شدد مدير برنامج
سوريا ومكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط، بواشنطن، تشارلس ليستر، على تداعي نظام بشار
الأسد في دمشق، مشيرا إلى أن التساؤل حول التقدم السريع للمعارضة يعود إلى كون هذا النظام "لم ينتصر حقيقة في الحرب".
وقال ليستر في مقال نشرته مجلة "
فورين بوليسي" وترجمته "عربي21"، إن أحداث الأسبوع الماضي طرحت أسئلة جادة حول مستقبل نظام الأسد، مشيرا إلى أن تحالفا من فصائل المعارضة المسلحة شن هجوما في شمال سوريا، وسيطر على نحو 250 مدينة وبلدة وقرية، وضاعف مساحة الأراضي الخاضعة لسيطرته بأكثر من الضعف.
كما تم الاستيلاء على ثاني أكبر مدينة في سوريا حلب في غضون 24 ساعة، مع انهيار خطوط جبهات الدفاع للنظام السوري واحدة تلو الأخرى.
وبعد ما يقرب من خمس سنوات من تجميد خطوط السيطرة في جميع أنحاء البلاد، فإن هذه التطورات دراماتيكية وتعتبر تغييرا لقواعد اللعبة، حسب الكاتب.
اظهار أخبار متعلقة
ويرى ليستر أن هذه التطورات يجب ألا تكون مفاجئة لأحد، فلم "ينتصر" الأسد حقيقة بالحرب وكان حكمه يواجه ضعفا مستمرا، وبات موقفه اليوم أضعف من أي وقت مضى.
وعلى مدى السنوات الماضية، كانت الحكمة تقول إن الصراع تجمد عند الخطوط التي باتت معروفة وأن الأعمال العدائية أصبحت شيئا من الماضي وخرج منها الأسد منتصرا بشكل حتمي.
لكل هذا تراجع الاهتمام الدولي وانتهت تقريبا الدبلوماسية التي تركز على سوريا، وبدأت الحكومات تتخلص تدريجيا من الموارد بعيدا عن السياسة التي تستهدف سوريا وتتجه نحو تحديات عالمية أخرى.
وفي الوقت نفسه، ومع تفاقم الأوضاع في سوريا، اتخذت الحكومات العربية خطوة لإعادة التعامل بشكل جماعي مع الأسد بدءا من عام 2023، وإعادة تأهيله أو تطبيعه في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وبالنسبة لصناع السياسات في الولايات المتحدة، رأت في تولي الجهات الفاعلة الإقليمية المسؤولية عن سوريا، علامة مشجعة ومدعاة للارتياح.
وفي الآونة الأخيرة، وبدافع من معارضتها لسياسة الاتحاد الأوروبي المتمثلة في عزل الأسد والإيمان بانتصاره، جمعت مجموعة من عشر دول أوروبية، بقيادة إيطاليا قواها في سعي إلى إعادة التعامل مع نظام الأسد واستكشاف سبل الدبلوماسية وعودة اللاجئين إلى سوريا.
وقامت هذه التطورات على افتراض مفاده أن الظروف في سوريا وإن كانت سيئة إلا أن الأزمة نفسها لا تزال مجمدة ومحتواة وأن الأسد لم يعزز موقعه فقط بل ويزيد من تعزيز قوته، وبدا أن هذا الافتراض في غير محله، وفقا للكاتب.
وأشار ليستر إلى أن اقتصاد سوريا يعيش ومنذ سنوات حالة من الفوضى. وفي الوقت الذي رعت فيه روسيا وتركيا اللتان تدعمان أطراف الحرب المتنافسة عام 2020 بشكل أدى لتجميد النزاع، كان الدولار يساوي حوالي 1,150 ليرة سورية.
ومع بدء هجوم المعارضة قبل أسبوع، كان يساوي 14,750 ليرة سورية. وفي 4 كانون الأول/ ديسمبر، بعد أسبوع من عودة الحرب، كان سعر الدولار يساوي 17,500 ليرة سورية. وبدلا من عودة الحياة إلى طبيعتها وانتشار الاستقرار بعد أكثر من عقد على الحرب، زادت الأزمة الإنسانية سوءا بعد اتفاق 2020. وتقول أرقام الأمم المتحدة إن نسبة 90% من سكان سوريا باتوا يعيشون تحت خطر الفقر. ورغم رعاية النظام للجريمة المنظمة وتصنيع المنشطات المخدرة وتهريبها والتي تدر عليه 2.4 مليار دولار سنويا إلا أن حياة الشعب السوري لم تتغير. بل وخفضت الحكومة في السنوات الأخيرة، الدعم عن المحروقات والمواد الأساسية.
وشدد الكاتب على أن الأسد لم يعد لديه أحد لإنقاذه من حالة الإفلاس، فقد عانى اقتصاد روسيا من ضربات بسبب غزو أوكرانيا أما إيران فهي في حالة يرثى لها.
اظهار أخبار متعلقة
ولم يكن هذا ليحدث أبدا، بحسب الكاتب، لو تعاون الأسد وبشكل بناء مع حكومات المنطقة والتي طبعت العلاقات معه في 2023، ولو قبل العرض التركي لتطبيع العلاقات معه بداية هذا العام، لكانت سوريا في وضع آخر. ومع تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد أكثر من أي وقت مضى، وانخفاض إرادة العالم وقدرته على المساعدة أكثر من أي وقت مضى، كان الشعب السوري يعاني. وبعد أن أدرك السوريون أنه لا يوجد ضوء في نهاية النفق، بدأوا في العودة إلى الشوارع والمطالبة بإسقاط الأسد.
وقبل أشهر، بدأ مقاتلو المعارضة السابقون الذين "تصالحوا" مع الحكومة بموجب اتفاقيات قبل ست سنوات في تحدي النظام.
في غضون ذلك، وفي ظل الانهيار الاقتصادي في سوريا، دخلت الجريمة المنظمة وكذلك إنتاج المخدرات والاتجار بها على مستوى واسع إلى قلب جهاز الأمن التابع للأسد.
وفي الواقع، ربما يكون نظام الأسد الآن أكبر دولة مخدرات في العالم - تقوم في إنتاج الأمفيتامين المعروف باسم الكبتاغون. وأشار الكاتب إلى أن تجارة المخدرات تديرها كتيبة النخبة في الجيش السوري، الفرقة الرابعة، والتي يقودها ماهر الأسد، شقيق الرئيس.
إلا أن هذه التجارة تسللت إلى ركن من أركان الجيش والميليشيات الموالية له. وعليه، فقد مزقت الجريمة المنظمة وأمراء الحرب الذين يتعاونون مع النظام آخر ما تبقى من بنية متماسكة في داخل الدولة الأمنية السورية.
وفي الوقت نفسه، أدى تورط روسيا في أوكرانيا والحرب التي اندلعت بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر واستهداف إسرائيل لإيران ووكلائها في سوريا ولبنان، إلى تحول انتباه روسيا وإيران عن سوريا.
وقال الكاتب إنه في الحقيقة كانت روسيا وإيران وكذا حزب الله حاضرة عندما بدأ هجوم المعارضة في 27 تشرين الثاني/نوفمبر ولكنها تكبدت خسائر ولم تكن قادرة على الحفاظ على خطوط القتال. ولم يكن حضور الجهات الخارجية الفاعلة على خطوط القتال الأمامية كافيا لمنع انهيار قوات النظام.
وأضاف أنه مع أن ما حدث ليس مفاجئا للجميع لأن هيئة تحرير الشام التي تسيطر على إدلب كانت تخطط منذ منتصف تشرين الأول/أكتوبر لهجوم، عندما تدخلت تركيا في محاولة لوقفها، وشتت روسيا على مدى أيام سلسلة من الغارات الجوية المكثفة ردا على ذلك.
وكما أظهرت الأحداث الأخيرة أن ثماني سنوات من الاستثمار الروسي في إعادة بناء جيش نظام الأسد لم يكن له تأثير يذكر على قدرة الجيش على القتال بفعالية تحت الضغط.
وعلى الرغم من أن جهود روسيا عززت بعض القدرات الفعالة داخل وحدات عسكرية مختارة، مثل فرقة المهام الخاصة الخامسة والعشرين، إلا أن القوات المسلحة السورية ككل تظل غير موحدة وضعيفة التنسيق.
وعلى كل الأصعدة، عانى الجهاز العسكري للنظام من الركود في السنوات الأخيرة، حيث انهار من الداخل وتفكك من الخارج. ويمكن القول إن شبكة غير متبلورة من الميليشيات الموالية تقدم قدرة عسكرية أعظم من الجيش نفسه.
وقال الكاتب إن القدرة النوعية الوحيدة التي أضافتها روسيا إلى جيش الأسد في السنوات الأخيرة هي استخدام مسيرات انتحارية.
وأضاف أنه مع ذلك فقد تفوقت عليها بشكل كبير من حيث الحجم والتأثير وحدة الطائرات المسيرة "كتائب شاهين" التي كشفت عنها هيئة تحرير الشام مؤخرا، والتي أطلقت المئات منها على الخطوط الأمامية للنظام والدبابات وقطع المدفعية وكبار القادة خلال الأسبوع الماضي. كل هذا يقدم صورة عن التناقض الصارخ على الجانب الآخر، فقد عملت هيئة تحرير الشام والفصائل المقاتلة الأخرى ومنذ عام 2020، على تطوير قدراتها العسكرية وبشكل مكثف. وأنشأت هيئة تحرير الشام، تحديدا قوات خاصة تعرف باسم العصائب الحمراء والتي كانت بمثابة رأس السهم في العمليات النهارية، أما سرايا الحراري، فقد حققت مكاسب ليلية وعلى مدى أسبوع، حيث كان كل عنصر من عناصرها الـ 500 يحمل أسلحة مجهزة بمناظير الرؤية الليلية، وفقًا للمجموعة، وهو ما غير قواعد اللعبة.
اظهار أخبار متعلقة
وفي حين قام فصيل آخر من هيئة تحرير الشام يعرف باسم كتائب شاهين باستخدام أسلحة ثقيلة عبر خطوط المواجهة، فقد استخدمت المجموعة أيضا صواريخ كروز محلية الصنع، والتي تعادل قوتها التفجيرية شاحنة مفخخة انتحارية.
وبفضل أساطيل المسيرات الاستطلاعية في الجو على مدار الساعة، تمكنت هيئة تحرير الشام وحلفاؤها من تحقيق التفوق النوعي وبشكل كامل على الجيش السوري، حسب الكاتب.
وبالنظر إلى المستقبل، يواجه نظام الأسد معركة شاقة وخطيرة مع استمرار الهجوم الذي تقوده هيئة تحرير الشام في التحرك جنوبا على محورين على الأقل في محافظة حماة بوسط البلاد والتي انسحب منها الجيش يوم الخميس.
وألهم تراجع شعبية النظام الحادة في جميع أنحاء سوريا والتقدم الدرامي الذي أحرزته المعارضة، الفصائل الأخرى المسلحة في جميع أنحاء البلاد للقيام بالتعبئة واتخاذ الإجراءات، كما في درعا في الجنوب، وحمص في الوسط، ودير الزور في الشرق حيث تواجه مدن النظام والخطوط الأمامية العسكرية تحديات.
والمرة الأخيرة التي اضطر فيها الأسد إلى التعامل مع تحديات متعددة ومتضافرة لسيطرته على البلاد، كانت في عام 2015 حيث دفعت نظامه إلى نقطة الانهيار، واضطرت روسيا إلى التدخل عسكريا لإنقاذه. ولن يكون هناك منقذ هذا اليوم، حسب تعبير الكاتب.