عاد قلق دول الخليج من احتمالية عودة سياسة "الضغط الأقصى" ضد
إيران، في ظل فنرة رئاسة دونالد
ترامب المقبلة؛ حيث أصبحت
السعودية والإمارات الآن تميلان إلى تخفيف التوتر مع إيران؛ لضمان استقرار المنطقة وحماية خطط التنمية الاقتصادية، على الرغم من دعم الرياض وأبو ظبي لترامب وسياساته خلال ولايته الأولى.
وقالت صحيفة "
فاينانشال تايمز" في تقرير ترجمته "عربي 21"؛ إن السعودية والإمارات أعلنتا أنهما ملتزمتان بتخفيض التصعيد مع إيران، في الوقت الذي تستعدان فيه لعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، على أمل أن يتمكن من إنهاء سنة من الحرب في
الشرق الأوسط، ولكنهما حذرتان من أن تقلباته قد تؤدي إلى زيادة التوترات.
وذكرت الصحيفة أن قادة مثل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كان من أبرز المؤيدين العرب لترامب خلال ولايته الأولى كرئيس للولايات المتحدة، حيث رحب بكل من نهجه العدائي تجاه إيران وأسلوبه في التعامل معها، بعد سنوات من الإحباط الخليجي من السياسة الأمريكية.
إظهار أخبار متعلقة
وأضافت أن "الدولتين القويتين في الخليج، السعودية والإمارات، كانتا قد غيرتا من استراتيجيتهما في السنوات التي تلت ذلك؛ حيث سعتا إلى التعامل مع طهران، وسط شكوك بشأن التزام الولايات المتحدة بأمنهما"، مضيفة أن هذا التحول أصبح أكثر إلحاحا بعد أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، الذي أشعل موجة من "العداءات الإقليمية، وزاد من التوترات بين الولايات المتحدة وإيران؛ حيث سعت كل من الرياض وأبوظبي للبقاء على الحياد".
وذكرت الصحيفة: "رحب قادة الخليج، الذين يفضلون عادة رئاسة الجمهوريين، بإعادة انتخاب ترامب، ويأملون أن يفي صانع الصفقات المزعوم بتعهده خلال حملته بجلب السلام إلى المنطقة. ومع ذلك، يقول الدبلوماسيون وأشخاص مقربون من الحكومات الإقليمية؛ إنهم حذرون أيضا من أن ترامب قد يمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مزيدا من الصلاحية للتصعيد ضد أعداء إسرائيل، وزيادة التوترات مع إيران، مما يهدد بصراع شامل قد يمتد إلى دول الخليج".
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي عربي رفيع المستوى قوله: "إذا وضعك ترامب في موقف، يتعين عليك فيه اتخاذ قرار [أي جانب ستدعم]؛ لأنه يقف ضد إيران، فهذه مشكلة كبيرة. فترامب ليس من النوع الذي يقبل الرفض".
وفي إشارة إلى رغبة الرياض في الحفاظ على السلام البارد مع إيران، استضاف الأمير محمد يوم الاثنين مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى في مؤتمر عربي إسلامي في جدة، حيث اتهم فيه إسرائيل بارتكاب الإبادة الجماعية في غزة. كما أدان الضربات الإسرائيلية على إيران، داعيا المجتمع الدولي إلى وقف الأعمال العدائية على الأراضي الإيرانية.
ومن جهة أخرى، قال أنور قرقاش، مستشار الرئيس
الإماراتي، في مؤتمر بأبوظبي يوم الاثنين؛ إن إدارة ترامب المقبلة يجب أن تتبع نهجا "شاملا" بدلا من السياسات "رد الفعل والمتقطعة".
وأوضحت الصحيفة، أن التعليقات تُبرز التحول في تفكير السعودية والإمارات منذ أن توددتا إلى ترامب بعد توليه منصبه في 2017، عقب سنوات من الإحباط العربي بسبب تقلبات السياسة الأمريكية والشعور بالابتعاد عن المنطقة.
وأضافت الصحفية أن كلّا من الرياض وأبوظبي رحبتا بموقف إدارة ترامب المتشدد تجاه إيران، وقراره بالتخلي عن الاتفاق النووي المبرم سنة 2015 بين طهران والقوى العالمية، وفرض عقوبات قاسية على الجمهورية الإسلامية.
ولكن مع تصاعد التوترات في المنطقة نتيجة لحملة "الضغط الأقصى" التي شنها ترامب، أصبحت الرياض وأبوظبي تدركان ضعفهما أمام العداء الإيراني.
وقال الصحيفة؛ إن "ثقة حكام الخليج قد اهتزت في استعداد الولايات المتحدة للدفاع عنهم بشكل خاص، بعد الهجوم الصاروخي والهجوم بالطائرات المسيرة على البنية التحتية النفطية السعودية في سنة 2019، الذي أدى إلى توقف نصف إنتاج المملكة من النفط الخام مؤقتا. وفي حين ألقت واشنطن باللوم على إيران، اختار ترامب عدم الرد سوى بفرض المزيد من العقوبات".
ونقلت الصحيفة عن جورجيو كافيرو، الرئيس التنفيذي لشركة "جلف ستايت أناليتكس" ومقرها واشنطن، قوله؛ إنه بحلول نهاية ولاية ترامب الأولى، "أدرك القادة الإقليميون أنه عمليّا لم تنجح [إدارته] في جعل الأنظمة الملكية الخليجية أكثر أمانا".
ومع تآكل الثقة في مظلة الأمن الأمريكية، قررت السعودية والإمارات أن خفض التصعيد مع إيران، هو الخيار الأفضل لحماية دولهما وتمكينهما من التركيز على تنويع اقتصادهما.
وأفادت الصحيفة أن هذا الأمر تُوج باتفاق بوساطة صينية في آذار/ مارس 2023 أعاد العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران بعد انقطاع دام سبع سنوات. ويتمثل قلق قادة الخليج الآن في أن اندلاع صراع أوسع في الشرق الأوسط، قد يعرقل خططهم التنموية المحلية.
وبحسب الصحيفة، قال شخص مطلع على تفكير الحكومة السعودية: "الاتفاق المدعوم من الصين هو لصالح المنطقة، وستظل السعودية ملتزمة به طالما أن إيران ملتزمة به".
وأضاف أن المملكة "تعتقد أن التركيز يجب أن يكون على التنمية الاقتصادية ونجاح رؤيتها، التي ستوفر في النهاية للمنطقة رؤية لطريق المستقبل بعيدا عن الصراع، وهي رؤية يجب أن تعود بالفائدة على الجميع".
إظهار أخبار متعلقة
وقالت الصحيفة؛ إن رئيس أركان القوات المسلحة السعودية فياض الرويلي، قد التقى يوم الأحد مع نظيره الإيراني محمد باقري في طهران لمناقشة التعاون الدفاعي في إطار اتفاق بكين، بحسب ما أعلنت وزارة الدفاع السعودية.
ولكن، في الوقت الذي تعهد فيه ترامب بإحلال السلام في الشرق الأوسط، أعرب أيضا عن دعمه للهجمات العسكرية الإسرائيلية، ويبدو أنه سيعين أشخاصا ذووي مواقف متشددة ضد إيران في إدارته.
وكتبت إليز ستيفانيك، التي اختارها ترامب لمنصب سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، على منصة "إكس"، أن "الولايات المتحدة مستعدة للعودة إلى حملة "الضغط الأقصى" ضد إيران، التي كان الرئيس ترامب قد أطلقها".
وبينت الصحيفة أن قادة الخليج يخشون أن الرئيس المنتخب، الذي نفذ سلسلة من السياسات المؤيدة لإسرائيل في ولايته الأولى، قد يمنح نتنياهو مزيدا من الجرأة بدلا من تقييده.
وقال الدبلوماسي: "سنظل على الهامش، نحن محميون. وأي نظام دفاعي يمكن أن يُستنفد. وهذه ليست مزحة".
ومع ذلك، سيتطلع كل من الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الإمارات، إلى بناء علاقات شخصية أقرب مع ترامب، مقارنة بتلك التي كانت لهما مع الرئيس جو بايدن.
وتابعت الصحيفة أن العلاقة مع ترامب وموظفيه بعد مغادرته البيت الأبيض كانت قد استمرت، حيث تلقى صهره جاريد كوشنر ووزير الخزانة السابق ستيفن منوشين مليارات الدولارات من صناديق الثروة السيادية الخليجية لشركات استثمارية يديرها الشخصان السابقان.
وكان بايدن في البداية منتقدا للسعودية والأمير محمد بعد دخوله منصبه، متعهدا بإعادة تقييم علاقات واشنطن مع المملكة بعد مقتل جمال خاشقجي في سنة 2018، لكن العلاقات تحسنت مع دفع بايدن باتجاه إبرام صفقة ثلاثية كانت ستؤدي إلى موافقة الولايات المتحدة على معاهدة دفاعية مع السعودية، مقابل تطبيع المملكة لعلاقاتها مع إسرائيل.
إظهار أخبار متعلقة
غير هذه الخطط، انقلبت رأسا على عقب بسبب الحرب على غزة. وقد يسعى ترامب، الذي اعتبر تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات وثلاث دول عربية أخرى أحد أكبر نجاحاته في السياسة الخارجية، إلى عقد صفقة كبرى خاصة به.
وشددت الصحيفة على أن ذلك سيتطلب إنهاء حروب إسرائيل ضد حماس في غزة وحزب الله في لبنان، وكذلك إجبارها على تقديم تنازلات من أجل إقامة دولة فلسطينية.
واختتمت الصحيفة تقريرها مشيرة إلى تصريح دبلوماسي عربي آخر: "الإحساس الذي نحصل عليه [هو أن] الرئيس ترامب يريد صفقة لإنهاء الحرب في غزة. فهل سيكون ذلك كل ما يريده الجميع؟ ربما لا. ولكنها ستنهي الحرب".