ستواجه المشير عبد الفتاح السيسي العديد من المشاكل إن تولى حكم
مصر بعد الانتخابات التي ستجري قريبا، ليس أقلها الاقتصاد ومواجهة الاحتجاجات اليومية والعنف المستمر في شبه جزيرة سيناء.
ولعل غياب
الطاقة الذي رافق الأيام الأخيرة من حكم الرئيس المنتخب محمد
مرسي ستلاحق الرجل الذي أطاح به؛ فحسب تحليل في مجلة "فورين بوليسي" كتبه كيث جونسون، فالطاقة لا
الإرهاب هو ما سيؤدي لهزيمة وفشل "الرجل القوي" السيسي.
ويرى الكاتب أن من بين الكثير من المشاكل التي تواجه مصر اليوم، وهي كثيرة، يظل تراجع حظوظ مصر من الطاقة التي تعاني منها في الأعوام القليلة الماضية هو الأهم، وستتحول لصداع يؤرق بال السيسي.
فقبل "الربيع العربي"، اعتمدت مصر على احتياطها من الغاز الطبيعي الذي يعتبر الثالث في القارة الإفريقية، وحولته لمصدر دخل وربح جيد حيث كانت تبيعه أوروبا ودول آسيا، وصدرته عبر الأنابيب للدول الجارة بمن فيها الأردن و"إسرائيل".
وكان لدى مصر طموحات لتطوير صناعة الغاز الطبيعي لمناطق أوسع في البحر. وكانت توسع من من قدرة شبكتها الكهربائية الصدئة، معتمدة على منشآت الطاقة التي تعمل على الغاز الطبيعي.
واليوم وبعد ثلاثة أعوام، تبحث مصر عن طرق لاستيراد الغاز كي تكون قادرة على توفير الطلبات المحلية للطاقة. فقد تراجع تصدير الغاز المصري بشكل كبير، فمنذ عام 2012 أُغلقت محطتان يتم من خلالها نقل الغاز الطبيعي المسال لجنوب أوروبا، اما الباقي فتئن من المطالب المحلية التي تجعل من الصعوبة بمكان تصدير جزء منها للخارج.
وعن الطريقة التي تغيرت فيها حظوظ مصر، وتراجعت سيطرتها على صناعة الغاز، يشير الكاتب هنا للتقارير التي كشفت عن مفاوضات إسرائيلية- مصرية لشراء الغاز من "إسرائيل".
ويرى الكاتب أن التراجع المفاجئ في وضع الغاز المصري، جاء نتاجا للسياسات الاقتصادية غير المستدامة مثل بيع الغاز بأسعار مدعومة للمواطنين؛ وهو ما أدى إلى نمو كبير لاستهلاك الغاز.
ويعتبر هذا الوضع من أهم مظاهر القلق حول السيسي وقدرته على إدارة التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد.
ويضيف جونسون أن أزمة الطاقة تهدد قطاع انتاج الطاقة الكهربائية، فضلا عن جزء كبير من الصناعة المصرية. وتتوقع مجلة "تايم" الأمريكية أن تبلغ نسبة النمو الاقتصادي في مصر بـ2.8% التي تعتبر الأقل في المنطقة؛ مما سيخفض نسب البطالة.
ولا يستبعد التقرير تكرار سيناريو مثل ذلك الذي الأيام الأخيرة من حكم مبارك عام 2011 ومشاكل مرسي في عام 2013.
وينقل عن الخبير في شؤون مصر، بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي "النتيجة المحتومة هو نقص في الطاقة، والضغوط الاجتماعية التي تصاحب عمليات قطع الكهرباء ونقص غاز الطبخ والوقود".
ويضيف كوك: "سيواجه السيسي هذه المشاكل الاقتصادية الخطيرة، وإلا فإنه سيواجه الشعب في الشارع الذي يطالب بالتغيير، ولن يكون فقط الإخوان المسلمون" هم الذين واجهوا هذا السيناريو.
وعن الطريقة التي تراجع فيها انتاج الغاز المصري، يشير التقرير إلى أن مصر صدرت في عام 2009 نحو 647 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي، معظمه من الغاز المسال؛ لإرضاء حاجة السوق الأوروبية، وباعت الغاز عبر الأنابيب لكل من الأردن و"إسرائيل".
وبحلول عام 2012، تراجع تصدير الغاز المصري إلى النصف، أو إلى 256 مليار قدم مكعب. أما أنابيب الغاز فقد انخفضت لعُشر قدرتها في فترة الذروة. وتواصلت أرقام الصادرات بالهبوط في عام 2013، وأظهرت تراجعا بنسبة 50% في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر.
ولا يقتصر الأثر في تراجع تصدير الغاز على مصر وميزانيتها، بل على شركات الاستثمار، فقد راقبت شركة الغاز الإسبانية "فينوسا" التي كانت تستورد الغاز من المسال قبل عقد من الزمان، يتراجع التصدير خلال عام 2012، إضافة إلى شركة الغاز البريطاني "بي بي" التي خفضت أرصدتها بـ1.2 مليار دولار لعملياتها المصرية؛ لأن الغاز الطبيعي تم تحويله من التصدير للاستهلاك المحلي.
وحذرت الشركة المستثمرين من أنها لا تعرف كم من الغاز المصري سيتم تصديره، هذا إن بقي شيء للتصدير. واضطرت الدول المستهلكة للغاز المصري مثل الهند واليابان إلى البحث عن مصادر بديلة للاستيراد منها.
ما هي الأسباب
يتساءل الكاتب عن أسباب تراجع انتاج الغاز المصري، ويقول: "تراجع انتاج الغاز في فترة السنوات الماضية، لكنه مسؤول جزئيا عن الأزمة، والأهم من كل هذا هو الزيادة في الاستهلاك المحلي للغاز الطبيعي الذي زاد بنسبة 25% ما بين 2009-2012 وتضاعف بالضرورة منذ العقد الماضي".
ومن هنا فالزيادة المحلية تعني غازا أقل للتصدير، مع أن الغاز المصدر للسوق الآسيوي والأوروبي تقدر عوائده بالمليارات، مقارنة مع الغاز المستهلك محليا الذي يباع بأسعار رخيصة.
ويرى التقرير أن الطلب يزداد بسرعة؛ لأن مصر مثل بقية دول الشرق الأوسط تدعم أسعار الطاقة، بما في ذلك الوقود للنقل العام والغاز الطبيعي لتوليد الطاقة.
ويشكل الدعم للطاقة نحو 10% من الدخل القومي حسب أرقام الميزانيات الأخيرة. وبالنسبة لأسعار الغاز تحديدا، فقد ظلت منخفضة للاستخدام الصناعي، وكذا للطاقة المستخدمة في البيوت.
وتحاول الحكومة المصرية التصدي لأسعار الطاقة ودعمها في محاولة منها لتخفيض العجز في الميزانية التي وصلت 14% من الدخل القومي.
وكانت مصر زادت من أسعار الطاقة التي تستخدمها المصانع الكبيرة مثل الإسمنت، لكنها لم تؤثر في ثمن الغاز المستخدم في مولدات الطاقة التي تعتبر المصدر الأكبر للاستخدام المحلي.
وبدأت مصر هذا العام بدعم من البنك الدولي العمل خطة شاملة لإصلاح تسعيرة الطاقة، لكن الخبراء يقولون إن البلد سيكون تحت ضغط كبير من أجل رفع الدعم عن أسعار الطاقة؛ حتى يكون قادرا على تخفيف الضغط على الميزانية المصرية.
ويختم بالقول: "إن زيادة أسعار ستؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار، لكن إنفاق المليارلات من أجل دعم الطاقة سيفاقم من العجز في الميزانية، وسيحرم البلد من مداخيل مهمة لتصدير الغاز".
وبحسب تقرير للشركة العربية للاستثمارات البترولية "ابيكورب"، فإن "مصر في محاولتها لتصحيح بنية سوق الطاقة ومشاكله، وجدت نفسها بين المطرقة والسندان".
وتطمح مصر إلى أن تخرج من أزمة الطاقة سريعا من خلال تعزيز قدراتها الإنتاجية والتصدير واحيتاطها من الغاز، خاصة بعد اعلان شركة "بي بي" البريطانية عن اكتشاف حقول جديدة، لكن زيادة الاستهلاك المحلي يقتضي إقناع شركات الطاقة الدولية للاستثمار، وهو أمر يبدو صعبا بسبب حالة عدم الاستقرار، وشروط العقود غير المشجعة للتنقيب عن الغاز، وحقيقة أن مصر تملك من شركات الطاقة الاجنبية ستة مليارات دولار. ومن هنا فزيادة الاستهلاك المحلي وتراجع مداخيل التصدير لن يزيد إلا من المشاكل المالية.
وفي الوقت الحالي تحاول الحكومة سد الثغرة في احتياجات السوق المحلي؛ من خلال الاستيراد وهو تراجع عكسي من مزود لمستورد، ولكن هذه السياسة تحمل مشكلتين كبيرتين؛ فالحكومة لا تستطيع بناء محطة لاستقبال الغاز المسال، كما أن اسعار الغاز المستورد أغلى.
ويبدو أن العقد مع شركة نرويجية لبناء محطة عائمة لاستقبال الغاز المسال متوقفة، وتعثرت آمال الحكومة المصرية في استقبال الغاز المسال بحلول الصيف حيث يرتفع الطلب المحلي، ومن أجل الحصول عليه يجب أن تدفع سعر السوق الذي يعتبر أعلى.
وتعتبر هذه أخبار سيئة للشركات المصرية التي تعتمد على الغاز لتوليد الطاقة مثل شركات الإسمنت التي تأثرت في العام الماضي؛ بسبب تراجع الإمدادات في الغاز. وتقول مجموعة لافراج -التي تعتبر أكبر منتج للإسمنت- إن الإنتاج تراجع بشكل كبير في العام الماضي، والأمور تسير نحو الأسوأ.
وفي النهاية يقول التقرير: "في الوقت الذي تأتي فيه الأخبار السيئة للاقتصاد خاصة من تراجع مداخيل السياحة؛ بسبب الاضطرابات والإرهاب، فخطر مباشر وأكبر للحكومة المصرية قد يأتي من قطاع توليد الطاقة الكهربائية".
"ومع ان انقطاع التيار الكهربائي ظاهرة تحدث وقت الصيف؛ لأن زيادة حرارة الجو عادة ما تؤدي إلى زيادة الطلب على الكهرباء، لكنها الآن أصبحت ظاهرة عامة حتى في الشتاء، وهذا يعود لنقص إمدادات الكهرباء".
ولاحظ إريك تريغر وجيلاد وينيغ في "فورين أفيرز" فـ"طوابير الغاز الطويلة والانقطاع الدائم في الكهرباء التي حصلت في عهد مرسي قد تعود للسيسي؛ مما ستؤدي إلى حالة هيجان الرأي العام، وتوسيع الاحتجاجات".