رحلة النزوح الطويلة.. لبنانيون يكشفون لـ"عربي21" بعضا من معاناتهم

"أن نترك بيتنا المُهدّم وننزح من الجنوب، نحو مناطق أخرى، أكثر أمانا، كان ذلك هو خيارنا الأخير" بشعور من التحسّر والألم، تروي جنى.. وهي فتاة لبنانية، اضطّرت وعائلتها، للنزوح قسرا، تاركين خلفهم كافة الذكريات، وحاملين معهم الكثير من الأمل في العودة، قريبا.

بحثا عن محاولة عيش أخرى، وبعضا من الأمان؛ في ظل واقع بات يوصف بـ"المرير"، وجد الكثير من اللبنانيين، خلال الساعات القليلة الماضية، أنفسهم، عالقين بين ضفتي الصمود رغم الحرب الضّارية فوق رؤوسهم وبين خيار النزوح. فكان السبيل الوحيد للنجّاة بأنفسهم. 

يروي عدد من النازحين اللبنانيين لـ"عربي21" تفاصيل قاسية، عن رحلة نزوحهم التي يصفونها بـ"الإجبارية"، عقب تدمير الاحتلال الإسرائيلي منازلهم، المتواجدة في المناطق الجنوبية.


طريق "النزوح" الطويل
رحاب، شابّة قرّرت والكثير من سكّان "كفركلا" وهي بلدة صغيرة تقع في أقصى الجنوب اللبناني، تبعد عن بيروت (العاصمة اللبنانية) ما يناهز الـ96 كم، النزوح، نحو الشمال اللبناني، يوم 24 أيلول/ سبتمبر. لم تكن على علم بالطريق الطويل الذي ينتظرهم، مع الكثير من أنين الذكريات العالقة بهم، من رحيل يشقّ عليهم أنفسهم.

"كانت الطريق بطيئة جدا، ومُزدحمة، وعلقنا فيها لأزيد من 15 ساعة، فكان التضامن فيما بيننا ونيسا" تروي رحاب، في حديثها لـ"عربي21" بعضا من تفاصيل النزوح القاسي كما تصفه. وأضافت: "كنّا نشعر بكل ذرّة ألم يشعر بها سكّان غزة، إثر تعاطفنا معهم، لكنّنا اليوم نعيش مُعاناتهم؛ تُرى من ترك الأهالي في غزة يعانون الويلات، مدة عام كامل، أفسوف يلتفت لمُعاناتنا؟ الله المستعان".

اظهار أخبار متعلقة

وتقول: "في البداية صمدنا كثيرا، القصف كان قريبا جدا منا، ومع ذلك لم نقرر ترك بيوتنا أبدا؛ لكن البيت قد قُصف، والخطر بات محيط بنا، وكان عدد من أهل القرية إما جرحى أو شهداء، فقرّرنا النزوح مُجبرين وكُرها، ليس بإرادتنا"، مضيفة أنه "في البداية كان الأمر صعبا، حتّى من الناحية المادية".

وتوضّح الشابة اللبنانية، في حديثها لـ"عربي21" أن "الكثير من التجّار، عديمي الضمير، استغلوّا أزمة النزوح من الجنوب، فجعلوا أسعار البيوت تلتهب جدا. شقق من الصعب السكّن فيها، باتت بأثمنة خيالية"، مستدركة بأنه "في الوقت ذاته، سعى كثيرون لتسخير بيوتهم لاستقبالنا، أو على الأقل منهم من اختار شراء المنازل بأثمنة معقولة".

عرض هذا المنشور على Instagram

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Fatima Bajouk 🇱🇧‎‏ (@‏‎fatima.bajoukk‎‏)‎‏

سنعمّر البيوت.. قريبا 
من جهته، قال معاذ، وهو من سكان الجنوب ممّن اختاروا التوجّه نحو طرابلس (في الشمال): "نحن محظوظون، لأن واحدا من الأهل، قدّم لنا منزلا لنسكن فيه، في طرابس، على الأقل سيكون أكثر أمانا، خاصة أن أمي سيدة مريضة، وأنا خائف عليها".

ويضيف الشاب اللبناني، في حديثه لـ"عربي21": "المنزل المقدّم لنا، نحمد الله عليه، لأنه مجاني، في وقت خسرنا فيه كل شيء، وتركنا كل ما نملكه تحت الركام، حتى جهاز الكمبيوتر الذي كان عليه كل شغلي ومُستقبلي".

"الحقيقة، أن البيت الجديد غير صالح للسكن، لا ماء فيه ولا كهرباء، ولكننا مُجبرون، وقريبا سنعود لقرانا، لنُعمّرها" يؤكد معاذ، مشيرا إلى أن ما يحصل اليوم شبيه بما حصل خلال حرب عام 2006، بالقول: "كانت أياما صعبة، وتركنا خلالها البيت، لكن عُدنا، وأعدنا البناء، فاستأنفنا حياتنا، وكذلك سنفعل قريبا".



من الجنوب نحو الشمال.. آلام متنقّلة 
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، رصدت "عربي21" عدّة صور ومقاطع فيديو، خلال الساعات القليلة الماضية، توثّق نزوح الكثير من اللبنانيين، من بيوتهم المُهدّمة، من الجنوب اللبناني، نحو الشمال؛ فيما ظلّت عائلات في الجنوب، تُناشد الصمود، وتتأمّل أن يهدأ الوضع. 

وما بين من نزح مُجبرا، ومن ظلّ مُجبرا، تتوالى حكايا الألم، في قلب المجتمع اللبناني، الذي بات في الآونة الأخيرة يُعايش قسرا، جُملة من الأزمات، من غلاء أسعار المواد الغذائية، إلى تسجيل غلاء في العقارات، ناهيك عن عدد من المشاكل المادية، التي يتحدّثون عنها بكثير من الحسرة.

عرض هذا المنشور على Instagram

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎شبكة قدس | Quds network‎‏ (@‏‎qudsn‎‏)‎‏

وكان وزير خارجية لبنان، عبد الله بوحبيب، قد أعلن أنّ "عدد النازحين في لبنان قبل الغارات الإسرائيلية الأخيرة بلغ نحو 110 آلاف نازح؛ الآن ربّما يقترب عددهم من نصف مليون".

تجدر الإشارة إلى أنه بعد أيام قليلة من حادثي انفجار أجهزة "البيجر" وأجهزة اللاسلكي في لبنان، اللّذين خلّفا أعدادا مُتسارعة من الشهداء والجرحى؛ فقد وصل التصعيد بين حزب الله اللبناني ودولة الاحتلال الإسرائيلي إلى ذروته، فكانت المناطق الجنوبية في لبنان على موعد مع سلسلة من الغارات الجوية.

اظهار أخبار متعلقة

ويشن جيش الاحتلال الإسرائيلي، منذ صباح الاثنين، هجوما يوصف بكونه "الأعنف والأوسع" على لبنان، منذ بدء المواجهات مع "حزب الله" قبل نحو عام، أسفر عن 558 شهيدا بينهم 50 طفلا و94 امرأة، و1835 جريحا، وفق أحدث بيانات وزارة الصحة اللبنانية.