غطت لي دوسيت، مراسلة هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) للشؤون الدولية عملية إجلاء الناجين من
حصار حمص أثناء الهدنة التي عقدت بين النظام والمعارضة في الشهر الماضي.
وكتبت دوسيت تصف ذلك اليوم الحزين والمأساوي في مقال بصحيفة "
الغارديان"، قائلة: "مضى 600 يوم على الحصار العقابي الذي فرضه النظام على البلدة القديمة في حمص التي دمرتها الحرب. وكان اليوم السادس في المنطقة التي قطعت قوات الحكومة الوصول إليها".
واستدركت: "لكنه كان "استراحة إنسانية" حيوية من أجل إيصال المساعدات وإخراج عدد أكبر من الناس ممن لا يمكن إخراجهم أو دفعهم للخروج بسرعة".
وتضيف: "يوم الأربعاء الماضي كانت كل دقيقة مهمة، وبعد منتصف الليلة كانت هناك حركة وأصوات في بهو فندق السفير المضاء بشكل خافت، ويقع الفندق في المناطق الآمنة التي تسيطر عليها الحكومة في مدينة حمص، وتحول الآن للمقر الميداني للأمم المتحدة، وهو مكان غير متوقع لأن يكون مركز نشاط لتطبيق الهدنة المؤقتة في المدينة التي شهدت أكثر المواجهات وحشية في الحرب السورية".
وتشير الكاتبة إلى حضور ديب زيتون، مسؤول المخابرات السوري، ورجل الأسد الذي جاء من دمشق، كي يتأكد من أن لا خطأ حدث في هذا اليوم من العمليات. وذهب مباشرة للتفاوض مع منسق الشؤون الإنسانية المقيم والتابع للأمم المتحدة، يعقوب الحلو ومحافظ حمص طلال البرزي.
وأوضحت أنه "على بعد أميال في المدينة القديمة كان قادة المعارضة على اتصال بالهاتف وعبر سكايب من خنادقهم، مع الأمم المتحدة وكانوا يتحدثون من أرض خراب لم يبق فيها بناء على حاله، وبعد 18 شهرا من المعركة الوحشية. وفي العواصم البعيدة كان الكثيرون يراقبون إن كان هذا الاتفاق سيخرج المحتاجين بشدة من البلدة القديمة أم أنه الأقوياء سيخربونه". و"كل العالم يراقبنا"، أخبرني الحلو وهو من السودان.
وتستدرك بأن منسق الأمم المتحدة الذي خدم في أكثر من محور حرب في العالم أضاف: "كلما طال أمد هذه المهمة كلما أصبحت أكثر حساسية"، وقال إنه لم ير وضعا مثل الوضع الحالي في البلدة القديمة.
وتابعت بأنه "نظر الكثيرون للأسبوع الماضي بحفاوة وكبارقة أمل في وسط ظلام الحرب المدمرة، وبحلول الأربعاء استطاع 1200 شخص الهروب من البلدة القديمة التي كانت حافلة بالحياة ويحبها السوريون نظرا لمقاهيها التي ترحب بالزوار والجو التاريخي في أزقتها، وأصبحت الآن ملجأ محرماـ بدون كهرباء ولا ماء والطعام فيها نادر. أما المستشفى الوحيد العامل فيها فأصبح يعرف بالمكان الذي تموت فيه".
وتتحدث دوسيت عن الاتفاق الذي حققته الأمم المتحدة لإنقاذ النساء والأطفال والكبار في العمر، أما بالنسبة للرجال من فوق سن الـ 15 وتحت سنة الـ 55 إرسال أسمائهم أولا. وبحسب مسؤول: "لقد تم إخبارهم أنه في حالة وصول أسمائهم وفحصها فسيتم إخبارهم إن كانوا على القائمة أم لا في غضون ست ساعات".
وتكتب عن هذا اليوم الذي خرج فيه أول سوري واخترق المنطقة الحرام المقفرة بين قوات الحكومة والمقاتلين، حيث تعرضت مواقع الحكومة والمقاتلين لرصاص القناصة. وفي اليوم الثالث من العملية تم نقل المئات من المواطنين في البلدة إلى مكان آمن باستخدام سيارات الأمم المتحدة البيضاء.
و"كان اليوم التالي يوما تميز باليأس والتدافع، حيث اندفع المواطنون تجاه القافلة يجرون حقائبهم وحاجياتهم الضرورية، وبعدها تقدموا بحس من العصبية بين صفي العربات المصفحة".
ولكن اليوم الثاني من هذه الهدنة، بحسب توصيف الكاتبة، كان أكثر درامية، ففي ذلك السبت "استطاع عمال الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري النجاة بأعجوبة من داخل البلدة القديمة، فقد سقطت قنابل الهاون في منتصف اليوم عندما تقدمت القاقلة لمناطق المقاتلين. وعند الغروب عندما وصلت القوافل نقطة التوزيع الرئيسة قتلت صواريخ شخصين وجرحت العديدين، وبعد ذلك أوقفت قنابل الهاون وتبادل إطلاق النار فريق المساعدة لساعات".
وتشير الصحافية قائلة: "أكدت مصادر أن هذه الهجمات هي من قامت بها ميليشيات مسلحة معروفة باسم قوات الدفاع الشعبي التي كانت مصممة على ما يبدو على تخريب الاتفاق الذي رأت فيه محاولة لإطعام وتحرير أعدائهم". ويقول خالد العرقسوسي، مدير الهلال الأحمر السوري: "كل الشياطين في هذه الأزمة دائما ما يحاولون تعويق عملنا".
وتقول: "في هذه الحرب لا يوجد ملائكة، فقط أناس طيبون في وضع سيئ" على طرفي الانقسام الذي يريد كل واحد استمراره.
وتبدو عملية إيصال المساعدات لداخل المدينة القديمة صعبة واحتاجت لجهود لوجيستية واستشارات رجال أمن، ورجال دين مسيحيين بلباسهم الأسود، وعمال إغاثة. وتقول إن هناك شائعات انتشرت عن غضب جماعة مقاتلة داخل البلدة عن عدم استشارتها في الهدنة، ولهذا كانت مصممة على منع السكان من الخروج.
وفي نهاية اليوم حيث بدأت الشمس تختفي في السماء الحالكةـ عادت العربات والحافلات محملة بالجرحى والناس المنهكين ممن عاشوا حصار عامين تقريبا". وعندما فتحت أبواب الحافلات، نزل عدد من الشبان يحاولون الابتعاد عن الأنظار وأسرعوا لغرقة الطعام، وكان الجنود وافقين قريبا يتواثبون من أجل إلقاء نظرة على هؤلاء الذين حاربوهم".
ولكن البرزي، قال عبر الميكرفون: "هذه المنطقة للأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري، أي رجل بالزي العسكري عليه المغادرة".
وأشارت إلى أن "عددا قليلا من الأطفال ممن فقدت عيونهم بريقها منذ زمن قادتهم أمهاتهم القلقات بعيدا".
وفي داخل قاعة الطعام بثرياتها المتلألئة جلس الرجال الشباب والنساء في صف، حيث تناولوا أول وجبة طعام جيدة منذ زمن طويل "كانت حياة صعبة جدا جدا وبائسة"، قال رجل. وأضاف: "كنا نعيش على الأعشاب التي نغليها بالماء".
وزادت أنه، حتى عندما اقتربنا من شاب على الطاولة، وكان رجل الأمن بالزي المدني يحاول تلقط ما يدور بيننا قال الشاب: "أنا خائف من المستقبل، فقد بقيت في داخل البلدة القديمة ولم أنه الخدمة العسكرية. وعندما انفجرت بالونات أحضرت لإضفاء جو من المرح على الأطفال صرخوا "الله أكبر"، مثلما كانوا يفعلون عندما تنفجر الصواريخ قرب بيوتهم. بعد كل هذا، فإن هناك أكثر من 2000 شخص لا يزالون عالقين في البلدة القديمة.