ينشط الاحتلال في حملات دعائية لاستقطاب شباب
حول العالم، في دورات تعليم سيبراني مؤخرا، عبر منظمة "إسرائيل سايبر
كامبوس".
وبات لدى الاحتلال استراتيجية لإعداد جيل من
الخبراء الرقميين، على صلة ببنيتها العسكرية والاستخبارية، لتدريب شبان على مستوى
دولي، وبالتالي خلق نفوذ لها في المساحة السيبرانية العالمية.
وتقدم "إسرائيل سايبر
كامبوس" برامج متخصصة في الأمن السيبراني تستهدف المستوطنين الشباب والدوليين من سن
14 عاما إلى 17 عاما. ويمكن لأي شخص يستوفي المتطلبات التسجيل، سواء من داخل
الأراضي المحتلة أو من خارجها. على سبيل المثال، تتاح بعض الدورات عبر الإنترنت
للشباب من جميع أنحاء العالم، مع التركيز على تطوير مهارات عملية في الأمن
السيبراني تحت إشراف مدربين ذوي خلفيات استخباراتية إسرائيلية.
وتشمل المناهج مواضيع
متنوعة مثل القرصنة الأخلاقية، وإدارة الحوادث السيبرانية، والتحقيق الجنائي
الرقمي، ويجري التركيز على توفير تجربة عملية باستخدام محاكيات متقدمة طورتها شركة
إيلتا للنظم، وهي قسم من شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية. وتهدف هذه المحاكيات
إلى إعداد الطلاب، لمواجهة تحديات إلكترونية معقدة، عبر مزيج من التعليم النظري
والتطبيقي على مدار أشهر عدة.
وتتماشى سياسة القبول
المفتوح لهذه البرامج مع الاستراتيجية الأوسع للاحتلال، في تعزيز خبراتها
السيبرانية خارج إطاره، ما يعزز شراكاته الدولية ويقوي قدراته الداخلية، وتتيح هذه
المرونة في التسجيل للمشاركين الانضمام من أي مكان في العالم، ما يؤكد أن الهدف من
هذه الدورات جذب المواهب وتدريبها من جمهور واسع حول العالم، بما يخدم مصالح الاحتلال،
في بناء شبكة سيبرانية عالمية.
ويبدو أن الشباب
الهندي قد يكون من أبرز المستفيدين من برامج التدريب السيبراني هذه. فقد شهد
التعاون بين البلدين توسعا في مجالات عدة، من بينها الأمن السيبراني والتكنولوجيا،
إذ تعتبر الهند، الاحتلال شريكا استراتيجيا له في نقل التكنولوجيا والتدريب
المتخصص.
ويتماشى هذا التوجه مع استراتيجية الهند لتعزيز قدراتها في مواجهة التهديدات الإلكترونية، وخصوصا مع
تصاعد الهجمات السيبرانية على بنيتها التحتية في السنوات الأخيرة. ويتضح من هذه
الديناميكية أن إسرائيل تستفيد أيضا من العلاقات مع الهند عبر تعزيز نفوذها في
الأسواق الآسيوية، إلى جانب بناء تحالفات غير تقليدية تمتد إلى المجال السيبراني.
هذا التعاون يعكس بعدا جديدا من العلاقات الهندية الإسرائيلية، إذ لم يعد الأمر
مقتصرا على الأسلحة التقليدية ومد طرق التجارة الدولية، بل إنه يشمل الآن إعداد
الكوادر الشابة لتكون جنود السايبر المدافعة عن طموحات الطرفين.
تظهر هذه البرامج
اندماج التعليم مع البنية العسكرية، فلا يقتصر على تعليم البرمجة والاختراق، بل إنه يعد
الطلاب ليصبحوا جنودا في ساحة الحرب الرقمية. كثيرون من خريجي هذه الدورات يتوجهون
إلى وحدات مثل وحدة 8200، المعروفة بعملياتها الاستخباراتية الرقمية، بما في ذلك
المراقبة الواسعة والتنصت على الفلسطينيين.
وقد كشف جنود سابقون
في الوحدة أن بيانات الاستخبارات المجمعة تستخدم للابتزاز والسيطرة على
الفلسطينيين، ما يعمق بنية القمع الممنهج. بهذا الشكل، يصبح من المعتاد أن يدرب
الشباب على التعامل مع المراقبة ليس كاعتداء على الحريات، بل كجزء من الدفاع عن
الدولة، ما يخلق ذهنية تتماشى مع انتهاكات الخصوصية وضرب الحقوق المدنية.
وفي الوقت الذي ينفق
فيه الاحتلال موارده ومساعداته المالية الأمريكية على تطوير قدراته السيبرانية، يحرم
الفلسطينيون من الوصول إلى التكنولوجيا الأساسية. على سبيل المثال، تمنع إسرائيل
توفير شبكات 4G و5G في الأراضي المحتلة، ما يعطل قدرة الفلسطينيين على الابتكار والمشاركة في
الاقتصاد الرقمي.
في المقابل، تستغل التكنولوجيا
لتعزيز سيطرتها عبر أنظمة المراقبة البيومترية ونقاط التفتيش الإلكترونية. وفي هذا
السياق، تصبح التكنولوجيا وسيلة لإدامة التفوق الإسرائيلي، بدلا من كونها أداة
لتحقيق العدالة والتنمية المشتركة.
لم تعد معركة السيطرة
على السردية الإعلامية مقتصرة على وسائل الإعلام التقليدية؛ فقد نجح
الفلسطينيون
ومناصرو القضية حول العالم في استخدام السوشال ميديا لنشر الروايات عن الانتهاكات
الإسرائيلية وكشف ممارسات
الاحتلال.
في المقابل، يواجه الاحتلال صعوبة في كسب هذا
الصراع الإعلامي، إذ أصبح الجمهور الدولي أكثر وعيا بأحقية حركة التحرر الفلسطينية
والظلم الواقع على الشعب. من هذا المنطلق، تأتي البرامج السيبرانية أيضا كجزء من استراتيجية إسرائيلية لاستعادة زمام المبادرة في الحرب الإعلامية.