نشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" تقريرا
أعدته مراسلتها في شؤون
إيران، فرناز فصيحي، قالت فيه إن انهيار الشراكة السورية-الإيرانية التي مضى عليها عدة عقود ستؤدي إلى إعادة تشكيل القوة في الشرق الأوسط. وأضافت
أن نظام بشار الأسد الذي انهار بهربه صباح الأحد كان بحاجة ماسة للمساعدة من راعيته
إيران لكنها اختارت التخلي عنه والخروج.
فعلى مدى عقود من الزمان، أنفقت إيران الكثير من المال وضحت بالدماء لدعم الأسد ومساعدته على النجاة من حرب أهلية هددت حكم أسرته الطويل
على
سوريا.
وأنشأت إيران قواعد عسكرية ومستودعات أسلحة
ومصانع صواريخ في سوريا، وقد استخدمتها لكي تسلح حلفاءها في أنحاء المنطقة.
وفي الوقت الذي كان فيه الأسد بحاجة لدعم إيران ومساعدته لصد هجوم المعارضة المسلحة
على العاصمة دمشق، فقد اختارت إيران الخروج.
اظهار أخبار متعلقة
وبدأت يوم الجمعة، بإجلاء قادتها العسكريين
وموظفيها، فضلا عن بعض الموظفين الدبلوماسيين، وذلك بحسب مسؤولين إيرانيين وإقليميين.
ورأت الصحيفة أن القرار الإيراني يعد تحولا
ملحوظا، فطهران لا يبدو أنها تخلت عن الأسد أقرب حلفائها العرب فحسب، بل إنها تخلت عن كل
ما بنته وقاتلت للحفاظ عليه لمدة 40 عاما في سوريا، موطئ قدمها الرئيسي في العالم العربي.
ويبدو أن إيران وسط استمرار تقدم المعارضة
المسلحة لم تكن قادرة على تعبئة القوات المناسبة للدفاع عن حكومة الأسد بعد عام
مدمر من الحروب الإقليمية التي بدأت بالهجوم الذي شنته حركة حماس، حليفة إيران، على "إسرائيل"
في 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وقالت إن انهيار الشراكة السورية-الإيرانية سيترك أثره
على ميزان القوة في الشرق الأوسط، وسيضعف "محور المقاومة" الذي بنته إيران
في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين واليمن، فيما ستتقوى "إسرائيل" وحلفاؤها
العرب.
وفي مقابلة أجريت معه من طهران، قال حسن
شمشادي، الخبير في المليشيات المؤيدة لإيران والذي عمل لسنوات كمخرج أفلام وثائقية
في ساحات القتال في سوريا: "بالنسبة لإيران، كانت سوريا العمود الفقري لوجودنا
الإقليمي. كل ما أرسلته إيران إلى المنطقة كان يمر عبر سوريا. والآن أصبح من الصعب
جدا الحفاظ على إبقاء هذه القنوات مفتوحة".
ونقلت الصحيفة عن ثلاثة مسؤولين إيرانيين،
اثنان منهم من الحرس الثوري الإيراني، إلى جانب محللين مقربين من الحكومة، قولهم إن
الحكومة الإيرانية، صدمت في البداية من تقدم المعارضة السورية السريع وتحقيقها مكاسب
على الأرض وتراجع قوات النظام وتركها القواعد العسكرية. وقال المسؤولون إن المزاج تحول بحلول
منتصف الأسبوع الماضي إلى ذعر كامل، حيث كانت المعارضة المسلحة تواصل سيطرتها على المدينة
تلو الأخرى، من حلب إلى حماة إلى دير الزور ودرعا.
ومن الناحية السياسة تعهد المسؤولون الإيرانيون،
علنا بمواصلة دعم الأسد، إلا أنهم تساءلوا في حواراتهم الخاصة عن قدرتهم على مواجهة
الأحداث ووقف زخمها، وبخاصة مع استمرار تقدم المعارضة المسلحة، على حد تعبير المسؤولين.
وفي نهاية الأسبوع أبدى المحللون والمسؤولون
من على منصات التواصل الاجتماعي تشاؤما من وضع الأسد وأن الإطاحة به باتت محتومة، وبالتالي،
تعرض إيران إلى نكسة ستكون كبيرة.
فقد كتب محمد علي أبطحي، نائب الرئيس السابق،
على موقع "إكس": "إن السقوط المحتمل للحكومة السورية في أيدي المتطرفين
الإسلاميين سيكون أحد أهم الأحداث في تاريخ الشرق الأوسط. وسوف تترك المقاومة في المنطقة
بدون دعم. وسوف تصبح إسرائيل القوة المهيمنة".
ورغم أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي،
الذي سافر إلى دمشق وبغداد والدوحة في قطر للتشاور بشأن سوريا، تمسك بداية بلهجة متحدية
إلا أنه قال لاحقا إن مصير السيد الأسد متروك "لإرادة الله".
ووصفت مذكرة داخلية للحرس الثوري، اطلعت
عليها صحيفة "نيويورك تايمز" الوضع في سوريا بأنه "لا يصدق وغريب"،
وجاء فيها أن "إيران قبلت بحتمية سقوط الأسد وفقدت القدرة على المقاومة".
اظهار أخبار متعلقة
وتحول التلفزيون الحكومي في إيران ذات الأغلبية
الشيعية من وصف المعارضين السنة بـ"الإرهابيين الكفار" إلى وصفهم بـ"الجماعات
المسلحة"، وأفاد بأن إيران تعاملت حتى الآن مع الأقليات الشيعية بشكل جيد؟
وقال سهيل كريمي، وهو مقاتل سابق في سوريا
تحول إلى محلل سياسي، في برنامج إخباري على التلفزيون الحكومي إن تعهدات عراقجي بدعم
الحكومة السورية لم تكن سوى أمل كاذب. وقال: "الحقيقة في الميدان هي ليست كما
يقول"، مشيرا إلى تقارير من اتصالاته في سوريا عن أن "رجالنا ليسوا في ساحة
المعركة بسوريا ولم يسمح لهم". وأظهر مقطع فيديو نشر يوم الجمعة في حسابات على مواقع للتواصل الاجتماعي تابعة للحرس الثوري، ضريحا شيعيا بالقرب من دمشق فارغا تقريبا.
ويقول الراوي: "قد تكون هذه آخر الصور التي تراها للضريح، فقد غادر الجميع سوريا،
وتم إجلاء جميع الإيرانيين". ثم ينخرط في البكاء.. وذلك في إشارة إلى مزار السيدة
زينب، حفيدة الرسول محمد، وقد لعب دورا مهما في تبرير مشاركة إيران في الحرب الأهلية السورية. وأشير إلى الجنود والمقاتلين الإيرانيين الذين قتلوا في سوريا بأنهم ماتوا وهم يدافعون
عن مزار السيدة زينب.
وقال المسؤولون الإيرانيون الثلاثة إن هيئة
تحرير الشام، الجماعة المعارضة الرئيسية التي تتقدم في سوريا، أرسلت إلى إيران رسالة
دبلوماسية خاصة الأسبوع الماضي. ووعدت فيها بأنها ستوفر الحماية للمواقع الدينية الشيعية
والأقليات الشيعية وطلبت من إيران عدم أمر قواتها بالقتال. بدورها، طلبت إيران من الجماعة
السماح بمرور آمن لقواتها خارج سوريا وحماية الأضرحة الشيعية، بحسب قول المسؤولين.
وكانت طهران قد نشرت قادة في الحرس الثوري
ومسؤولين وقوات في سوريا عام 2012، وذلك في بداية الثورة، ما ساعد في هزيمة كل من
معارضي نظام الأسد وتنظيم الدولة. واستخدمت إيران وجودها في سوريا لتوفير الأسلحة
والمعدات لحزب الله في لبنان والجماعات المؤيدة لها في المنطقة. وفي الآونة الأخيرة،
دخلت إيران في شراكة مع عصابات التهريب وبعض أعضاء القبائل البدوية في الأردن لإرسال
الأسلحة من سوريا إلى الضفة الغربية. إلا أن ديناميات الشرق الأوسط تغيرت بشكل كبير
منذ العام الماضي.
وقد تعرضت إيران لضربات قوية عندما هاجمت
"إسرائيل" الأصول والقواعد الإيرانية في سوريا، بما في ذلك مجمع سفارتها
في دمشق. وقتلت "إسرائيل" ما لا يقل عن عشرين من القوات الإيرانية، بعضهم
من كبار القادة المسؤولين عن العمليات الإقليمية، وفقا لوسائل الإعلام الإيرانية. بالإضافة
إلى ذلك، فقد تعرض حليف إيران الرئيسي حزب الله لضربة شديدة بعد حرب استمرت عاما وخمسين
يوما من القتال الشديد مع "إسرائيل" في لبنان.
وتركز اهتمام روسيا، حليفة سوريا الأخرى،
على حربها مع أوكرانيا. والأمر الأكثر أهمية هو أن الجيش السوري أظهر عدم رغبته في
القتال.
اظهار أخبار متعلقة
وأشارت الصحيفة إلى مصدر قلق آخر لإيران
وهو تهديد "إسرائيل" بمهاجمة أي حشد للقوات الإيرانية في سوريا، وفقا لمحللين
داخل وخارج البلاد. وتم تحويل رحلتين لشركة طيران إيرانية خاصة في طريقها إلى دمشق
الأسبوع الماضي بعد تحذيرات من "إسرائيل" بأنها ستسقطهما إذا دخلتا المجال
الجوي السوري، وفقا لمسؤولين إيرانيين وإسرائيليين.
وقالت "إسرائيل" إن الرحلتين
كانتا تنقلان أسلحة. وقال مهدي همتي، وهو محلل بالشؤون السورية في طهران ويقدم
المشورة للحكومة: "إن دخول إيران في هذه المعركة يتطلب موارد لوجستية ومالية هائلة"،
فضلا عن المساعدة من الحلفاء وسوريا نفسها و"لم يتوفر أي من هذه الظروف الآن"
وأضاف همتي: "سوريا ولبنان مثل جناحينا الأيسر والأيمن" و"يتعرضان للتقليم
الآن، ومن الصعب تخيل أحدهما بدون الآخر".
وقال أفشون أوستوفار، الأستاذ المشارك في شؤون الأمن القومي في كلية الدراسات
العليا البحرية في كاليفورنيا وخبير في الجيش الإيراني، إن إيران في مأزق، خاصة مع
عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة ومن المتوقع أن يفرض سياسة "أقصى ضغط على إيران".
وأضاف أوستوفار إن "خسارة ساحة سوريا سيجعل إيران تبدو ضعيفة بشكل متزايد أمام
أعدائها في تل أبيب وواشنطن" و"إذا ضاعفت إيران جهودها في سوريا، فقد تكون
كمن يلقي بالرجال والمواد في معركة خاسرة. ولكن إذا تراجعت إيران، فإنها سوف تبدو ضعيفة،
وتعترف بالهزيمة، وتتنازل عن الأراضي التي قاتلت من أجلها بشق الأنفس لأعدائها".