس إنترناشيونال" الإماراتية حصتها في شركة "مستشفى كليوباترا".

وفي القطاع الزراعي والتعليمي يسعى صندوق الاستثمارات العامة السعودي لاقتناص حصة في "دالتكس" للتطوير الزراعي أهم مصدر للبطاطس المصرية، بجانب عرض من الصندوق للاستحواذ على 100 بالمئة من شركة "سيرا" للتعليم، وغيرها من الطروحات وصفقات الاستحواذ والدمج.

"خطوات مجهولة المعالم"
وفي رؤيته لتتابع إعلان الحكومة عن رفع أسعار سلع استراتيجية، وتسارع عمليات بيع الأصول العامة، بالتزامن مع حضور صندوق النقد الدولي، أعرب الخبير الاقتصادي المصري عبدالحافظ الصاوي، عن أسفه الشديد لتلك الحالة.

الباحث والكاتب الاقتصادي، المعني بقضايا الاقتصاد الكلي، قال في حديثه لـ"عربي21"، إن "كل ما يتعلق بالاتفاقيات الدولية بجانبيها الاقتصادي والسياسي لا تعلن الحكومة عن حقيقة هذه البرامج أو بنود تلك الاتفاقيات".

وأكد أنه "في الاتفاق الأخير بين صندوق النقد الدولي ومصر، لا يُعلم ما هي الإجراءات التي يتوجب على الحكومة المصرية الالتزام بها، حتى يتحسب الناس لتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي نحن أمام خطوات مجهولة المعالم".

وفي قراءته لـ"الإجراءات التي أُعلن عنها مؤخرا؛ مثل رفع سعر رغيف الخبز إلى 20 قرشا بدلا من 5 قروش، وعزم الحكومة على رفع أسعار المواد البترولية باستثناء السولار الفترة القادمة، وأيضا الشروع في تنفيذ بعض عمليات بيع الأصول، كلها أمور يمكن قراءتها في ضوء توقيع التمويل الأخير مع صندوق النقد الدولي".

وتابع: "وكذلك، الحصول على التسهيلات الائتمانية الممنوحة منه، وكذلك اعتبار ذلك بوابة للحصول على دعم الجهات المانحة والمقدمة للقروض الفترة القادمة؛ حتى يستطيع النظام الحصول على مزيد من القروض".

وأعرب الخبير المصري، عن أسفه الشديد مجددا لما اعتبره "التداعيات الاجتماعية والسياسية لمثل هذه الإجراءات على الشارع المصري وعلى الطبقتين المتوسطة والفقيرة؛ فهو أثر كبير لا تُعلم عواقبه، والشارع سوف يزداد غليان خلال الفترة القادمة".

وقال إن "على الحكومة أن تعود إلى رشدها في مثل هذه القرارات، وأن تلتزم طريق الخروج من دائرة الفساد والتبذير والتبديد للموارد المالية المحدودة، وأن تحافظ على ما بقي من مشاعر لدى المواطن، حتى يستطيع العيش في الحد الأدنى من الحياة الكريمة، التي من المفترض أن يتمتع بها".

وختم مؤكدا أنه "في نفس الوقت على الحكومة أن تلجم قراراتها وتصرفاتها المتعلقة بالبذخ وعدم ترشيد الإنفاق في بناء القصور والاستراحات والطائرات الخاصة، وكل الأمور التي تنم عن غياب ترشيد الإنفاق بالموازنة العامة للدولة والمال العام بشكل عام".

"تصدر السياسة المالية والنتاج الخاطئ"
وفي تقديره، قال الباحث المصري في الملف الاقتصادي والعمالي حسن بربري، لـ"عربي21"، إن "السياسة الاقتصادية غير موجودة في مصر، وهناك فقط سياسة مالية، وهذا يظهر عبر تصدر البنك المركزي المصري للمشهد الاقتصادي".

وأكد أن "كثيرا من الدراسات والأبحاث تقول إن تصدر أي بنك مركزي في تحريك الاقتصاد له ناتج خاطئ، ولكن هناك دول مازالت تستعمله لأنها غارقة بالديون مع صندوق النقد، والصندوق باختصار لعبته كلها في السياسات المالية والنقدية ولا يقترب من الاقتصاد ويعتبره شأنا داخليا".

عضو "حزب العيش والحرية" تحت التأسيس، أضاف أن إعلان الحكومة عن رفع أسعار سلع استراتيجية، وتسارع عمليات بيع الأصول العامة، بالتزامن مع حضور صندوق النقد الدولي، "يؤدي لآثار سلبية في توزيع الدخل وزيادة التفاوت الاقتصادي بين الطبقات".

وأشار إلى أن "التجارب تقول إن الخصخة منذ بدأت في مصر عام 1990، لم تحدث أي تغيير سوى أن الآثار التوزيعية لعملية الخصخصة راحت في يد قلة قليلة من الأغنياء، ولم يستفد منها الشعب ولم تغير في حياته، بل بالعكس أساءت بشكل سلبي إلى رفاهية واقتصاد الشعب".

النقابي المصري والناشط العمالي، لفت إلى أن "عملية البيع بما يشوبها من فكرة عدم الشفافية وغياب المنافسة وعدم طرح المعلومات بشكل معين، بجانب فكرة أن البيع بالأمر المباشر؛ جعل العملية تشوبها التساؤلات حول احتمالات الفساد، كما أن حصيلة البيع لا نعرف ماذا حدث بها".

وأضاف: "في المقابل لدينا مشكلة كبيرة جدا، وحصيلتنا الدولارية قليلة جدا، وهناك فجوة مالية من العملة الصعبة يتم سدادها بالبيع، وذلك لأنه ليس لدي اقتصاد تصديري قائم على فكرة التصدير للخارج لتوفير العملة".

بربري، خلص للتأكيد على أن "هناك تأثيرا كبيرا على الأسعار، والعمالة، وعلى المنافسة في السوق"، مبينا أنه "بالنسبة للتأثير على الأسعار فالوجه الحقيقي للموضوع أن كل عمليات الخصخصة تحدث فيها زيادة بالأسعار، وهذا يؤكده الأكاديميون وأبحاث أساتذة بالجامعات المصرية والمراكز البحثية المستقلة".

ويرى أن "زيادة الأسعار تلك تزيد من حالة عدم اللامساواة في المجتمع، وتؤثر على فكرة توزيع الثروة والدخل، الذي ينقسم إلى أجور ومرتبات للعمال والموظفين، وأرباحا تعد هي الدخل لأصحاب الشركات والأعمال".

وأوضح أنه "كان يصاحب عمليات الخصخصة زيادة بسعر السلع من قبل المستحوذين على الأصول العامة، كما أنه من شروط صندوق النقد الدولي تصحيح مسار السياسة النقدية والمالية ورفع الدعم عن السلع والخدمات، وبالتأكيد هذا يرفع أسعار السلع".

وتابع: "ومع وجود دخول ثابتة لغالبية السكان والعمال والموظفين يزيد العجز عن توفير المنتجات بشكل أساسي أو السلع الأساسية الضرورية، وبدلا من أن المواطن أو العامل يحاول تحسين مكانته الاجتماعية بعملية ادخار أو ترفيه أو أن يكون لديه أمان من السلع الضرورية أصبحت الآن المسألة صعبة، ويحاول سد الفجوة بين الدخل وسعر السلع الأساسية، وذلك لأن عمليات الخصخصة أو البيع تؤدي إلى عملية احتكار لهذه السلع، لأنه صار المتحكم".

وقال بربري: "لدى النظام الحالي في ملف الخصخصة اختلاف عن الخصخصة التي تحدث بالدول النامية الأخرى"، ملمحا إلى وجود "صراع بين فكرة أن لديه مشروعات قومية وأنه يجب أن يكون لديه دور في الاقتصاد، وما بين فكرة شروط الصندوق التي تسحب منه هذه السيطرة، وهو طوال الوقت متحير، وفي النهاية يرضخ لفكرة أنه محتاج لقروض الصندوق وإلى المؤسسات الدولية الأخرى للحصول على قروض أكبر، ويضطر للاستجابة للشروط".

اظهار أخبار متعلقة


وأكد أنه "أيضا، ليس لديه ثقة بالقطاع الخاص المصري، وبالتالي فكل الاستحواذات -وهي ليست عمليات بيع بالمنطق- استحواذات خليجية وأجنبية أكثر منها استحواذات أو بيع للقطاع الخاص المصري".

وأشار إلى أنه "لأول مرة تحدث عمليات الخصخصة على مستوى البنك الدولي وفي تاريخه أن يكون معدل بيع أو شراء الشركات أو طرح أملاك الدولة نسبة الاستثمار الأجنبي والخليجي بها أعلى بكثير من نسبة القطاع الخاص الوطني".

"آثار كارثية"
وأضاف: "أصبح القطاع الخاص والمستهلكين تحت رحمة هذه الشركات، وهذا يؤدي إلى أنه سيكون هناك تسريح للعمالة بشكل كبير، لأنه يرى أن هناك عمالة كبيرة بشركات القطاع العام وقطاع الأعمال، وبالتالي فإن هناك عملية تسريح للعمالة، وبالتالي خفض للدخل الخاص بهم وهو ما يواكبه ارتفاع لأسعار السلع الضرورية".

وبين أنه "من هنا تحدث الفجوة، والآثار الاجتماعية والاقتصادية السلبية على المديين القصير والبعيد، ففي الأولى تزداد المعاناة وخاصة مع زيادة أسعار الكهرباء والغاز والمياه والصرف الصحي والاتصالات، ولو أجرينا مسحا للدخل والإنفاق الأسري بهذه الفترة سنجد أن إمكانية حصول الفقراء على هذه الخدمة وإمكانية الوصول لها ضعيف جدا".

وختم بربري، بالقول إن "هناك آثارا اجتماعية واقتصادية تنعكس على فكرة توزيع الثروة العامة، وهذه الآثار يدفع فاتورتها الطبقات الفقيرة والمتوسطة في المدى القصير بشكل كبير، وعلى المدى البعيد تدفعها الأجيال القادمة التي ستكون مرهونة لسياسات الشركات الأجنبية التي استحوذت على أصول وأملاك الدولة".
التعليقات (0)