نشرت صحيفة "
وول ستريت جورنال" الأمريكية، تقريرا، أعده مينغي سان، قال فيه إن "الكثير من المنظمات الدولية الإنسانية التي تحاول المساعدة على تخفيف الأزمة الإنسانية في
غزة، تُواجه معوّقات كبيرة مثل إغلاق حساباتها المصرفية وكذا تجميد تحويلاتها المالية منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023".
وأضافت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21" أن "بعض المنظمات الإنسانية في أوروبا والولايات المتحدة، قد واجهت عرقلة جرّاء تعاملاتها البنكية، بدون إبداء أي سبب".
وترى الصحيفة، أن "القرارات التي اتخذتها البنوك، نابعة من المخاطر التي تواجهها في المناطق التي تنتشر فيها مجموعات خاضعة للعقوبات ولا يعرف فيها الجهة النهائية للمال الذي يتم تحويله. وكذلك لعدم توفّر الوسائل التي تستخدمها البنوك للتحقيق في الأمر".
وتقول ألما أنغوتي، وهي الشريكة في شركة الاستشارات "غايدهاوس" المختصة بالجرائم المالية: "من الصّعب على المصارف التأكد مما يحدث على الأرض؛ فلا تستطيع تحديد جهة أو منطقة الأموال؛ فتختار الحل الأسهل وهو الخروج منها".
"طالما كانت المعاملات والتحويلات المالية إلى الأراضي الفلسطينية، محلا للاستجوابات من المصارف، وخاصّة في غزة التي تخضع لحكم حماس، التي تصنّف "إرهابية" في الولايات المتحدة" وفق
التقرير نفسه.
واستدرك: "إلاّ أن الرقابة الشديدة على مثل هذه المعاملات قد تزايدت بشكل كبير منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ووجدت العديد من المنظمات الإنسانية أن حساباتها قد أغلقت أو جمدت بدون إبداء سبب".
وبحسب المحامي في المركز الأوروبي للدعم القانوني ومقره أمستردام ويدافع عن حقوق الفلسطينيين في أوروبا، أغنيس فالينتي، فقد سجّلت منذ تشرين الأول/ أكتوبر حتى أيار/ مايو 30 حالة أغلقت فيها مصارف أوروبية وفي دول أخرى حسابات أفراد ومنظمات لهم علاقة بنشاطات في الأراضي الفلسطينية.
وأغلق مصرف "ترويست" حساب المنظمة الأمريكية غير الربحية "أمريكان نير إيست ريفيوجي إيد" (أنيرا) في نيسان/ أبريل بدون أن يقدّم أي فرصة للإستئناف على الإغلاق، وذلك حسب وثائق اطلعت عليها صحيفة "وول ستريت جورنال"، فيما رفض البنك التعليق.
وفي حالة أخرى، طلبت شركة التكنولوجيا المالية "سترايب"، من المنظمة غير الربحية "اللاعنف الدولي" والتي أنشأها راع فلسطيني- أمريكي، حذف حملة جمع تبرعات من موقعها لمنظمة فلسطينية شريكة وبدون تقديم أي سبب. وذلك حسب مايكل بير، وهو مدير المنظمة غير الربحية الذي تلقى بريدا إلكترونيا من "سترايب".
ولم تقم أي من جماعات اللاعنف بجمع تبرعات لأي مجموعة خاضعة للعقوبات الأمريكية، حسب قول بير. فيما رفض متحدث باسم سترايب التّعليق على مستخدم لخدمات الشركة، حيث قالت عبر بيان في تشرين الثاني/ نوفمبر، إنها قد تقرر عدم تقديم الخدمات أو تسهيل التعاملات التجارية، عندما تعتقد أن مثل هذه الأنشطة تحمل مخاطر عالية وتقع خارج نطاق رغبتها في المخاطرة، حتى لو كانت القوانين واللوائح المعمول بها لا تفرض قيودا محدّدة.
اظهار أخبار متعلقة
إلى ذلك، تعلّق الصحيفة، بأن وكالات الإغاثة طالما واجهت مشاكل ومصاعب في
التحويلات المالية بسبب حاجة المؤسسات المالية إلى الامتثال لأنظمة عقوبات معقدة تهدف إلى مكافحة تمويل الإرهاب المحتمل، وخاصة بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001.
وعلقت أشلي سابرمانيان مونتغمري، المديرة البارزة في منظمة السياسة والدفاع "شبكة الأعمال الخيرية والأمن"، في إشارة إلى الجهود المبذولة للحفاظ على الحسابات القائمة مفتوحة والتحويلات المصرفية تتدفق دون تأخير: "لقد تفاقمت جميع التحدّيات القائمة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر".
بدوره، قال شون كارول، المدير التنفيذي لمنظمة "انيرا" ومقرّها واشنطن إن المنظمة تقدم خدمات إنسانية وتدعم أعمالا تنموية في المناطق الفلسطينية منذ عام 1968. وقد استجابت للأزمة الأخيرة في غزة من خلال نقل وجبات الطعام والأدوية والملابس وغيرها من المواد.
وأضاف كارول أنه: "من أجل تجنّب الوقوع تحت طائلة مخالفة قوانين العقوبات، قامت بالتدقيق الأمني في سير موظفيها والموردين والشركاء الذين تتعامل معهم، واستخدمت في هذا قواعد بيانات الحكومة الأمريكية بينما يقوم عمالها في الأراضي الفلسطينية بالتحقق من الذين يتلقون المساعدات".
وبررت "ترويست" إغلاق حسابات أنيرا على خلفية التحذيرات التي أطلقتها وزارة الخزانة الأمريكية وضرورة التأكد من الأموال المرسلة إلى غزة. وهو ما اعترفت به الشركة في النّهاية لكارول، بالقول إنها وجدت علاقة لأنيرا مع جمعية الصلاح التي فرضت عليها عقوبات.
وقالت أنيرا، إنها لم تعد تعمل مع المجموعة التي لم تكن خاضعة للعقوبات عندما تلقّت مساعدات طبية من المنظمة في عام 2000. وفي عام 2007 فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على جمعية الصلاح بتهمة تقديم الدعم المادي لحماس.
أما في حالة منظمة "اللاعنف الدولي"، فقد قال بير، إن شركة "سترايب"، التي تسمح للمستخدمين بقبول المدفوعات ببطاقات الائتمان، لاحظت أنّ خدماتها تستخدم لجمع الأموال لصالح المنظمة الشريكة غير الربحية ذات الصلة بالفلسطينيين على موقعها الإلكتروني.
وأوضح بير أن منظمة "اللاعنف الدولي" قد اضطرت إلى نقل جمع التبرعات لهذه المجموعة إلى "بي بال" بخوف، مبرزا: "لقد قاومنا بقدر ما نستطيع، ونحن خائفون من أن تغلق "سترايب" الباب علينا للحصول على مدفوعات بطاقات الائتمان لهذا المشروع الذي ندعمه، وإلا فإننا سوف ندمّر تماما وتتخلى عنا".
وتقول الصحيفة إن "البنوك الأمريكية والأجنبية مطالبة بأن تمتثل بالعقوبات الأمريكية وإلا واجهت غرامات مالية ضخمة قد تصل أحيانا إلى مليارات الدولارات والإقرار بالذنب. وقالت وزارة الخزانة الأمريكية إن المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية معفاة عموما من هذه المحظورات".
وعلى الرغم من الاستثناءات المتعلقة بالمساعدات، فإن حزم العقوبات المتوسعة منذ أكثر من عقد من الزمان، قد دفعت البنوك التي تميل إلى تجنب المخاطرة، أن تقوم ببساطة بـ"تقليص المخاطر"، والتخلّي عن العملاء الذين تعتبرهم مشكلة محتملة.
ومع ذلك، يرى كارول من أنيرا أن على البنوك أن تعطي المؤسسات والمنظمات التي تتعرض للمشاكل فرصة لأن تطعن في القرارات. مردفا أن "وزارة الخزانة تستطيع أن تبذل المزيد من الجهود لإعلام البنوك بأهداف سياستها العامة والإعفاءات من قانون العقوبات، لمنع إغلاق الحسابات بشكل شامل". فيما لم ترد المتحدثة باسم وزارة الخزانة، لكي تقدم تعليقا.
وقال كارول: "يعتقد بعض الناس أن هناك بيئة هنا تسمح لنا بتجاوز الكثير من الأمور دون أن يتم التحقّق منها. ولكن العكس هو الصحيح. إن حجم عمليات التحقق التي يتعين علينا القيام بها تعيق العمل".
وفي السياق نفسه، علّقت وزارة الخزانة، عبر تقرير لها، خلال العام الماضي، يتعلق باستراتيجية إزالة المخاطر، بالقول إن "التحركات التي تقوم بها البنوك لتقليل المخاطر، رغم أنها ليست غير قانونية، فإنها تقوض أهداف السياسة الحكومية".
اظهار أخبار متعلقة
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، نشرت وزارة الخزانة، توجيهات بشأن الامتثال لإرسال المساعدات إلى غزة. وحذّرت بالقول: "جماعات مثل حماس تجمع الأموال باستخدام الجمعيات الخيرية كواجهة لجمع التبرعات"، مردفة أنه "لا يوجد حظر على تقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة أو
الضفة الغربية، وأن تقديم المساعدات مثل الغذاء والدواء ليس محظورا بشكل عام".
وقالت إن "الأنشطة الإنسانية التي تنطوي على معاملات ضرورية مع الجماعات الخاضعة للعقوبات، مثل تقديم المساعدات الطبية المنقذة للحياة للمدنيين في غزة في مستشفى يعمل به أو تحتله حماس، ليست محظورة أيضا".
وقال فالنتي من المركز الأوروبي للدعم القانوني: "ترغب المنظمات في إثبات امتثالها، لكن البنوك رفضت التعامل معها"، مضيفا أن "البنوك ليست مهتمة على الإطلاق لأن هذه منظمات غير حكومية صغيرة".