أفكَار

ليس كل سكان "زواوة" في الجزائر من أولياء الله الصالحين ولا أغلبهم من الخائنين

المسلم الحر الذي غير ما في قلبه من الكفر إلى الإيمان لا يوجد ما يمنعه من تغيير لسانه إذا كان صادق الإيمان بالفعل بعيدا عن القومية العنصرية والعصبية القبلية الجاهلية.. الأناضول
المسلم الحر الذي غير ما في قلبه من الكفر إلى الإيمان لا يوجد ما يمنعه من تغيير لسانه إذا كان صادق الإيمان بالفعل بعيدا عن القومية العنصرية والعصبية القبلية الجاهلية.. الأناضول
بعيدا عن كل الأوصاف النمطية العنصرية التي تروجها بعض الأطراف والأبواق في الدكاكين الإعلامية المستأجرة (للنواح والنباح وشهادة الزور في وضح النهار باليورو والدولار..)، التي تعتمد الغباء والاستغباء في التعتيم والتعميم المكشوف، الذي يوحي لبعض الموتورين وأشباه الأميين (علميا ووطنيا وأخلاقيا وثوريا)، بأن كلمة "زواف" المستعملة بخبث وحقد من بعض الأطراف الموجهة (صهيونيا) لأغراض مفضوحة، لا يمكن أن تنطلي إلا على الأغرار "المستركبين" والمقاولين من شهود الزور المستأجرين، أو عن تعامي مقصود من بعض العملاء الخبثاء من مخلفات البواخر الفرنسية في شهر يوليو (تموز) من سنة 1962!!

وهم يتعمدون الإيحاء الخبيث بأن كلمة (الزواف) وهي في قاموس العسكرية الفرنسية، تعني فئة أو فرقة خائنة (من المرتزقة)، تنسب محرفة إلى قبيلة (زواوة) في الأطلس التلي، على غرار كل الفرق الأخرى المعروفة بأسمائها في قاموس العمالة والخيانة في تاريخ المقاومة الوطنية الجزائرية (كالصبايحية والمهاري و"اللومية" والسبايسية)، وغيرهم من أرهاط الأهالي المسخرين من العدو (كبعض أهل الضفة الغربية في فلسطين المحتلة اليوم!!!) لمحاربة الأحرار من بني جلدتهم التواقين لمقاومة الاحتلال من أجل التحرر والاستقلال، التي هي كلمة لا تعدو كونها مصطلحا لنوع من العملاء، نسبة إلى بلاد (زواوة) في الأصل من بداية الاحتلال الفرنسي سنة 1830 حتى حرب التحرير، وتقرير المصير والاستقلال سنة 1962!!

وهي كلمة لا تخرج عن هذا المعنى الاصطلاحي المحدود مكانا وفرقة وزمانا، وليست كلمة "زواف" بأي حال من الأحوال صفة عامة ومخصوصة، تطلق حكرا وحصرا على كل سكان جهة أو رقعة جغرافية معينة من الوطن الجزائري، بأي منطق نوفمبري أو ديسمبري بشري أو بقري.

ولذلك، نؤكد هنا ونكرر للمرة الألف والمليون تذكيرا للذين يعرفون (وقد يتناسون أو يتساهلون ويستهينون عن غير قصد سيئ)، وتنبيها للذين يجهلون أصلا بأن الخيانة والوطنية كانت دائما وستظل في كل أقطار الدنيا مسألة فئات وعائلات، وليست مسألة جهات بأي حال من الأحوال إلا بمنطق "الفلاقة" والإرهابيين الذي أطلقته فرنسا المحتلة على كل المجاهدين في جرجرة وكل بلاد زواوة أو القبائل (الكبرى والصغرى)، وكذلك في الأوراس ووالونشريس والبيبان والبابور والهضاب العليا بملايين سكانها من كل الأنماط الفلكلورية واللهجات المحلية والعادات والتقاليد الشعبية.

مع الفارق العددي والنوعي الذي يظهر أن ارتفاع عدد الشهداء الأبرار والعقداء والزعماء والقادة الكبار في بعض المناطق الجغرافية، يتناسب في الغالب مع نسبة الخبثاء والعملاء الصغار والكبار أيضا، فلكل منطقة خبثاؤها وأبطالها وشجعانها وجبناؤها.

لا فضل لولاية على ولاية في التحرير، كما لا حق لأي أحمق في احتكار أسماء وأوصاف التحقير، ليخص بها سكان جهات بأكملها وليس لخيانة فرق وفئات بعينها من ضعاف النفوس والعقول، وفقدان الضمير الديني والوطني مثل بعض القرشيين من بني هاشم في حياة الرسول الخاتم.
وإذا سايرنا هذا المنطق التعميمي لمصطلح (الزواف) أنه حكر على كل سكان بلاد القبائل الحالية بكل أمجادها وزعمائها وعلمائها وصلحائها وخبثائها، فإن هؤلاء المرتزقة (الزواف) هم الذين خططوا وكتبوا وطبعوا وطبقوا بيان نوفمبر الخالد بأعلى نسبة عددية ونوعية من أعضاء حزب الشعب الجزائري (مفجر الثورة المباركة من أول تشرين الثاني/ نوفمبر 1954 إلى 19 آذلر/ مارس 1962) بأعلى وأغلى ثمن غير قابل للنقاش على الإطلاق، مرورا  بأكثر من مئتي مسلح بقيادة العقيد عمرو أوعمران، الذين كانوا يتهيؤون معه لليوم العظيم منذ المنظمة الخاصة في أواخر الأربعينيات (انظروا مذكرات أحد قادتها الكبار عمر بوداود وأخيه منصور والسعيد شكرابي واكلي قصري، وبعضهم أحياء يرزقون والآخرون عذبوا في مسالخ بيجار على أيدي بعض الزواف أنفسهم من أبناء جلدتهم).

وخلاصة القول الفصل؛ أنه لا فضل لولاية على ولاية في التحرير، كما لا حق لأي أحمق في احتكار أسماء وأوصاف التحقير ليخص بها سكان جهات بأكملها، وليس لخيانة فرق وفئات بعينها من ضعاف النفوس والعقول، وفقدان الضمير الديني والوطني مثل بعض القرشيين من بني هاشم في حياة الرسول الخاتم.

يوجد قبائل أشراف ومجاهدون ومقاومون ومقاومات قمة في البطولة، كالشريفة المجاهدة (فاطمة نسومر) التي ماتت في سجون العدو مثل سلفيها البطلين الوطنيين يوغرطة وطاكفاريناس اللذين لم يدركهما نور الإسلام على أيدي المجاهدين الفاتحين الأولين، وزميلها في اللاحقين المقاوم البطل محمد زعموم الذي صد العدو الغازي المدعم بفرق الزواف أنفسهم في تخوم العاصمة كالحراش وما جاورها، وكذلك زميلها الخليفة بن سالم (نائب الأمير عبد القادر) المنفي معه إلى دمشق ومثله المقراني والشيخ الحداد ورفاقهم جميعا في الرباط من أصحاب الجماجم المرقمة في متاحف العدو الفرنسي، التي ما تزال تشهد على فظائع "الزواف" ضد كل الوطنيين الأشراف في كل مكان حتى الآن، كما قلنا ومثلهم الشيخ البطل بوعمامة والشريف بوبغلة والشيخ أمود وأحمد باي وبنو مناصر وأولاد سيد الشيخ وغيره بالملايين.

إئتوني بمنطقة بعينها من الوطن تخلو من الرجال الأبطال ومن الخونة الأنذال كما أسلفنا، وكما تثبت ذلك الوثائق الناطقة في المتاحف الفرنسية ووزارة الحربية هناك ووزارتنا للمجاهدين هنا (في متحف المجاهد الشاهد)، وكفى المؤمنين النوفمبريين عقم الجدال وشر القتال مع طواحين الهواء، بينما الأعداء يضربون في المليان، ويضللون بعض الموتورين من عملائهم في كل بؤرة  للسوسة المدسوسة وفي كل مجال.

وللحديث بقية؛ إن عدتم للتعميم والتضليل والتعتيم والتخوين (الجماعي) دون ضمير أو علم أو رقيب أو حسيب.

ولعله من أبلغ الردود التي تلخص كلامنا السابق دفاعا عن الحق بالحق، هذا الكلام الوارد بقلم أحد مجاهدي بلاد القبايل، وهو عميد العقداء خلف الزعيم  بلقاسم كريم، وسلف البطل العقيد الشهيد عميروش  على قيادة الولاية الثالثة التاريخية، ورئيس أركان القاعدة الشرقية في أثناء حرب التحرير وأول وزير للمجاهدين في حكومة الاستقلال، وهو المجاهد السعيد محمدي المعروف باسمه الجهادي (سي ناصر)، الذي يقول في تقديمه لكتابي (جهاد الجزائر: حقائق التاريخ ومغالطات الجغرافيا)، الذي نشرنا فصولا مهمة منه هنا في "عربي21"، في حلقات أسبوعية طوال الشهور الستة الأولى من طوفان الأقصى المبارك، الذي أثبتنا فيه وجوه التشابه والتطابق العجيب بين جهاد الجزائر سابقا وجهاد الشعب الفلسطيني حاليا، الذي يتصدر أخبار العالم منذ شهور مثل أيام الثورة الجزائرية المسلحة ذات السبع العجاف، وعشر السكان من صفوة الأحرار المتوارثين للشهادة بين الأسلاف والاختلاف ضد كل العملاء والخونة من الزواف وغير الزواف.

إن فضل الإسلام على الجزائر، لا يمكن أن ينكره حتى أعداؤها التقليديون (فضلا عن أبنائها الشرعيين)؛ لأنه أخرج هؤلاء الأعداء من البلاد ثلاث مرات متتالية، فقد طرد البيزنطيين في القرن السابع الميلادي، وقاوم الصليبيين الإسبان في القرن السادس عشر، ودمر الفرنسيين في القرن العشرين، وسيظل يطاردهم وأعوانهم إلى يوم الدين.
يقول هذا المجاهد الشاهد على جهاد الشعب الجزائري الموحد في عهده، بصفته أحد كبار قادة ثورته  المجيدة؛ "إن هذا الكتاب الذي أسعد بتقديمه للقراء، يمثل بادرة خير للبلاد والعباد وهي تستعد للاحتفال بالذكرى العشرين للاستقلال الوطني، الذي ما كان له أن يتحقق بالصورة التي تحقق بها لولا تلك الثورة وذلك الجهاد، وإذا كان الاعتراف بالفضل مساويا للرجوع إلى الأصل في درجة الفضيلة، فإن هذا الكتاب في نظري قد حاز فضيلتين اثنتين، هما: فضيلة التأصيل، وفضيلة الاعتراف بالجميل، وهو يعدّ في غاية الأهمية من ناحية الأسلوب العلمي، والتحليل الدقيق الذي طبع كل صفحات الكتاب، وخاصة من ناحية الموضوع، فهو يتحدث عن دور الإسلام في ثورة التحرير، وهو ما ينبغي أن ينصب عليه اهتمام كل الباحثين الوطنيين، الذين يهمهم أن يكتب تاريخ ثورتنا المباركة كتابة لا تخاف في الحق لومة لائم؛ لأن اللائمين غيرهم على قول الحق، هم في الحقيقة أكبر شهود الإثبات على نزاهة أصحاب الحق وهم  لا يقصدون!؟".

وأضاف؛ "إن فضل الإسلام على الجزائر، لا يمكن أن ينكره حتى أعداؤها التقليديون (فضلا عن أبنائها الشرعيين)؛  لأنه أخرج  هؤلاء الأعداء من البلاد ثلاث مرات متتالية، فقد طرد البيزنطيين في القرن السابع الميلادي، وقاوم الصليبيين الإسبان في القرن السادس عشر، ودمر الفرنسيين في القرن العشرين، وسيظل يطاردهم وأعوانهم  إلى يوم الدين".

وتابع: "وإذا كان لي أن أضيف شهادتي إلى الشهادات المتعددة الواردة في الكتاب فأقول؛ إن الثورة قامت على مبدأ الجهاد، وانتصرت بروح الجهاد، وقد كان الشعب يرى المجاهدين ملائكة منزهين، أو صحابة مقربين، وقد برهن المجاهدون حقّا وصدقا على هذه المكانة الرفيعة؛ تطبيقا لبيان الثورة  القائل: (لكي نبين بوضوح هدفنا، فإننا نسطر فيما يلي الخطوط العريضة لبرنامجنا السياسي الذي يهدف إلى تحقيق  الاستقلال الوطني بواسطة إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية؛ فكان المجاهدون أول من قضى على الآفات الاجتماعية بتطبيق مبادئ الإسلام دون تحريف أو تزييف.. وكان شعارهم في المعارك (الله أكبر) مثل بدر وأحد، وكانت خطبهم إلى الشعب من القرآن وبلغة القرآن، وظلوا على عهدهم قدوة لتطبيق الأقوال في ميدان الأفعال بكل صدق ونزاهة وإخلاص.. وأي قدوة أعظم من أن يتسابق المجاهدون إلى ساحة الشهادة، يفدون بأرواحهم  بعضهم بعضا، ناكرين الذات، ملحين على القادة منهم أن يحافظوا على أنفسهم؛ حفاظا على الثورة التي يصعب عليها أن تعوضهم بسهولة، لأنهم كانوا أكثر خبرة وأكثر قدوة؟!!".

وتابع: "لقد تحدّث  المؤلف عن اختلاف تصريحات بعض المجاهدين من القادة  في الملتقى الأول لكتابة تاريخ الثورة عن الدافع الأساسي، الذي كان يحدوهم عند الالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني، فهل كان هذا الدافع هو الرغبة في الذهاب إلى الجنة أم الرغبة في نيل الحرية وتحقيق الاستقلال الوطني عن المحتل الغاشم؟".

وأجاب: "أحب أن أصرح هنا بأني من أصحاب الموقف الأول، ولكنني أؤكد في الوقت ذاته للذين يعلمون والذين لا يعلمون، أنني لو عشت في عهد الاحتلال الروماني، لكنت أول من يحمل السلاح مع  المقاوم البطل يوغرطة وطاكفاريناس، ولأن رغبتي في الذهاب إلى الجنة لا يمكن أن تتعارض مع حبي لوطني، وأعتقد ان الخائن لوطنه لا يمكن أن يكون مسلما حقيقيا.. وقد حكمت عليه الثورة الجهادية  بالإعدام عن جدارة واستحقاق، فذلك ما يجب أن يذكره، أو يعرفه كل الرفاق"، (انتهى نص التقديم).

هذه إذن شهادة ناطقة من أحد كبار القادة العسكريين والسياسيين لثورة القرن العشرين، وهو من قلب بلاد زراوة الوطنية، المجاهدة ماضيا والوفية حاضرا في غالبية سكانها لمبادئ ثورة التحرير التي نقلت الأمة والوطن من شبه العدم (كثلاث ولايات جغرافية تابعة إداريا للدولة الفرنسية المحتلة)، إلى مصاف أهم  الدول القارية والأمم المعتبرة في هذا العالم المتعدد الأقطاب.

وإن الإنسان لا يختار مكان ميلاده، ولكنه حر في اختيار سبيل نضاله ودينه ووسيلة جهاده ودفاعه واستشهاده.

وخلاصة القول الحق، كما عشناه وما نزال على عهد الشهداء الأوفياء من قبلنا للدفاع عنه حقّا وصدقا، نؤكد أنه لا يوجد في الجزائر إلا شعب واحد مسلم ناطق بالعربية (في غالبيته غير الأمية)، وقد علم الشعب الجزائري الموحد بهذه اللغة الحضارية نخب أوروبا الغربية لعدة قرون في جامعاته العامرة ببجاية الحمادية وتلمسان الزيانية.

 ونؤكد أننا في شمال أفريقيا كلنا خليط من مختلف الأعراق والألوان البشرية، كما تثبت تحليلات أحماضنا النووية، بأننا مسلمون ولا فرق بين عربنا وعجمنا إلا بالتقوى.  والعروبة عندنا ليست بالعرق وإنما هي بالاكتساب الثقافي للإنسان وليس بالدماء مثل الحصان.. شأننا في ذلك شأن نصف مليار مسلم ناطق بالعربية من عمان إلى تطوان، باستثناء الأميين من السكان الذين يتواصلون باللهجات المحلية العربية والبربرية دون مستوى فصاحة القرآن.

لا يوجد في الجزائر إلا شعب واحد مسلم ناطق بالعربية (في غالبيته غير الأمية)، وقد علم الشعب الجزائري الموحد بهذه اللغة الحضارية نخب أوروبا الغربية لعدة قرون في جامعاته العامرة ببجاية الحمادية وتلمسان الزيانية.
وأقول ذلك بصفتي مسلما جزائريا، لا يفرقني عن الغازي الفرنسي إلا هويتي المسلمة العربية، مقابل هويته المسيحية الفرنسية. وهنا، تكمن القضية لأنه قد يوجد المسلم الفرنسي، لكن لا يوجد العربي الفرنسي على الإطلاق. أما الإسلام الحضاري الذي ظلت فرنسا تحاربه وإلى اليوم على أرضها وأرضنا لصالح الإسلام الفرنسي (الصوري)، الذي لم تمنعه ولم تحاربه مباشرة كما حاربت لغة القرآن عندنا حتى الآن!!

 وكانت تعتبر الجزائريين (مسلمين فرنسيين)، ويوجد على أرضها الآن أكثر من خمسة ملايين مسلم فرنسي، يتمتعون بكامل حقوق المواطنة، تحت سيادة اللغة الفرنسية الوطنية والرسمية الوحيدة عندهم هناك.

ويمكن أن تقبل منك فرنسا أن تكون فرنسيا مسلما مثل ملايين المسلمين على أرضها، ولكن ما ترفضه فرنسا دائما، هو صفة الانتماء العربي الإسلامي على أرضنا المحررة بالجهاد والاستشهاد.

وهذا هو مدلول اختراع الجنرال ديغول في سنوات حكمه لمغالطة (الجزائر الجزائرية)؛ لتفادي الصفة العربية التي هي أساس قيام ثورة التحرير أصلا، كما جاء في بيان تفجيرها بالنسبة للأهداف المشار إليها، ألا وهي:

1 ـ "إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة في إطار المبادئ الإسلامية".

2 ـ "تحقيق وحدة شمال أفريقيا في إطارها الطبيعي العربي الإسلام"، ونجد الإعلان الصريح هنا عن الانتماء الطبيعي والهوية الوطنية ذات الأصل الثقافي (العربي الإسلامي)، وليس العرقي الذي ينفيه البيان في مادة أخرى بقوله (دون تمييز عرقي أو ديني)، وهو عين العلم والتاريخ والحقيقة الأنثروبولوجية والسياسية، التي تأسست بموجبها جامعة الدول العربية الحالية من نصف مليار مسلم، اختاروا العربية لسانهم القومي والحضاري، بمن فيهم النصارى واليهود مشرقا ومغربا.

فلماذا لا يقول الجنرال ديغول عن بلاده (فرنسا الفرنسية) مع أنها كانت وثنية (غولوا)، وترومنت لسانا بعد أن تمسحت دينا ككل دول أمريكا اللاتينية الحالية (التي كانت هندية)، كما يعترف الجنرال دوغول  ذاته في كتابه (الأمل) الصادر سنة 1968، الذي يصرح فيه بأن الجزائر ستبقى فرنسية مثلما أصبحت فرنسا (الغولوا) رومانية ثم فرنسية، بعد تفرع لهجتها الباريسية عن أمها اللاتينية كمعظم لغات جاراتها الحالية في أوربا الغربية؟!

وهل يمكن لفرنسا أن تكون فرنسية بغير اللغة الفرنسية، أو تبقى (الجزائر الجزائرية) فرنسية، كما قال، بغير اللغة الفرنسية؟ مع العلم أن اللغة هنا هي الفيصل الأول في الهوية الوطنية دون منازع؛ لأنها هي التي تعطي الصفة للدولة الوطنية كقاعدة وليس كاستثناء!!!!

وأن وضع الفرنسيين هناك من ناحية التحول اللغوي من الأمية والوثنية إلى اللاتينية والمسيحية، هو مثلنا تماما هنا في الجزائر وكل بلاد المغرب والمشرق العربيين (باستثناء الجزيرة العربية)، حيث تعربت هذه الشعوب كلها حضاريا بعد إسلامها الصادق الذي لم ترض عنه بديلا، وجاهدت تحت رايته قرونا، وما تزال تصدره بعلمائها ودعاتها إلى مختلف البلدان حتى الآن.

وإذا كان الإسلام لا يكره الناس على اعتناقه فلا يجبرهم من باب أحرى وأولى على تبني لسانه. ولكن المسلم الحر الذي غير ما في قلبه من الكفر إلى الإيمان، لا يوجد ما يمنعه من تغيير لسانه إذا كان صادق الإيمان بالفعل، بعيدا عن القومية العنصرية والعصبية القبلية الجاهلية المترسبة في بعض الأذان.

والذي يدعي الوطنية والغيرة على دين أغلبية الشعب الجزائري العربي المسلم، عليه أن يحترم نتائج تقرير مصيره بالأغلبية الساحقة لتحقيق الاستقلال الذي اعترفت به فرنسا رسميا في مساء ذكرى يوم الاحتلال (5 يوليو 1830)، الذي أنهاه الشعب الجزائري الموحد بعد قرن وثلثه من الجهاد المتزوج بالاستقلال  يوم (5 يوليو 1962)، مما يعني أنه لا يوجد استقلال دائم ولا احتلال دائم، ولكن يوجد خيانات مستمرة، ويوجد وعي كامل وجهاد قائم، وشعب حر غير مغفل أو مخدوع او نائم !!؟!

ويمكن لأي تجربة أن تتكرر في حياة أي شعب أو أمة إذا توفرت لها الشروط نفسها التي أوجدتها أول مرة (سلبا أو إيجابا)؛ لأن الزمان إذا كان غير الزمان، فالإنسان بخيره وشره وأمانته وخيانته، هو نفسه الإنسان.
التعليقات (0)