نشرت صحيفة "
ذا هيل" الأمريكية، تقريرا، قالت فيه إن "اغتيال إسماعيل هنية، القيادي البارز في حركة حماس، في طهران، مؤخرا، سلّط الضوء على العلاقات المعقّدة والغامضة في كثير من الأحيان التي تقيمها
إيران مع الجهات الفاعلة من غير الدول، في جميع أنحاء
الشرق الأوسط".
وذكرت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21"، أنّه على عكس الحوادث السابقة التي كانت إيران تتّخذ فيها إجراءات سريعة، وتردّ بشكل حازم، اتّسمت هذه الحالة بصمت غير معتاد.
وأشارت
الصحيفة، إلى أن "إيران لم تصدر أي ردّ فعل حتى الآن، ما دفع المحللين إلى التكهّن بخصوص ما إذا كان سيتم تنفيذ انتقام، وكيف ومتى قد يحدث ذلك"، مضيفة أن "الخطوة التالية لإيران قد تتأثر بالتطورات الجيوسياسية الأوسع، خصوصا الجهود الجارية لوقف إطلاق النار على
غزة".
وأوضحت أنه "إذا تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، من المحتمل أن تختار إيران عدم الرد على الإطلاق، وهو ما يمثّل تحوّلا مفاجئا عن استراتيجيتها التاريخية في استخدام الحرب بالوكالة".
وأفادت الصحيفة، أنه "يمكن فهم تعاون إيران مع حلفاء من غير الدول كجزء من نمط عالمي أوسع، يشمل استخدام الحرب بالوكالة، حيث تسعى الدول إلى توسيع نفوذها وتحقيق أهدافها الاستراتيجية من خلال وسائل غير مباشرة".
"على غرار العديد من الدول الأخرى؛ تستفيد إيران من تحالفاتها مع الجهات غير الحكومية، للمشاركة في النّزاعات دون التعرض للمخاطر المرتبطة بالتدخل العسكري المباشر. ويتيح هذا التكتيك لإيران ممارسة الضغط على خصومها مع تقليل احتمال حدوث ردود فعل دولية قاسية" بحسب المصدر نفسه.
وأبرز أنه: "غالبًا ما تستند هذه التحالفات إلى معتقدات أيديولوجية أو دينية مشتركة، مثلما تروّج إيران للإسلام الشيعي. ويعكس هذا الاصطفاف الإيديولوجي كيفية دعم الدول الأخرى للجهات الفاعلة غير الحكومية، التي تتوافق أهدافها السياسية أو الدينية مع أهداف تلك الدول، كما هو الحال في دعم السعودية للجماعات السنية، أو دعم الولايات المتحدة للحركات الديمقراطية".
واسترسل التقرير نفسه، بالقول إنه "في إطار هذه العلاقات؛ تقدّم إيران لحلفائها الأسلحة والتدريب والدعم اللوجستي، ما يعزّز قُدرتهم على استخدام تكتيكات غير متماثلة مثل حرب العصابات والهجمات الإلكترونية".
وأضافت الصحيفة أن "هذه الديناميكية، المتمثلة في دعم الدول للجهات الفاعلة من غير الدول، لا تقتصر على إيران وحدها، بل تعتبر سمة بارزة في الصراع الحديث. حيث تستفيد الدول الأضعف من استخدام الوسائل غير التقليدية لمواجهة القوى العسكرية الأقوى".
أمّا بخصوص ما وصفتها الصحيفة، بالخصائص المميّزة التي تعرفها استراتيجية إيران عن غيرها من الدول، أشارت إلى أنّها: "لا تقتصر على استخدام الأيديولوجية الدينية كأداة لنفوذها فحسب، بل تستغلها أيضا كقوّة موحّدة تتجاوز الحدود الوطنية".
اظهار أخبار متعلقة
كذلك، "تسعى إيران إلى توسيع نطاق نفوذها عبر جماعات مثل حزب الله في لبنان وجماعات شيعية متعددة في العراق. ويشكل هذا التضامن الديني وسيلة فعالة لحشد الدعم وتعزيز النفوذ في مختلف أنحاء المنطقة".
وأضافت
الصحيفة أن "تحالفات إيران مع الجهات الفاعلة من غير الدول ليست مجرد تحالفات مؤقّتة أو صفقات عابرة. بل إن هذه العلاقات تتميّز بالعمق المؤسسي وقد تطورت على مدى عقود، مما حوّل جماعات مثل حزب الله، إلى قوى سياسية وعسكرية بارزة ذات روابط دائمة ومستمرة مع الدولة الإيرانية".
"يتناقض هذا الالتزام طويل الأمد بشكل ملحوظ مع الشراكات الأخرى بين الدول والجهات غير الحكومية، والتي غالبًا ما تكون عابرة وتستند إلى مصالح استراتيجية آنية ومؤقتة" تمضي الصحيفة في توضيحها.
وأردفت: "عملت إيران أيضا على طمس الخطوط الفاصلة بين الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية بطرق نادرة. فمن خلال دمج هذه الجماعات في استراتيجيتها العسكرية الأوسع، وخصوصا عبر الحرس الثوري الإسلامي، أنشأت إيران نموذجا هجينًا من النفوذ يُصعّب مواجهة أفعالها".
وأكّدت أن هذا المزج يُعزّز بين القوات الحكومية وغير الحكومية، قدرة إيران على إبراز قوتها بشكل غير مباشر، مما يجعل من الصعب على الخُصوم تحديد أهداف واضحة للرد عليها.
ومن الجوانب المميّزة الأخرى لاستراتيجية إيران، بحسب الصحيفة، هو "دعمها للجهات الفاعلة غير الحكومية في المجال الرقمي. فإلى جانب المساعدات العسكرية التقليدية، قامت إيران بتزويد وكلائها بقدرات الحرب السيبرانية، ما منحهم الأدوات اللاّزمة لمواجهة خصومهم في كل من العالمين المادي والافتراضي".
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا التطور التكنولوجي، يُعزّز "البُعد الحديث لنفوذ إيران، ويسمح لها بإحداث تعطيل لأعدائها على جبهات متعددة"، مستطردة أن "شبكة إيران تمتد من الجهات الفاعلة غير الحكومية في منطقة الشرق الأوسط، مما يشكّل شبكة إقليمية من النفوذ تُعرف غالبًا باسم: الهلال الشيعي".
وأكّدت الصحيفة، أن اغتيال إسماعيل هنية، أدخل عنصرا من عدم اليقين في هذه الآلة المدروسة جيدا للحرب بالوكالة. ويشير "قرار إيران بعدم الرّد الفوري إلى مقارنة محسوبة أكثر ممّا كانت عليه في الماضي، وهو نهج قد يكون متأثرًا بحسابات جيوسياسية أوسع".
وتابعت: "في ظل استمرار المفاوضات لوقف إطلاق النار على غزة، قد تكون إيران تفكر بعناية أكبر في تكاليف وفوائد الانتقام"، فيما أبرزت أنّه تاريخيا، "اعتبرت إيران نفسها داعمًا قويًا للقضية الفلسطينية، وغالبًا ما استفادت من نفوذها على جماعات مثل حماس لتحدي إسرائيل".
"لكن إذا بدا أن هناك فرصة لحل دبلوماسي للصراع، فقد تجد إيران أن من الأفضل لها ممارسة ضبط النفس بدلا من المخاطرة بمزيد من زعزعة الاستقرار من خلال الانخراط في عمل عسكري" وفق الصحيفة الأمريكية.
وقالت الصحيفة، إنه "إذا استمرّ هذا النهج من ضبط النفس، فقد يشير إلى تحول كبير في استراتيجية إيران الأوسع نطاقا. ويكون هذا دليلا على أن إيران قد تتجه بعيدًا عن الردود العسكرية الفورية لصالح تبنّي مقاربة محسوبة وطويلة الأمد، وتركز على تحقيق أهدافها الجيوسياسية الأكبر بدلا من المكاسب قصيرة الأمد".
اظهار أخبار متعلقة
وأشارت إلى أن "الصمت الذي أعقب اغتيال هنية قد يدل على استعداد إيران للتخلي عن الانتقام، إذا كانت تعتقد أن التوصل إلى سلام في غزة قد يخدم مصالحها بشكل أفضل على المدى الطويل مقارنةً بالاستمرار في الصراع".
ولفتت الصحيفة، إلى أن "تعاون إيران مع حلفائها من غير الدول هو استراتيجية معقدة، ومتعددة الأبعاد تجمع بين عناصر الحرب بالوكالة والأيديولوجية الدينية والعلاقات المؤسسية طويلة الأمد. حيث يسلّط اغتيال هنية، الضّوء على التوازن الذي يجب أن تحافظ عليه إيران، بين التزاماتها تجاه هذه الجهات الفاعلة من غير الدول، وطموحاتها الجيوسياسية الأوسع".
واختتمت الصحيفة، تقريرها، بالقول إنّه: "بينما تبقى خطوات إيران المستقبلية غير واضحة، من المؤكد أن أي قرار بشأن الرد، سواء كان بالاستجابة العسكرية أو الامتناع عن الرد، ستواصل التأثير في تشكيل المشهد الجيوسياسي في المنطقة لسنوات قادمة".