تشير خلود شهاب التي خرجت برفقة ولديها من مخيم
اليرموك المحاصر في جنوب دمشق، إلى يديها المتشققتين، قائلة: "انظروا.. تريدون أن تعلموا ماذا يجري في الداخل؟ الوضع مأساوي والناس يموتون من الجوع".
وهذه السيدة الفلسطينية البالغة من العمر 32 عاما، هي واحدة من مئات أتيح لهم خلال الأيام الماضية مغادرة المخيم الذي استحال كتلا من الخراب والدمار، وفقد فيه العشرات حياتهم منذ حزيران/ يونيو بسبب نقص الغذاء والدواء.
وتقول شهاب، بوجهها الشاحب وعينيها السوداوين وبشرتها البيضاء: "كنا نعيش على مغليّ الأعشاب وأوراق الصبار"، التي كانت تقطفها من بساتين المخيم الذي أمضت فيه كل حياتها.
وتضيف هذه السيدة ذات الرداء الرمادي والحجاب الأخضر والأبيض: "ما يأمله الناس هو فتح الطريق.. أنا مسرورة لخروجي وآمل في خروج الآخرين"، مشيرة إلى أنها لم تأخذ شيئا معها، وستقيم مؤقتا لدى شقيقتها في حي الزاهرة القريب من المخيم.
ويقيم في اليرموك قرابة الـ 20 ألف شخص، وسط ظروف مأسوية منذ حزيران/ يونيو 2013، إثر فرض القوات النظامية حصارا على المخيم الذي يسيطر المقاتلون المعارضون لنظام الرئيس بشار الأسد على غالبية أحيائه.
وقبل اندلاع الاحتجاجات المناهضة لنظام الرئيس بشار الأسد منتصف آذار/ مارس 2011، قارب تعداد الفلسطينيين في اليرموك الـ150 ألف شخص، غادر عشرات الآلاف منهم بعد تمدد المعارك إلى داخل المخيم أواخر العام 2012.
ومنذ 21 كانون الثاني/ يناير، دخلت ثلاث قوافل من المساعدات إلى المخيم، وسمحت السلطات لعشرات "الحالات الإنسانية" بالمغادرة تباعا.
وتخلل خروج المدنيين السبت سماع أصوات إطلاق نار من مكان قريب. وسارع عناصر من القوات النظامية المتواجدة على مداخل المخيم، إلى التوجه نحو مصادر النيران والانتشار في الطرق الفرعية "تحسبا لأي تسلل قد يعيق عملية إخراج المدنيين" بحسب أحد العناصر في المكان.
وتشهد أطراف المخيم منذ أشهر معارك بين مقاتلي المعارضة والقوات النظامية التي تقوم أحيانا بقصف الأحياء الداخلية، حيث تدور معارك بين المعارضين وتنظيمات فلسطينية موالية لدمشق.
وعلى مدخل المخيم، تعرب أم علاء بصوت متهدج وعينين دامعتين، عن فرحتها بالخروج مع أولادها الخمسة.
وتقول هذه السيدة الأربعينية: "الوضع سيئ جدا في الداخل. لا أدري إلى أين أذهب، ولكنني أريد الخروج وبقيت حتى في الشارع".
وتنوي هذه السيدة المحجبة اصطحاب أولادها إلى مشفى الأطفال الواقع في حي المزة "لمعالجة ابني الذي يعاني من ضمور عضلي".
ودخلت سيارات الإسعاف إلى المخيم لنقل المصابين والمرضى العاجزين عن المشي، إضافة إلى دخول شاحنات محملة بالمساعدات الغذائية من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (
أونروا).
وينتظر فريق طبي من 15 متطوعا في الهلال الأحمر الفلسطيني الخارجين في ساحة البطيخة على مدخل المخيم، ويقدمون لكل منهم كعكة من النخالة وزجاجة ماء، قبل تسجيل أسمائهم لمتابعة حالتهم الصحية.
ومن أمام مبنى غطى السواد الناجم عن الحرائق جدرانه، يقول الطبيب المشرف على المتطوعين عاطف إبراهيم: "نستقبل الحالات المرضية وننقلها عبر سيارات الإسعاف إلى مشفى يافا (في دمشق)" التابع للمنظمة.
ويوضح أن غالبية الحالات لأطفال يعانون الجفاف والسكر الشبابي، إضافة إلى حوامل ومصابين بأمراض مزمنة، كارتفاع ضغط الدم والسكري.
وتبدو مظاهر الإعياء أيضا على أقارب الخارجين من المخيم.
وتقول عفاف شهابي (40 عاما)، وهي تترقب منذ أكثر من شهرين خروج ابنتها آلاء العائدي (23 عاما)، إن حفيدها البالغ من العمر عامين فقد والده إثر سقوط قذيفة بالقرب منه داخل أحد أحياء المخيم.
وتضيف أن الطفل "يعاني من جفاف حاد نتيجة لإصابته بالإسهال".
ويصطف المدنيون المصرح لهم بالخروج حاملين أمتعتهم الخفيفة أمام مكتب تابع للأمن السوري، لتدقيق أسمائهم مع اللوائح الصادرة عن لجنة المصالحة الشعبية.
ويجول رئيس لجنة المصالحة الشيخ محمد العمري بين المتلهفين للقاء أقاربهم، لتحضير لائحة "الحالات الإنسانية" المتوجب إخراجها.
ويقول لفرانس برس: "هناك قرار بأن تعرض الحالات الطبية على طبيب (في داخل المخيم) يقدر أولوية إخراج الأشخاص"، آملا في أن يسرع المسلحون في داخل المخيم "بتنفيذ بنود المبادرة".
ويشير بذلك إلى اتفاق تم التوصل إليه أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2013 عن طريق لجنة المصالحة الشعبية مع مقاتلي المعارضة في داخل المخيم، وحظي بإجماع الفصائل الفلسطينية البالغ عددها 14.
وقال عضو المكتب التنفيذي في منظمة التحرير الفلسطينية أنور عبد الهادي لفرانس برس، إن إخراج المدنيين "انفراج كبير من أجل تخفيف
المعاناة عن أهل المخيم"، مشيرا إلى أن عدد الخارجين وصل إلى 450.
وأشار إلى أن "المبادرة تسعى لإخراج نحو ألفي حالة إنسانية".
وبحسب أحدث حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد أدى نقص الغذاء والأدوية إلى وفاة 88 شخصا في المخيم خلال الأشهر الماضية.
وبحسب المتحدث باسم الـ"ونروا" كريس غونيس، تواصلت الأحد عمليات إدخال المساعدات لليوم الرابع على التوالي، وبلغت منذ 18 كانون الثاني/ يناير، 3420 حصة غذائية، علما بأن كل حصة تكفي عائلة من ثمانية أشخاص لنحو عشرة أيام.
ويقول مدير مكتب الوكالة في دمشق، مايكل كينغسلي-نيناه، لفرانس برس: "نحن متفائلون بالتقدم الذي حققناه على مدى اليومين الماضيين ما يجعلنا نتمنى أن يستمر".
وناشد السلطات السورية "توسيع رقعة الوصول حتى نتمكن من إيصال المساعدات الإنسانية الكبيرة بشكل دائم"، معتبرا أن "الأرقام التي توصلنا إليها حتى الآن هي صغيرة نسبيا بالمقارنة مع عدد السكان المحتاجين".
وأضاف "نحن نعتقد ان جميع سكان اليرموك في الوقت الراهن يحتاجون الى المساعدة".