رحلة الهروب من منطقة القلمون السورية، حيث تحتدم المعارك بين القوات الحكومية ومسلحي المعارضة الى بلدة عرسال شرق
لبنان، عبر الطرق الوعرة في سلسلة جبال لبنان الشرقية، ستبقى حيّة في ذاكرة آلاف
اللاجئين الجدد إلى عرسال، فـ "الطريق أصعب من تلك التي قد نسلكها بطلب ملك الموت عزرائيل لنا" كما روى أبو عبدالله اللاجىء الستيني من قرية السحل مع أفراد عائلته الـ18.
أما أم آدم، المرأة العشرينية التي ترملت مؤخرا، ونزحت وأولادها الخمسة وحماتها من قرية السحل أيضا، خانتها دمعتها بعد أن حاولت الحفاظ على رباطة جأشها طوال الأيام الماضية خلال ما وصفته برحلة "العذاب والذل" إلى لبنان، عند الحديث عن عدم قدرتها على تأمين الدفء لأولادها.
هي قررت أنّه قد حان وقت ترك أرضها ومنزلها بعدما بدأت الطائرات التابعة لحكومة الأسد قصف بلدتها السحل الحدودية المقابلة لعرسال اللبنانية بالبراميل المتفجرة.
غادرت مع عائلتها الصغيرة قبل 7 أيام سيرا على الأقدام عبر الممرات الوعرة قبل أن يقلهم عدد آخر من النازحين الفارين في شاحنة إلى مخيم البابين، شمال عرسال.
تنتظر أم آدم وعشرات سواها أن ينتهي العمل بالخيم التي سيسكنون فيها بعدما تخطى عدد اللاجئين الجدد في عرسال الـ20 ألفا، لينضموا الى 65 ألفا آخرين لجأوا الى البلدة تباعا منذ اندلاع الأزمة السورية في آذار /مارس 2011.
ومع انطلاق العمليات العسكرية للجيش السوري في منطقة القلمون قبل شهرين واستعادته لعدد من القرى كقارة ودير عطية والنبك، احصت بلدية عرسال تدفق أربعة آلاف عائلة سورية باتجاه البلدة.
وسجل نزوح جماعي قبل أسبوع من قرى القلمون المتبقية لا سيما يبرود والسحل، وفليطة وجراجير، بعد بدء المرحلة الثانية من المعركة في كبرى قرى القلمون في مدينة "يبرود".
ويتوزع اللاجئون القادمون من القلمون الى عرسال على ثلاث تجمعات اساسية هي: المخيمات المنتشرة وسط البلدة ومنازل عائلات عرسال، وفي مخيمات تم انشاؤها حديثا في منطقة وادي حميد على الأطراف الشمالية للبلدة، وفي منطقة جردية على الحدود مباشرة حيث لا يزال القسم الاكبر منهم عالقا هناك، والمحظوظ منهم استحوذ على غرف زراعية (مبنية من الطوب اللبن)، أما الباقون فيبيتون في سياراتهم وحافلاتهم بانتظار تسجيل أسمائهم لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
ودخلت وزارة الشؤون الاجتماعية مؤخرا إلى عرسال، ويقوم مندوبوها ومنذ 9 أيام بمحاولات لايصال المساعدات للاجئين المتمركزين على الحدود.
وأشار المسؤول في وزارة الشؤون الاجتماعية حسين سالم إلى أن الوزارة تقوم بالتعاون مع المفوضية العليا لللاجئين والمؤسسات الاهلية بايصال المساعدات الى اللاجئين في المنطقة الحدودية والتجمعات في منطقة وادي حميد، وهي مناطق تقع خارج نطاق عمل المفوضية والجيش، لافتا إلى أن أنّه يتم انشاء مخيمات على أطراف البلدة بسبب عدم وجود مساحات كافية لاستيعابهم داخلها.
ورافق سالم فريق "الاناضول" الى مخيم تم استحداثه مؤخرا للاجئين الجدد في وادي حميد يضم خمسين خيمة تأوي خمسين عائلة نازحة من قرى القلمون.
وتتوزع الخيم على منطقة ضيقة دون امدادات كهربائية او مياه ودون تدفئة.
ويقول أبو محمد الثلاثيني الذي وصل قبل اسبوع قادما من قرية فليطة، أقرب قرى القلمون إلى عرسال، انه بحاجة لحذاء ووسائل تدفئة له ولافراد عائلته العشرة.
ويصف ابو محمد طريق العبور عبر السلسلة الشرقية للبنان بـ"السهلة" نظرا لقرب قرية فليطة من عرسال، وهو سبب اضافي دفع اغلب اهالي القرية للمغادرة خوفا من قصف القوات الحكومية للمنطقة.
وفي منطقة "البابين" شمال عرسال، مخيم آخر استحدثه "اتحاد المؤسسات الاغاثية والتنموية"، يضم مئة خيمة لا يزال بعضها قيد الانشاء، وهو يواجه مخيما اقامته مفوضية اللاجئين قبل اشهر ويتضمن سبعين خيمة.
ويستعين الاتحاد بالعمال السوريين لبناء الخيم التي تجمع في بنيانها بين الباطون والشوادر.
ويساعد أفراد العائلات السورية النازحة العمال في مهماتهم بمحاولة لانجاز العمل بأسرع وقت ممكن.
ويتولى الرجال والفتيان نقل احجار البناء والهياكل الحديدية، في حين تتولى النسوة والفتيات غسل الملابس في الاواني البلاستيكية والاهتمام بالاطفال.
واستقدم المشرفون على المخيم جرافتين لتسوية الارض تمهيدا لاقامة خيم اضافية، واخرى تتولى انشاء حفر صحية لاستحداث حمامات.
وفي حين رفض عدد كبير من اللاجئين التحدث أمام الكاميرا، قبل البعض بالحديث لكن بأسماء وهمية خوفا من ملاحقتهم في حال عادوا الى
سوريا، وذلك للتعبير عن سخطهم لنقص المساعدات لا سيما وسائل التدفئة.
ويقول أبو عبدالله الذي غادر قرية السحل قبل اسبوع أنّه يعاني من البرد الشديد، "ولا نستفيد من الأدوية التي قدمتها الينا المؤسسات الاغاثية كونها غير مفيدة؛ لأن المرض لا يفارقنا بسبب البرد الشديد".
في وسط عرسال، تكتظ الساحة الرئيسية للبلدة ومبنى البلدية باللاجئين السوريين الذين يستفسرون عن كيفية تسجيل اسمائهم لدى مفوضية اللاجئين.
ويقول نائب رئيس البلدية احمد الفليطي ان عدد اللاجئين السوريين بلغ ثلاثة اضعاف عدد السكان الأصليين للبلدة، مشيرا الى ان "التضامن الاجتماعي ودعم الثورة دفعا اهالي عرسال لاستقبال اللاجئين".
وناشد الفليطي في حديث مع "الأناضول" جميع المنظمات والهيئات دعم اللاجئين الذين تستضيف بلدة عرسال القسم الاكبر منهم بعد تسجيل مفوضية الامم المتحدة تواجد 929 لاجئا في لبنان، في وقت تقدر السلطات اللبنانية عددهم الاجمالي بمليون و 200 الف.
وتستغرق الرحلة من العاصمة بيروت الى عرسال قرابة الساعتين، ويقيم الجيش اللبناني حاجزا ثابتا عند مدخل القرية، اضافة الى حاجز "طيار"، غير ثابت، لمخابرات الجيش اللبناني بحيث يخضع عناصرها كافة السيارات الداخلة والخارجة لتفتيش دقيق.
وقد زادت الاجراءات الأمنية في المنطقة بعدما ضبط الجيش الاسبوع الماضي سيارة مفخخة كانت تتجه من يبرود في سوريا إلى داخل الأراضي اللبنانية ثم بيروت، وبداخلها 3 نساء من بلدة عرسال، على أن يتم تسليمها الى "انتحاريين مفترضين".