شهدت
ليبيا في الفترة الأخيرة ترقيات عسكرية لافتة
لأبناء خليفة
حفتر، إذ تم تعيين ابنه الأصغر صدام رئيسا لقواته البرية المسيطرة
على الشرق والجنوب، بينما منح نجله خالد منصب رئاسة الوحدات الأمنية بصلاحيات
واسعة داخل الجيش الليبي، ويترأس ابنه الثالث بلقاس صندوق إعادة إعمار ليبيا.
وتزيد هذه الترقيات التكهنات الخاصة بنوايا حفتر،
وعزمه تأسيس حكم وراثي، بحسب مراقبين، فيما يرى آخرون أنه يجهز نفسه للتقاعد.
ويُفسر مراقبون ترقيات أبناء حفتر على أنها
"خطوة مدروسة" من قبل المشير لتجهيزهم لخلافته، مُتوقعين حدوث سلسلة من
إقالات تطال كبار قيادات الجيش التابع له، في حين يرى آخرون أن هذه الترقيات تُمثل
"استمرارا لظاهرة توارث المناصب القيادية قبل التقاعد"، التي تُلاحظ
منذ تأسيس المملكة الليبية في الخمسينيات من القرن الماضي.
وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي الليبي، إبراهيم
بلقاسم، إن "برنامج توريث القيادة العسكرية في الشرق الليبي جارٍ منذ فترة،
مع ترجيح استمرار الجنرال حفتر في منصبه على المدى القصير، فعلى الرغم من تدهور
صحته، فإنه لا توجد مؤشرات على نيته التقاعد من الحياة السياسية".
ويُشدد المحلل الليبي، في اتصال مع "أصوات
مغاربية"، على أن "مستقبل الشرق الليبي مرهون بمدى سلاسة عملية انتقال
القيادة العسكرية، ففي حال عدم حدوث عملية انتقال سلسة للسلطة، تلوح في الأفق
مخاطر نشوب صراعات على السلطة".
اظهار أخبار متعلقة
وأردف: "لهذا يبرز اسم صدام حفتر، نجل القائد
خليفة حفتر، كأقرب المرشحين لتولي القيادة العامة للجيش في المستقبل القريب".
وأشار المتحدث إلى أن عملية توريث القيادة العسكرية
"تتضمن ترتيبات واسعة خلف الستار، بما في ذلك حملة واسعة لإحالة كبار الضباط
للتقاعد، ومن بين هؤلاء، الأمين العام للقيادة، ورئيس الأركان، ورئيس الأركان
البرية، والمفتش العام للجيش".
وأعرب المحلل الليبي عن اعتقاده بأن "صدام حفتر
يرغب في تعيين قادة شباب أصغر سنا في المناصب العليا، خصوصا أن معظم القيادات
الحالية وصلت إلى سن التقاعد القانوني".
وتابع بلقاسم: "برنامج توريث القيادة في شرق
ليبيا لن يواجه أي معارضة عسكرية أو اجتماعية، وذلك لعدة أسباب، أبرزها أن خليفة
حفتر يحكم بقبضة قوية، إذ نجح في إزاحة العديد من معارضيه، ما أدى إلى إضعاف أي مقاومة محتملة لبرنامج التوريث".
وأضاف أن "الرجل يمتلك أيضا نفوذا كبيرا بين
القبائل، ما يمنحه ميزة كبيرة في فرض إرادته، كما أن عملية التخلص من الخصوم
متواصلة، إذ لا يتردد في استخدام القوة لإزالة أي معارضة لمشروعه، وهذا يخلق جوا
من الخوف يثني الكثيرين عن التعبير عن معارضتهم".
من جهة أخرى، اعتبر الإعلامي والمتخصص في الشؤون
الليبية، إسماعيل السنوسي، أن "ليبيا في الوضع الحالي تواجه مشاكل أعمق من
مجرد توريث المناصب، التي تعد ظاهرة معقدة ذات أبعاد تاريخية وسياسية واجتماعية،
لكنها أيضا مفهومة في السياق الحالي".
وأضاف السنوسي، في حديث مع "أصوات مغاربية"،
أن "مشاركة أبناء المسؤولين السياسيين والعسكريين في المؤسسات التي يديرها
آباؤهم، أو في الحياة العامة الليبية، هو جزء لا يتجزأ من الواقع الليبي منذ تأسيس
المملكة، ولا يبدو أن هناك إمكانية لتغيير هذا الواقع المتجذر".
اظهار أخبار متعلقة
واستطرد قائلاً: "لكن في ظل الوضع الخاص الذي
تمر به ليبيا حالياً، وما تواجهه من تحديات أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية
خطيرة تهدد وجود الدولة الليبية نفسها، يمكن تفهم جميع هذه الترتيبات التي يلاحظها
المتابعون للشؤون العامة في ليبيا، مثل الترقيات الاستثنائية للضباط ذوي النفوذ أو
المقربين من صناع القرار في الشرق والغرب".
ورأى السنوسي أن التحليلات "ينبغي أن تركز على
النتائج العملية لهذه الإجراءات ومدى إسهامها في الحفاظ على مستوى معقول من
الاستقرار، بحيث يمكن تنفيذ عملية سياسية توحد مؤسسات الدولة الليبية تحت حكومة
واحدة، تكون مهمتها الأساسية إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية المنشودة وفقاً
للقوانين الانتخابية والتشريعات النافذة".
وبرزت مسألة توريث
الحكم في ليبيا خلال عهد الزعيم
الليبي الراحل معمر القذافي، حيث تناقلت تقارير غربية عام 2006 أنباء عن قيامه
بإعداد أبنائه الثلاثة، سيف الإسلام ومعتصم وخميس، لتولي زمام الأمور في البلاد من
بعده.
ولم تكن هذه الظاهرة حصرية بنظام القذافي، بل سبق أن شهدت المملكة الليبية نقاشات مماثلة حول توريث العرش خلال الخمسينيات، أي قبل
انقلاب القذافي على الملكية عام 1969.