بعد الربيع العربي صار سهلا تصنيف الناس مع الإسلاميين أم ضدهم، وتحت دخان الاستقطاب يمكن ممارسة كل الرذائل؛ سواء كانت انقلابا ام مجازر واعتقالات بما فيها النساء والأطفال. وفي الواقع فإن الاستقطاب بحد ذاته مفتعل إلى درجة كبيرة، والقصد منه أن تضيع الديمقراطية بين الرِّجلين.
مقاومة الاستقطاب جزء من مقاومة
الانقلاب ، والدفاع عن الديموقراطية. وقد جاء انقلاب
ليبيا الأخير ليكشف أن المستهدف هو الديمقراطية ليس غير. فالإسلاميون في ليبيا قوة معتبرة لكنهم لا يشكلون أكثرية لا في المؤتمر العام ولا في مؤسسات الدولة، على العكس خصومهم من ليبراليين وعشائريين وفلول هم الأكثرية، ويحظون برعاية إقليمية ودولية.
مع ذلك فإن وجود عملية سياسية ديمقراطية يشكل تهديدا مستقبليا لقوى الثورة المضادة. بحسب الكاتب المخضرم ديفيد هيرست في هفنجنتون بوست فإن بداية الانقلاب تعود الى قبل أسابيع قليلة، بدأت الأرضية لذلك تمهَّد من خلال مقابلات أجراها التلفزيون المصري مع ضابط الجيش المخضرم الفريق خليفة
حفتر، ومع محمود جبريل الذي شغل منصب رئيس الوزراء الانتقالي لمدة سبعة أشهر ونصف الشهر والذي كان في يوم من الأيام وزير التخطيط في نظام العقيد معمر القذافي.
وكان جبريل ينتقد بمرارة قانون العزل السياسي الذي أقره البرلمان في ليبيا والذي تقرر بموجبه حرمان مسؤولي النظام السابق من أمثاله من شغل مناصب حكومية في العهد الجديد.
وبالفعل في الأسبوع الماضي، أعلن حفتر في شريط فيديو مسجل بأن القيادة القومية للجيش الليبي أعلنت عن انطلاق حركة جديدة لخريطة طريق. بدا كما لو أن أماني البعض في طريقها للتحقق لولا الموقف الصارم والساخط من قبل البرلماني الليبي الذي أعلن عن إجراء انتخابات تشريعية جديدة في الربيع.
ظن مخططو الانقلاب بأنهم قادرون على استغلال مناسبة الذكرى الثالثة لإسقاط نظام معمر القذافي لصالحهم. هذا ما حصل في مصر، فلماذا لا يتحقق في ليبيا؟
نجح الانقلاب "فضائيا" من خلال تبني قنوات خليجية له، على الأرض خذل شعبيا وعسكريا، على الأرض لم نشهد تحركا مثل 30 يونيو ولا مخرجا كخالد يوسف، عسكريا كانت غرفة ثوار ليبيا بالمرصاد وطاردت الانقلابيين.
ما نجح فيه الانقلاب أنه عرّى كثيرا من القوى التي تواطأت مع الانقلاب ، وليس ثمة ذريعة إسلاميين أو غيرهم. فجريمة الانقلاب الفاشل طويت سريعا ، كأنها مناورة لانقلاب قادم.
الموقف الأخلاقي ان تكون ضد الانقلاب ومع الديمقراطية بمعزل عن الهوية السياسية للانقلابيين، سواء كان السيسي ام حفتر أم "الإسلامي" عمر البشير!