منحت السلطات الإسبانية أحفاد اليهود الذين طردوا قبل 500 عام حق العودة والتجنس. وتتساءل صحيفة "الغارديان" إن كان أحفاد مسلمي
الأندلس سيسمح لهم بحق العودة أيضا.
وتبدأ كاتبة التقرير أشيفا قسام مقالها بوصف مدينة توليدو، وهي المدينة الجبلية الصغيرة التي تشرف على نهر تاغوس. وتقول إن على شوارعها الضيقة المرصوفة بالحجارة، أبنية كانت تحوي مساجد وكنائس وكنسا؛ وهو ما يشير إلى أن هذه المدينة كانت موطنا لأناس من ثقافات مختلفة.
وتحاول الحكومة الإسبانية الآن إعادة الروابط مع إحدى تلك الثقافات عن طريق قانون مقترح، يسمح بعودة أحفاد اليهود الذين طردوا من إسبانيا (يهود السفارديم) قبل خمسة قرون.
ويقول مشروع القانون إن الحكومة الإسبانية تريد "تصحيح خطأ تاريخي"، وما يزال القانون بحاجة إلى موافقة البرلمان عليه، ومع هذا فقد ورد سيل من الاستفسارات للقنصلية الإسبانية في "تل أبيب" والقدس لطلب معلومات، فهناك ما يقدر بنحو 3.5 ملايين يهودي سفارديم في أنحاء العالم.
وتشير الكاتبة إلى أن أحفاد طائفة شكلت جزءا من تاريخ إسبانيا المتعدد الثقافات قبل أن تطرد، ومن العدل أن تُمنح حق العودة نفسه. "فبعد
طرد سكان إسبانيا لليهود بفترة قصيرة، تحول اهتمام الملكة إيزابيلا والملك فرديناند نحو المسلمين؛ بالضغط عليهم للتحول إلى المسيحية أو الطرد. ومَنْ تحول منهم (وهم مَن يُعرف بالمورسكيين أو العرب المَواركة)، عادة ما كان تحولهم اسميا، وبقوا يحافظون على عاداتهم وتقاليديهم.
ففي بداية القرن السابع عشر، وبعد 120 سنة من طرد اليهود من إسبانيا، طُرد المورسكيون الذين يقدر عددهم بـ275000 شخص حيث استقر معظمهم في المغرب والجزائر وتونس.
وأرسلت مجموعة تمثل
المورسكيين في المغرب رسالة إلى الملك خوان كارلوس قبل فترة، تطالب إسبانيا بنفس الخطوة تجاه أحفاد المسلمين.
وانتقد رئيس "جمعية ذاكرة الأندلسيين" في الرباط نجيب لوبارس ازدواج المعايير الإسبانية بعرضها العودة على أحفاد اليهود المطرودين من إسبانيا، وعدم عرض هذه العودة على أحفاد المسلمين المطرودين.
وقال لوكالة الأخبار الإسبانية إن الحكومة "يجب أن تمنح حق العودة لكل من طرد، وإلا سيكون حقا انتقائيا، بالإضافة إلى كونه عنصريا".
وأضاف لوبارس أن عرض الحكومة الإسبانية على اليهود "ايجابي جدا"، وفيه اعتراف ضمني "بذنب طرد الدولة الإسبانية لمواطنيها".
وقال أيضا إن هناك نحو 600 عائلة في المغرب يستطيعون العودة بأصولهم إلى إسبانيا، ولكن معظمهم لا يستطيعون تحدث الإسبانية القشتالية، مستدركا بأن ارتباطهم بإسبانيا واضح في الموسيقى والفن المعماري ومأكولاتهم.
وفي إسبانيا يؤكد المجلس الإسلامي الروابط القوية التي تربط بين إسبانيا والمسلمين المطرودين. ويقول محمد إسكوديرو عريبي إن هناك عائلات في مختلف أنحاء إسبانيا "تستطيع أن تثبت روابطها العائلية، وأن تبرهن أن أقاربها طردوا قبل مئات السنين".
وأضاف أنه سواء كانت المواطنة لأحفاد اليهود أم لأحفاد المسلمين، فإن "السبب والخلفية التاريخية هي نفسها، وبناء عليه نريد هذا الحق أن يكون شاملا، ومن ناحية قانونية مطلبنا عادل".
وحاولت منظمته أن تضغط على الحكومة الإسبانية بأن توطن أحفاد المسلمين الذين طردوا من إسبانيا، وفي عام 2006 تقدم حزب يساري في إقليم الأندلس بمشروع قانون يعترف بحقوق المسلمين الذين طردوا، ولكن المشروع لم يصل إلى مرحلة التصويت، ويعلق إسكوديرو عريبي قائلا: "لا يبدو أن الحكومة تتفق معنا في الموقف".
ويعلق أستاذ القانون في جامعة قرطبة أنتونيو راموس قائلا إن الدفع في قضية المواطنة جزء من حملة أضخم، تهدف إلى رفع مستوى الوعي بالتأثير الإسلامي في إسبانيا. ويضيف: "نحن المكان الوحيد في أوروبا الذي انفصل عن تاريخه".
ويقول إن حق العودة للمسلمين ذوي الأصول الإسبانية سيكون "رمزيا أكثر منه عمليا"، فأكثر اليهود السفارديم سيتمكنون من تقديم إثبات عن طريق اسم العائلة أو اللغة أو عن طريق شهادات من المؤسسات اليهودية في
اسبانيا، وأن توضع نفس المعايير بالنسبة للمسلمين سيكون أمرا شبه مستحيل، "ولكن هذه اللفتة ستساعد كثيرا على إصلاح قرون من النسيان".
ومنذ أن أعلنت الحكومة الإسبانية مشروع القانون، نال الموضوع حظا وافرا من التغطية في الصحافة العالمية، وجعل الصحفيين يتساءلون: "ما الذي دفع الحكومة الإسبانية إلى هذه الخطوة تجاه اليهود السفارديم؟"، فكتب مايكل فروند في "جيروساليم بوست" معلقا بأن القرار "ساخر بامتياز"، ويشرح وجه السخرية قائلا: "إن الطرد حصل جزئيا؛ لأن إسبانيا أرادت وضع يدها على أملاك اليهود، والآن هم يستقبلون اليهود العائدين لنفس السبب".
أما آخرون مثل البرلماني البرتغالي خوسيه ريبيرو كاسترو الذي قدم مسودة قانون شبيه يسمح بعودة اليهود للبرتغال، فقال للوكالة اليهودية التلغرافية إن طرد اليهود وطرد المسلمين كانا أمرين مختلفين، موضحا "أن اضطهاد اليهود كان اضطهادا دون مبرر، أما ما حصل للعرب فكان جزءا من صراع".
أما أنتونيو راموس فيقول إن مئات آلاف المسلمين الذين غادروا اسبانيا في بداية القرن السابع عشر، لا يمكن أن يكونوا هم المسلمون الوحيدون في إسبانيا، بل إن الأكثرية بقيت وصنعت الثقافة الإسبانية.
ويضيف أن توسيع حق العودة ليشمل المسلمين، سيسلط ضوءا على حقيقة يفضل أغلبية الإسبان تجاهلها، "الخطورة في الموضوع هو أن علينا أن نعترف بأن أغلبية الشعب الإسباني متحدر من المسلمين، فمنعهم هو محاولة لإخفاء تاريخنا واخفاء ذاكرتنا".