مثلما أكدت وقائع الأعوام الثلاثة المنصرمة أن قهر الاستبداد مستحيل بقوة تيار أو حزب أو طرف بمفرده، سنكتشف خلال معركتنا الحالية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (
داعش) أن قهر خطر الإرهاب التكفيري مستحيل بدوره بقوة جهة واحدة أو تيار أو حزب بمفرده. ومثلما اقتنعنا بعجزنا عن كسر النظام بقوة سياسات ونضالات الديمقراطيين وجهاد الإسلاميين كل على حدة، سيقنعنا مسار المعركة الدائرة ضد «داعش» أن كسر الإرهاب الأصولي وإخراجه من بلادنا ليسا ممكنين بقوة النضال الديمقراطي والجهاد الإسلامي كل على حدة، وأن تضافرهما ووحدتهما في إطار جبهة سياسية وعسكرية متراصة ومتماسكة هما السبيل إلى ما نريد: التخلص من مخاطر وجوده في بلادنا كمرحلة أولى ومقدمة حتمية تسبق التخلص من النظام
الأسدي، الذي استقوى علينا بالإرهابيين طيلة فترة حكمه، ويستخدمهم اليوم بكثافة، مثلما يتبين من وثائق كثيرة وضع مقاتلو
الجيش الحر أيديهم عليها في أوكار «داعش» وجحورها، في مختلف الأمكنة.
لن تكون معركتنا ضد التنظيم الإرهابي قصيرة أو سهلة، بسبب ما راكمه من خبرات، وتشعب تنظيمه الدولي وانتشاره في عوالم كثيرة، وما يمتلكه من أموال وملاذات آمنة ومواقع خفية، وما له من تداخل مع تنظيمات تبدو ظاهريا بريئة ومحايدة، وأخيرا، ما حققه في بلادنا نفسها من اختراق مدروس لقطاعات مجتمعية متنوعة، وما قدمه من معونات لجياع فقدوا الأمل في العيش، وما امتلكه من سلاح متقدم وذخائر وافرة وأموال كان ينقلها بالسيارات، وما اتبعه من خطط تقوم على احتلال الثورة من داخلها، ووضع يده عليها من الباطن، وتقديم رأسها على طبق من فضة للنظام باسم الدفاع عنها وتصويب مسارها وأسلمتها، وتحت غطاء كاذب يجعل منه طرفا فيها يحق له إزاحة بقية أطرافها والقضاء عليها، وليس ما هو عليه بالفعل: طرف ينتمي إلى النظام ويخوض معركته في ظهر الثورة وعلى جبهتها الخلفية... إلخ.
ليس أمد المعركة بالأمر الذي يمكن الاستهانة به. لو نظرنا إلى العراق، حيث تعمل «داعش» بالتعاون مع أحزاب أخرى، لوضعنا يدنا على صعوبات حكومية حقيقية في التخلص منها، ولفهمنا لماذا قرر الأميركيون الخروج من بئر الإرهاب المغلقة، التي مثلها العراق، قبل أن تطبق نهائيا عليهم، ويصيبهم ما أصاب الروس في أفغانستان، وتتحول معركتهم إلى عملية تستنزف قدراتهم وتلتهم شبابهم.. في منظورهم، يعد أتباع «داعش» أنفسهم أقوياء إلى درجة يصعب معها كسرهم أو لي ذراعهم. ولعل تقدمهم السريع، بل العاصف، في
سوريا المليئة بالمسلحين والتيارات المتعسكرة والسياسية، يقدم لهم دليلا إضافيا يعزز وعيهم بقوتهم، وبكونهم حالة خاصة لا مثيل لها لدى غيرهم، سيكتب لها الانتصار في كل معركة تخوضها، وإلا ما معنى أن يقاتل الداعشيون اليوم ضد جميع تنظيمات الإسلام الجهادي وكتائب الجيش الحر في آن معا، من دون مراعاة أبسط قواعد الحرب، التي تمنع أي طرف من خوضها ضد جميع أعدائه في الوقت نفسه، خاصة إن كانوا متفوقين عليه عدديا وبالسلاح. تخوض «داعش» اليوم حرب كل شيء أو لا شيء، «النصر التام أو الموت الزؤام»، وتخوضها بمختلف أنواع الأساليب وخاصة تلك التي يرفض غيرها تبنيها لشدة ما تلحقه من أذى بالأبرياء، لاعتقادها أن معركتها لا بد أن تكسب ضد الجميع، وإلا فإنها لا تكون حاسمة ولائقة بتنظيم يسير أفراده كآلات لا تفكير أو إرادة لديها نحو عمليات انتحارية يؤمنون أنها ستضمن انتصار «داعش» وإن كان ثمنها فناءهم كأشخاص.
لن تكون معركتنا ضد الإرهاب التكفيري سهلة أو سريعة النتائج، ويرجح أن تأخذ شكل حرب استنزاف عسكرية وسياسية داخلية تطال مختلف المجموعات المسلحة، أكانت في الجيش الحر أم لم تكن. لذا، فالحاجة ماسة إلى تناسي ما بين هذه المجاميع وبين الجيش الحر والمعارضة الديمقراطية من خلاف واختلاف، ولا بد من تعاونها ضمن إطار وطني - إسلامي واسع ومقاوم، وإلا كان الفشل في مواجهة عدوينا المتحالفين رفيقنا، وفقدنا أي حظ في النجاح، وساعدنا النظام و«داعش» وقدمنا لهما الذخيرة الكافية والسلاح الفعال لقهرنا.
هذا زمن تأسيس حلف جبهوي وطني - إسلامي عصي على الوهن والاختراق، يحصن المنخرطين فيه ضد الاستفراد، والغدر، والاغتيال العسكري والسياسي الذي مارسته «داعش» ضد «أحفاد الرسول» و«عاصفة الشمال»، ويقوي روح الشعب المعنوية ويلحم صفوفه ويجعله قادرا على الترفع عن إغراءات الإرهابيين الإغاثية والمالية المسمومة، ومواليا لثورة الحرية، ويقوض أي حاضنة مجتمعية يمكن أن تمنح أرضية شعبية أو محلية لـ«داعش» أو لغيرها من منظمات الإرهاب الوافد إلى بلادنا.
لا بد من إقامة جبهة وطنية - إسلامية يعزز وجودها أمننا ويقرب انتصارنا. ولا بد من اتخاذ الخطوات العملية اللازمة لقيامها في أسرع وقت، انطلاقا من الانتصارات المهمة التي حققتها قوى المقاومة على «داعش» والنظام الأسدي المتلطي وراءها، ويشاركها اليوم هجوما مضادا واسعا تشنه لاستعادة ما فقدته من مواقع، ويتوقف كسره وإفشاله على وحدتنا في جبهة ننتمي إليها ونعززها ونخلص لبعضنا في إطارها إلى أن نهزم النظام ونطرد «دواعشه» من وطننا.
(الشرق الأوسط 15 شباط/ فبراير 2014)