في
غزة هي صاحبة جُرحٍ يقترب من عقده الأول، ويزداد وجعه يوما بعد آخر في ظل
حصار يخنق كافة تفاصيل الحياة، وما من أرقامٍ للمرأة في القطاع المحاصر منذ أزيد من سبع سنوات سوى تلك الكاشفة عن حجم مأساة تفوق الوصف.
وفي أحدث دراسة ترسم واقع نساء غزة أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن حال المرأة في القطاع جراء الحصار
الإسرائيلي القائم منذ عام 2007، والذي وصل في الشهور الأربعة الأخيرة إلى مستوى غير مسبوق، تسبب في أن تدفع المرأة الفاتورة الأعلى تكلفة في أوقات الأزمات إذ هي من تحمل العبء الأكبر في المنزل.
وفي مقدمة لدراسة ستتناول أوضاع المرأة في غزة بشكل كامل وستصدر في وقت لاحق ، وتنفرد "الأناضول" بنشر نتائجها الأولية الأثنين، فقد أكدت المنظمة الأوروبية الحقوقية أنّ 32.7% من السيدات المستطلعة آراؤهن ضمن الدراسة المسحية والتي رصدت آراء عينة عشوائية أفدن بأن معيل الأسرة فقد عمله ومصدر رزقه، عقب إغلاق الأنفاق وتداعيات الأحداث
المصرية الأخيرة.
وأعربت 31.3% من السيدات عن أنّ مصدر دخل أسرهنّ تناقص خلال الأشهر الأربعة الماضية، كما أفاد 54.4% من السيدات بأن أسرهنّ باتت تعاني من تراكم الديون، وأظهرت النتائج في السياق ذاته أنّ نسبة 59% من الأسر اضطرت إلى بيع بعض من مقتنياتها لسداد أعباء المعيشة.
وقال المرصد الأورمتوسطي إن تأزم الوضع الاقتصادي انعكس بالسلب والضرر على الحياة الأسرية والوضع الاجتماعي والصحي والنفسي لنساء القطاع، إذ عبر 58.9% من السيدات عن اعتقادهن أنّ معدل العنف ضد النساء داخل الأسرة قد ازداد في فترة الحصار، بينما أعربت نسبة 61.3% منهن عن الاعتقاد بأن العنف ضد الأطفال تنامى بفعل ضغوطات الحصار.
وقالت نسبة 90% من النساء إن مستوى العصبية والقلق والتوتر داخل الأسرة ارتفع بشكل ملحوظ، وخلّف الفقر وانعدام الأمن الأسري معاناة فاقمت الوضع الإنساني للمرأة في القطاع، فقد كشفت 24.6% من السيدات عن ارتفاع حالات الطلاق داخل العائلات لسبب عائد إلى تفاعلات الحصار، كما عبّر 23.1% من السيدات عن أن أسرهنّ اضطرت إلى تزويج إحدى بناتها زواجاً مبكراً للتخفيف من الأعباء المادية للأسرة، بينما اضطرت 61.2% من الأسر المستطلعة إلى تأجيل زواج أحد شبّانها لعجزها عن الإيفاء بتكاليف الزواج.
وفي سياق التعليم، عبر 28.4% من السيدات عن اعتقادهن بأن الحصار وتداعياته تسبب في رسوب أطفالهن في مادة دراسية أو أكثر، بينما قلن 56.9% إن درجات أبنائهن قد انخفضت، في حين أن 7.9% من الأسر المستطلعة شهدت حالة تسرّب واحدة على الأقل لأجد أبنائها من مقاعد الدراسة.وعن أثر الحصار على الوضع الصحي للمرأة في غزة، أعر بت 49.9% منهن عن عدم قدرة أسرهن على توفير التكاليف العلاجية بصورة مريحة.
وكانت الدراسة قد أجريت ميدانياً على عينة عشوائية من 1100 سيدة في قطاع غزة، تتراوح أعمارهن بين 24-50 عاماً، نصفهم من سكان مدينة غزة والنصف الآخر من بقية المحافظات، وذلك في الفترة الممتدة ما بين 14-27 أيلول/ سبتمبر من عام 2013 الجاري.
ونقـلت الدراسة شهادات لربات البيوت عن انعكاس تداعيات تشديد الحصار على حياتهم اليومية، وتقول "إيمان عبد الحي" (35 عاماً) وهي أم لأربعة أطفال إن الأوضاع تزداد سوءا يوما بعد آخر، وأن أزمة الكهرباء الأخيرة شكلت رعباً لديها، خاصة عندما تستخدم الشموع، إذ تتذكر حالات اشتعال المنازل وموت الأطفال حرقاً.وتعيش إيمان كما غيرها من آلاف النساء على جدولة حياتها وفق ساعات وصل الكهرباء التي لا تتجاوز الست ساعات يوميا، وتقول إنها تستغل هذا التوقيت للقيام بواجباتها المنزلية، فتقوم بتشغيل الغسالة مجبرة في منتصف الليل ليدفع أطفالها فاتورة الأرق وعدم النوم إذ يتحول ليلهم إلى نهار.
وتتراكم الأزمات على هذه الأسرة إذ تعاني من شح شديد في المياه المنزلية مما يدفعهم لشراء المياه من شركات خاصة وضخها في الخزانات. وتشكو إيمان من خلو الثلاجة من الطعام وعدم توفره بشكل كبير، حيث تقوم أسرتها بشراء احتياجاتها الطعام ليوم واحد فقط تخوفاً من فسادها نتيجة الساعات الطويلة من الانقطاع.
وفي تعقيبه على نتائج الدراسة قال رئيس مجلس إدارة المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان "رامي عبدو" إن الأرقام التي يخلفّها الوضع الاقتصادي في غزة صادمة وغير مسبوقة.
وأضاف عبدو في حديثٍ لـ"الأناضول" أن الأيام القادمة ستكشف عن الحجم الحقيقي لمعاناة قرابة مليوني مواطن، وتابع:" الأزمة اليوم أصبحت أزمة كرامة إنسانية، وبات المواطن في القطاع يشعر بألم حقيقي، ومن أكثر المتضررين هي المرأة فهي تشعر أنها محاصرة جسديا، ونفسيا، وعاطفيا، كما أن كل أعباء الأسرة تُلقى على كاهلها"، ولفت إلى أن هذه الأرقام هي أولية، لدراسات معمقة قادمة تكشف الحجم الحقيقي لمعاناة النساء في القطاع، والمتزايدة ساعة بعد أخرى. وتمنى عبدو من كافة الأطراف الدولية التدخل بشكل عاجل لإنقاذ غزة مما وصفه بـ"الموت البطيء"، والعمل على فك الحصار الخانق اليومي الذي بات يكبل حياة النساء والأطفال.
وتعيش غزة هذه الأيام حصارا مشددا عقب توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع عن العمل، بالتزامن مع إغلاق الأنفاق المنتشرة على طول الحدود المصرية الفلسطينية، والتي توقف العمل فيها بنسبة كبيرة تجاوزت وفق تأكيدات أممية وفلسطينية 95% جرّاء حملة الجيش المصري، التي أعقبت عزل الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي في الثالث من يوليو/ تموز الماضي.
وكانت الأنفاق تشكل البوابة الرئيسية لدخول الاحتياجات اليومية لسكان غزة بعد أن فرضت إسرائيل حصارا مشددا على القطاع في منتصف يونيو- حزيران 2007.
وفي الوقت الراهن أصاب الشلل قطاع الإنشاءات عقب المنع الإسرائيلي لإدخال مواد البناء، وتعطلّ ما يزيد عن 35 ألف مواطن عن العمل وفق إحصائيات لوزارة الاقتصاد في الحكومة الفلسطينية في غزة .