رغم حرص رئيس النظام
المصري، عبدالفتاح
السيسي، على الاستئثار بكافة القرارات والصلاحيات منذ انقلابه على الرئيس الراحل محمد مرسي منتصف 2013، وهو التوجه الذي عززه بالتعديل الدستوري المثير للجدل، في نيسان/ أبريل 2019، ليزيد من صلاحياته وسلطاته على قطاعات الدولة بجانب مدده الرئاسية، فإنه وفي مفاجأة مثيرة فوض رئيس وزرائه في 7 صلاحيات لافتة.
والأحد، نشرت
الجريدة الرسمية المصرية قرار السيسي، بتفويض مصطفى
مدبولي، الذي حلف و31 من وزرائه اليمين الدستورية لوزارة جديدة في 3 تموز/ يوليو الجاري، في مباشرة 7 من اختصاصات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في القوانين واللوائح.
وجاءت تفويضات السيسي السبعة لمدبولي، كالتالي:
أولا: في مجال التصرف بالمجان في أملاك الدولة من العقارات المملوكة للدولة والنزول عن أموالها المنقولة، وحماية الآثار ونزع ملكية العقارات للمنفعة العامة.
ثانيا: في مجال منح المعاشات والمكافآت الاستثنائية وتقرير إعانات أو قروض أو تعويض عن الخسائر في النفس والمال نتيجة للأعمال الحربية.
ثالثا: في مجال العاملين بالدولة، فيما يخص قانون "الخدمة المدنية"، وما يخص تعيين وظائف المستويين الممتازة والعالية برئاسة الجمهورية ووزارة الإنتاج الحربي والوظائف القيادية والإدارة الإشرافية بمجلس الوزراء.
وكذلك تشكيل وإعادة تشكيل مجالس إدارة الهيئات العامة، والأجهزة، ومراكز البحوث، والأكاديميات، والمجالس العليا، والاتحادات، وتعيين رؤسائها، وأعضائها، وشاغلي الوظائف العليا بها.
وأيضا تنظيم العمل لدى هيئات أجنبية بالنسبة لوظائف معينة وذلك فيما يتعلق بمن هم في درجة وزير ونائب وزير، وتعيين ممثلي مصر بمجلس محافظي صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، والإسلامي للتنمية، والتنمية الأفريقي، وغيرها من المؤسسات والهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية
اظهار أخبار متعلقة
وذلك إلى جانب اختصاصات إعارة أعضاء المحكمة الدستورية العليا، وهيئة المفوضين بها، ورجال القضاء والنيابة العامة، وأعضاء مجلس الدولة، وهيئة قضايا الدولة، والنيابة الإدارية.
رابعا: في مجال الهيئات العامة وهيئات القطاع العام وشركاته وشركات قطاع الأعمال العام، وبينها هيئة قناة السويس فيما عدا تعيين رئيس مجلس إدارة الهيئة، وهيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء.
خامسا: في مجال الأزهر ومجمع اللغة العربية والجامعات، ومنها ما يخص قانون (103 لسنة 1961) بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها وذلك فيما عدا تعيين شيخ الأزهر، وقانون تنظيم الجامعات فيما عدا تعيين رؤساء الجامعات ونوابهم، وعمداء الكليات والمعاهد، وقانون إعادة تنظيم مجمع اللغة العربية.
سادسا: في مجال المرافق العامة والجمعيات ذات النفع العام والإدارة المحلية وحالة الطوارئ.
سابعا: في مجال تأشيرات الموازنة، وتشمل الاختصاصات المخولة لرئيس الجمهورية في التأشيرات المرفقة بقوانين ربط الموازنة العامة للدولة وكذلك التأشيرات الخاصة الواردة في موازنة بعض الجهات.
ونصت المادة الثالثة من القرار على أن يكون مصطفى مدبولي هو الوزير المختص بتطبيق أحكام القانون (10 لسنة 2009) بشأن تنظيم الرقابة على الأسواق والأدوات المالية غير المصرفية، وله أن يفوض في بعض اختصاصاته في هذا الشأن.
"توقيت وأجواء القرار"
وشهدت البلاد، في 3 تموز/ يوليو الجاري، وبالتزامن مع الذكرى الـ11 لانقلاب السيسي، أداء حكومة مدبولي الجديدة اليمين الدستورية مع تغيير لافت لوزراء، الدفاع، والخارجية، والمالية، والبترول، والكهرباء، والتموين، ليستكمل مدبولي سياسات دولة السيسي، وسلسلة الإخفاقات والأزمات المتصاعدة منذ 2013، والمتفاقمة منذ تولي مدبولي الحكومة عام 2018.
وتواجه حكومة مدبولي، الجديدة الكثير من التحديات الاقتصادية، على رأسها أزمة انقطاع الكهرباء التي أثرت على مناحي الحياة كافة، من إغلاق المحال التجارية في العاشرة مساء، إلى توقف عدد كبير من مصانع الأسمدة نتيجة عدم توفير الحكومة للغاز، بخلاف غلاء الأسعار، ورفع الدعم عن نسبة 300 بالمئة، على رغيف الخبز المدعم.
ويمر الشارع المصري بإحدى أكثر فتراته احتقانا، وسط دعوات لا تنتهي للمصريين بالتظاهر ضد نظام السيسي، والمطالبة برحيله.
وعلى الرغم من أن تقليل صلاحيات السيسي، أمر مطلوب وتدعو له المعارضة المصرية التي تشكو من تغول صلاحياته وصلاحيات الجيش، إلا أن ذلك التفويض وتوقيت تنازل السيسي عن هذا الكم من الصلاحيات خاصة في ظل حالة غضب شعبي تتنامي بسبب سياسات الحكومة؛ يثير الكثير من التساؤل حول أسباب التفويض والهدف منه، ولماذا تلك المجالات بالذات.
بل إن بعض المراقبين، والمتابعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، توقعوا أن تكون قرارات تقليل صلاحية السيسي، مسعى منه لتحميل مدبولي، مسؤولية الإخفاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتتالية، وكذلك مسؤولية عمليات البيع والتفريط في أصول وممتلكات الدولة، وأيضا عجز الرواتب والمعاشات، عن توفير حياة كريمة للمصريين، خاصة في ظل الغضب الشعبي المتفاقم.
وجاءت تعليقات بعض المصريين، عبر موقع "فيسبوك"، لتقول إن تنازل السيسي، عن بعض صلاحياته أو توكيل مدبولي بها، يعني غسل يديه من أخطاء وكوارث الحكومة، وأنه يأتي في هذا التوقيت حتى لو قامت ثورة ضد السيسي، فسيكون مدبولي هو كبش الفداء، الذي يتحمل الحساب وفاتورة كل الجرائم.
كما أشار البعض إلى أن بعض بنود تلك التنازلات مثيرة للمخاوف، وخاصة حول الأزهر الشريف، وجملة "التصرف في أملاك الدولة"، مشيرين إلى أن "أملاك الدولة هي ملك الشعب"، متسائلين: "هل يملك رئيس الدولة دستوريا سلطة التصرف في أملاكها، حتى يفوض هذه السلطة لرئيس الوزارة؟"، متابعين: "أين القسم أن أحافظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه".
اظهار أخبار متعلقة
وألمحوا إلى أنها "سياسة ذكية من السيسي، للهروب من المسؤولية، وخاصة بملف بيع الأصول والأراضي البديل الوحيد لسداد خدمة الديون الخارجية"، مؤكدين أن "مدبولي، لا يجرؤ على بيع شبر دون الرجوع للسيسي"، ومشيرين لاحتمال أن يكون السيسي، قد قرر التفرغ لأمر ما، وأن "الأمر جد خطير"، ولذا فإن البعض طالب السيسي، بالإعلان عن سبب هذا التفويض.
وقال بعض المتابعين: إن الصلاحيات الحقيقية لن تكون في يد أحد غير السيسي، مشيرين إلى أنه يُحمًل مدبولي المسؤولية القانونية الكاملة عن بيع الأصول، والاستيلاء على أموال ومقدرات الشعب، وكل الفساد القادم، ويصبح الجيش وباقي رموز الدولة خارج الصورة تماما.
"من توسيع الصلاحية إلى تفويض مدبولي"
ووفقا لدستور 2014، زادت صلاحيات الرئيس، وأصبح للسيسي، الحق في إعلان حالة الطوارئ، وإصدار قرارات لها قوة القانون، والاعتراض على القوانين الصادرة من البرلمان، وتعيين رؤساء الهيئات المستقلة، وجميعها تشترط موافقة البرلمان، والذي يهيمن عليه مؤيدو السيسي، من حزب "مستقبل وطن"، دورتي (2016- 2021)، و(2021 حتى 2025).
دستور 2014، الذي صنعته الجهات السيادية التابعة لنظام السيسي، وقامت بتغيير ما تم الاتفاق عليه في مسودته الأولى وفق ما كشف عنه بعض أعضاء لجنة كتابة الدستور، منح السيسي، اختصاصات لينفرد بها الرئيس دون البرلمان ومنها: حق الرئيس في رسم سياسة الدولة، واقتراح قوانين، وعرضها على البرلمان، وطلب تعديل مادة أو أكثر من الدستور.
وأيضا: حقه في تعيين الموظفين والمدنيين والعسكريين، والممثلين السياسيين، وإعفائهم من مناصبهم، والدعوة إلى الاستفتاء، ورئاسة مجلس الدفاع الوطني، ومجلس الأمن القومي، بجانب ما فرضه الدستور من قيود على الترشح للانتخابات الرئاسية.
كما قدم دستور 2014، حماية للسيسي، من جريمة انتهاك أحكام الدستور وجريمة الخيانة العظمى، حيث أقر أن يكون اتهام رئيس الجمهورية بناء على طلب موقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب، وليس ثلث الأعضاء كما في دستور 2012.
وبرغم كل تلك الصلاحيات، إلا أن السيسي، وفي نيسان/ أبريل 2019، دعا للاستفتاء الشعبي على ما عُرف حينها باسم التعديلات الدستورية، المثيرة لغضب المعارضة المصرية، خاصة مع ما منحته للسيسي، من مدد رئاسية جديدة، وتوسيع صلاحياته، ومنح الجيش صلاحيات على الحياة المدنية.
السيسي، الذي بدأ رسميا حكم مصر منتصف 2014، وقضى مدة رئاسية 4 سنوات حتى 2018، منحته تلك التعديلات عامين آخرين في مدته الرئاسية الثانية لتصبح 6 سنوات، وتنتهي في 2024، بدلا من 2022، كما منحته مدة رئاسية ثالثة حتى العام 2030، في تعديلات استوفت الإجراءات الرسمية على عجل في مجلس نواب يهيمن عليه أنصار السيسي.
ووسعت التعديلات الدستورية صلاحيات السيسي على مؤسسة القضاء، حيث أصبح له حق تعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية، ورئيس المحكمة الدستورية، والنائب العام، ورئيس هيئة المفوضين، كما يرأس السيسي، المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية، وذلك إلى جانب اختيار ثلث نواب مجلس الشيوخ.
وعلى الرغم من صدى تلك التعديلات الدستورية، غير المسبوقة لرئيس مصري سابق، إلا أن السيسي، تعداها لاحقا وطوال السنوات الماضية يكرس لسيطرة غير مسبوقة وصلاحيات بلا حد أو رابط لها، حيث أصبح يترأس مجالس إدارات الكثير من الهيئات والجهات، ويحرص على الظهور في افتتاح كافة المشروعات بكافة قطاعات الدولة، والحديث عن كل الملفات بلا استثناء.
"3 سيناريوهات بينها مرض السيسي"
وفي رؤيته لأسباب تفويض السيسي، مدبولي بـ7 صلاحيات كبيرة قال الكاتب الصحفي والباحث المصري محمد فخري: "بالطبع هذا القرار مهم ولافت وغير معتاد، خاصة وأن السيسي بطبعه مركزي ويحرص على إصدار القرارات والاقتراحات في كافة الأمور وفي مختلف الملفات، بصرف النظر عن خبرته في الأمر من عدمها".
وفي حديثه لـ"عربي21"، يرى أن "تفسير منح تلك الصلاحيات المهمة والخطيرة من رئيس الجمهورية لرئيس الوزراء له عدة سيناريوهات أبرزها في نظره، استمرار اعتبار مدبولي، كـ(خرقة مطبخ)"، وفق قوله.
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح أنه "وبالتالي يتم منحه تلك الصلاحيات لإصدار قرارات تفريط كارثية باسمه، وتحميله مسؤولية الإخفاقات حتى لا تتسخ ملابس القائد أمام رعيته، وكأن المواطن عاجز عن فهم أبعاد الصورة".
ولفت المحلل السياسي إلى أن "السيناريو الثاني، وهو غير مستبعد أيضا، ومن الممكن ضمه للأول: وهو أن السيسي مريض منذ فترة بسيطة؛ كما تبدو هيئته، وظهر ذلك في شكله ونشاطه المحدود غير المعتاد، وغيابه عن مؤتمرات الحكي والتواصل المفتوح، وتأخر بعض القرارات بلا سبب واضح".
وعن سيناريو تفرغه لأمور أهم من ذلك، تساءل فخري: "وهل هناك أمور أهم من تأشيرات الموازنة، والتصرف في أملاك الدولة والعاملين فيها، وغير ذلك من الملفات الهامة"، مؤكدا أنه لا يعتقد بهذا السيناريو.
لكنه يتفق مع الطرح القائل بتحميل مدبولي الشيلة كاملة خاصة في ظل تنامي الغضب الشعبي، قائلا: "خاصة وأن السيسي، قد عمد منذ فترة قصيرة إلى ترك مساحة في الإعلام الموالي والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي لانتقاد المحافظين والوزراء".
ويعتقد أن "هذا يشير إلى رغبة النظام في إشغال مواطنيه وتوجيه سهامهم نحو بعض عماله ومسؤوليه، رغم أن القرار في النهاية له وحده؛ سواء قرارات الاقتراض أو بيع الأصول، أو حتى قطع الكهرباء".
وتوقع في نهاية حديثه أن "مدبولي رغم تلك الصلاحيات الموكلة إليه لن يكون هو صاحب القرار".
"تحميل الأخطاء وساعة الرحيل"
وفي تعليقه، قال الكاتب والمحلل السياسي المصري مجدي الحداد، إن "السيسي، يريد بالفعل أن يُحمًل أخطاءه، أو بالأحرى كوارثه وتواطؤه، لمعاونيه أو وزرائه، ربما لإحساس داخلي بأن ساعة الرحيل من ناحية، قد حانت".
ومن ناحية أخرى، لفت الحداد، في حديثه لـ"عربي21"، إلى "تحرك عدة شعوب في قارة آسيا ضد أنظمتها، ووجود قواسم مشتركة عديدة بين ما ثارت من أجله تلك الشعوب، وما لدى شعب مصر من أسباب، بل ربما تفوق أسباب تلك الشعوب للتحرك ضد أنظمتها الفاسدة المستبدة، مثل سريلانكا وبنجلاديش الآن".
وأكد الكاتب المصري، أنها "ليست المرة الأولى التي يريد السيسي، أن يلقي فيها بحمل كوارثه، التي تسبب فيها بنفسه، على غيره، وكلنا يتذكر مثلا قوله: (متسمعوش كلام حد غيري)، وكلنا يتذكر كذلك، منذ سنوات ما ذكره بأحد مؤتمراته الشهيرة -والتي يدير فيها ظهره للجمهور-".
أضاف أنه "في بداية ظهور أزمات سد النهضة، قال بهذا الشأن لنا نحن الشعب المصري: (عندكم رئيس مجلس النواب (علي عبدالعال)، وعندكم رئيس الوزراء (شريف إسماعيل)، وكأنهما المسؤولان عن حل تلك الأزمة وليس هو".
وتابع: "وكأنهما من وقعا اتفاقية (مبادئ وثيقة سد النهضة) في آذار/ مارس 2015، وتنازلا عن حصة مصر التاريخية وحتى الأزلية في مياه النيل، وليس هو؛ والآن صرنا -وبسببه شخصيا- نفاوض على 40 مليار متر مكعب سنويا، وبعد أن كانت 55 مليار متر مكعب، وحتى تلك الحصة ترفضها إثيوبيا".
وخلص الحداد للقول: "هذا بالضبط ما يفعله السيسي، الآن؛ بتحميل عبء قراراته وإخفاقات سياساته، وربما عجزه الشخصي عن تنفيذها، على غيره، وكما فعل في الماضي وعلى نحو ما أسلفنا".
ولفت إلى أن توقيت قرار السيسي بنقل 7 من صلاحياته لمدبولي، "تتزامن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، التي لم ينفع معها بيع أصول أو خفض في قيمة الجنيه، ولا حتى تلبية كل شروط صندوق النقد الدولي"، ملمحا إلى "زيادة الأزمة الاقتصادية عمقا وتفاقما، والتي لم يخفف منها فضلا عن عدم تجاوزها؛ بيع الأصول ولا الاقتراض الخارجي".
وفي نهاية حديثه، أجمل ما سبق متسائلا: "ماذا نتوقع من نظام مات إكلينيكيا ويعيش الآن فقط على المحاليل، والمحاليل الضارة منها، التي قد تُعجل بموته، وهي هنا بيع الأصول والاقتراض الخارجي، وحتى من دون أن يظهر أي أثر إيجابي ومباشر جراء ذلك على حياة المواطن، والتي تزداد بؤسا يوما بعد يوم".