قال هلال خشان، الباحث وأستاذ العلوم السياسة في الجامعة الأمريكية ببيروت إن الموقف السعودي من عزل الرئيس المصري محمد مرسي يعد بمثابة تغير في الموقف السعودي التقليدي من احتواء من تعتبرهم أعداء، إلى محاولة تبني سياسة خارجية أكثر شجاعة، لكن هذا التغيير جاء متأخرا ولن يغير من حقيقة انحسار النفوذ الإقليمي للمملكة العربية
السعودية.
وأضاف خشان في دراسة نشرت بدورية الشرق الأوسط الأمريكية لشتاء 2014 تحت عنوان "
بندر بن سلطان وتدخله الأخرق في الملف السوري"، إن أفضل دليل على انحسار النفوذ الإقليمي للسعودية هو موقف الرياض الضعيف تجاه
سوريا متمثلا في تحركات الدبلوماسي السعودي الأمير بندر بن سلطان الذي أسماه "أمير المهام الصعبة"؛ وذلك لدوره الحيوي في دعم العلاقة السعودية الأمريكية على مدار 22 عاما من عمله كمبعوث إلى واشنطن، ثم تعيينه كرئيس لمجلس الأمن القومي، ثم رئيس للاستخبارات.
ويقول الباحث إن العائلة المالكة في السعودية تخشى بشكل كبير من تداعيات الثورات التي تشهدها المنطقة واحتمالات ظهور مطالب للإصلاح السياسي نتيجة لذلك.
اللامبالاة الأمريكية وصعود إيران
ويرى الكاتب أن السعوديين سعوا لاحتواء إيران وسوريا لسنين طويلة، ولكن دون جدوى. وبعد صمت استمر أكثر من عامين، قرر السعوديون أخيرا الانحياز إلى أحد الطرفين في الصراع السوري، إلا إنهم أدركوا -على غير توقعاتهم- أن دعمهم للجيش السوري الحر يساويه في القوة دعم طهران للآلة العسكرية لبشار
الأسد.
ويضيف الباحث إن موقف واشنطن كان أشد إحباطا للسعوديين. فإذا وضعنا في الحسبان العلاقة التاريخية الوثيقة بين الدولتين، فإن صدمة السعوديين كانت نتاج عدم اطلاعهم بوضوح على حقيقة الموقف الأمريكي تجاه سوريا.
ويرى الباحث أن السعوديين لديهم الحق في الشعور بخيبة الأمل بعد فشلهم في إقناع الأسد بالتنحي، وكذلك عدم قدرتهم على احتواء الإيرانيين دبلوماسيا. ورغم أن اتفاقات الدفاع المشترك بين الرياض وواشنطن لا زالت سارية، إلا أن أغلب السعوديين يشعرون بالقلق بسبب الموقف الامريكي المتذبذب وغير الجاد.
"سياسة بندر الخرقاء تجاه سوريا"
يصف الباحث سياسة الأمير بندر بن سلطان تجاه سوريا بـ "الخرقاء"، قائلا إن السعوديين يرون أن السماح للأسد بالبقاء في السلطة سوف يطيل أمد الثورة السورية، ما سيهدد استقرارهم. وبالنظر إلى ضعف الجيش السوري الحر، فإن استمرار الصراع المسلح يساهم فقط في زيادة أعداد الجهاديين وخاصة الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة مثل "الدولة الاسلامية في العراق والشام" و"جبهة النصرة". فالسعوديون لن يشعروا بالقلق إذا اقتصر وجود هذه الجماعات في الشمال السوري، لكنهم بدأوا يشعرون بالقلق إزاء احتمالية انتشارها في جنوب غرب سوريا بالقرب من الحدود الأردنية، فحدوث أمر كهذا يعني أن تقدم هذه الجماعات مستقبلا إلى الحدود السعودية أمر لاشك فيه .
ورغم اعتناقهم لنفس الأيديولوجية السلفية التي نبع منها المذهب الوهابي للمملكة، إلا "أن هؤلاء الجهاديين يزعمون أن دوافعهم نبيلة ويتبنون منهجا عنيفا قد يهدد عرش آل سعود". ولمواجهة هذا التهديد قام الملك عبد الله مرة أخرى باللجوء إلى بندر الذي لم يخف وجهة نظره بأن بشار لا بد أن يرحل.
وسعيا لإيجاد حل للصراع، عرض بندر على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صفقة تجارية مغرية تشمل 15 مليار دولار من الأسلحة في مقابل تعهد مجلس التعاون الخليجي بعدم منافسة روسيا في سوق الغاز الأوروبي. "وقد كان من الممكن لهذه الصفقة أن تنجح إذا لم يتخل بندر عن العصا المصاحبة للجزرة".
فبوتين الذي يعتبر نفسه المنافس الأوحد لأوباما في السياسة الدولية غضب بشدة عندما وعده بندر بالسيطرة على الجماعات الشيشانية المسلحة ومنعها من استهداف أولمبياد الألعاب الشتوية المقبلة الذي ينظم في منتجع سوتشي الروسي، حيث اعتبر بوتين وعد بندر بمثابة تهديد غير مباشر.
ويضيف الباحث أنه في حين تم وصف بندر بأنه شخصية محورية في صراع أمريكا وحلفائها ضد النظام السوري، إلا أن هناك أدلة متزايدة على عدم رغبة أمريكا بعزل الأسد. ورغم تصريحات سابقة للولايات المتحدة تشدد على أن الأسد "لابد أن يرحل"، إلا أن هناك اعتقادا متناميا في واشنطن أن البديل للنظام السوري القمعي ربما يكون أسوأ، لدرجة أن أحد المسؤولين صرح أن الأمريكان أخبروا الروس أن النظام السوري لابد أن يكون مشاركا في أي اتفاق لضمان الانتقال السلس للسلطة.
ويرى الباحث أن مجهودات بندر منذ شهر يونيو بتسليح المعارضة السورية لا تكفي لإسقاط الأسد. وقال موضحا "هناك علاقة عكسية بين خطاب الرياض والواقع على الأرض. فكلما تحدث السعوديون عن تسليح الجيش الحر كلما اتضحت حقيقة أن جيش النظام لا زال يسيطر على الوضع".
ولكن الباحث يستدرك قائلا إنه يجب إنصاف بندر من ناحية أن فشله في تغيير المعادلة العسكرية على الأرض في سوريا لا يتعلق بعدم كفاءته، بقدر ما يتعلق بالقيود التي تضعها الولايات المتحدة على تسليح الجيش السوري الحر. فالدعم العسكري السعودي للثوار في سوريا غالبا ما يمر من خلال الأردن، وهو ما يتطلب موافقة جهاز الاستخبارات الأمريكية لعبور أسلحة أمريكية الصنع إلى سوريا.
وبالنظر إلى تطور الوضع في سوريا، فليس من المحتمل انتصار بندر في مواجهة نظام الأسد أو المناورات الإيرانية في المنطقة. إذ أن تعهد سوريا بالتعاون مع محققي الامم المتحدة لتفكيك ترسانتها من الأسلحة الكيماوية أكسبها مدحا أمريكيا نادر الحدوث، وغطى ذلك على الانتقادات والمطالب السابقة وأعطى النظام السوري مهلة كان بحاجة إليها.
وهنا يؤكد الباحث عدم وجود نهاية قريبة للصراع في سوريا، وليس من المحتمل أن يؤدي اتفاق القوى الكبرى إلى تعزيز مكانة الرياض كقوة إقليمية. فبندر قد فشل في سوريا، والعائلة المالكة غير راضية عن أدائه في هذا الملف.
ويختم الباحث بقوله إن بندر في حاجة ماسة إلى تحقيق نصر في سوريا للتغطية على المشكلات الداخلية المتزايدة في الرياض، بما في ذلك الانقسام حول ولي العهد القادم وصعود مناصري الإخوان المسلمين وتيار الصحوة في المملكة. وبالتالي فإن التقارير الأخيرة التي تشير إلى تدخل بندر في الصراع الطائفي في العراق- إن صحت- ربما تدل على محاولة مستميتة منه للتقليل من حدة الانتقادات الموجهه إليه في الداخل بسبب فشله في سوريا.