بناء على المتغيرات السياسية التي أفرزتها المرحلة الانتقالية في
اليمن، فقد ظهرت ملامح تشكل تحالفات جديدة بين قوى ومكونات سياسية التقت مصالحها وأهدافها في هذه الفترة.
ولعل تقارب بعض القوى من الأخرى، يمكن تصنيفه ضمن الصراع السياسي الذي يكاد يكون العنوان الأبرز في المشهد السياسي اليمني.
ومع ظهور قوى جديدة على الساحة السياسية في اليمن، التي أدت بدورها إلى انكماش في خارطة تحالف القوى التقليدية التي ظلت مستحوذة على المشهد السياسي في السابق، وجدت تلك القوى التقليدية نفسها أمام واقع جديد فرض عليها إعادة النظر في ارتباطاتها السياسية.
وبات المشهد السياسي في اليمن يّمرُ بالكثير من التفاعلات والمتغيرات التي أفرزتها طبيعة الأحداث في الفترة الماضية، وكذا ظروف العملية الانتقالية في المرحلة الراهنة.
وغدا المجال السياسي، في يمن ما بعد ثورة 11 شباط/ فبراير 2011، محل تنازع عدة قوى ومكونات سياسية يسعى جميعها لإعادة رسم
خارطة التحالفات السياسية والحزبية والقبلية، بما يمكنها من تسجيل حضور إيجابي تمارس من خلاله أدوارا مستقبلية في النظام السياسي الجديد طور التشكل.
وساعدت ديناميات الصراع السياسي على أن تُعيد كثير من القوى والمكونات السياسية تشكيل محاور تحالفاتها، وصلت في أحيان كثيرة منها إلى الدخول في مواجهات مسلحة على الأرض لتقويض نفوذ خصومها، للحيلولة دون استفادة بعض القوى من نتائج التسوية السياسية التي تضعفهم ـــ كما يعتقدون ــ وتقوي خصومهم التقليديين.
وبات واضحاً أن
الحوثيين يحثون خطاهم نحو إيجاد مساحة من الترابط مع الحراك الجنوبي، على الرغم من تعارضهم الأيديولوجي، لكن الظرفية السياسية اقتضت ذلك التوجه من كلا الطرفين.
ويتقاسم الحوثيون والحراك الجنوبي ظلم النظام السابق الذي شن ما بين 2004 و2009 ست حروب ضد جماعة الحوثي في صعدة. وفي المقابل يرى الحراك الجنوبي أن حرب صيف 1994 تحت مبرر الحفاظ على الوحدة مع الشمال، كانت ظالمة، وصار الجنوب عرضة للنهب والسلب من قبل قوى نافذة في الشمال.
وعلى ضوء تلك المعطيات، سارع ممثلو الحوثي "أنصار الله " في الحوار الوطني إلى مساندة الحراك الجنوبي في كل التحركات السياسية التي كان يقوم بها ممثلو الحراك داخل مؤتمر الحوار الوطني المنتهي.
وفي هذا السياق يرى الكاتب والمحلل السياسي عبدالله عامر أن "هناك تقاربا في المواقف بين "أنصار الله" (الحوثيين) والحراك الجنوبي، وهذا يُمكن تفسيره في نضال الطرفين ضد النظام السابق، وضد مراكز القوى التقليدية، ناهيك عن ما تعرضا له من مظالم. وهذا ما جعلهما قوتين جديدتين تتحالفان في مؤتمر الحوار".
ولفت عامر إلى وجود عامل إقليمي تقوده إيران، لتعزيز هذا التقارب الحوثي مع فصيل الحراك الجنوبي المطالب بفك الارتباط، لكن بالمقابل هناك عوامل داخلية كانت وراء هذا التقارب وتعمل على تعزيزه، ذلك أن كثيرا من القوى ومراكز النفوذ في البلاد ترى في الحراك والحوثيين قوتين تهددان مصالحهما.
ومن ناحية أخرى، أثار تمدد جماعة الحوثي وهيمنتها المسلحة على محافظة صعدة وبعض مديريات المحافظات المجاورة، مخاوف قوى سياسية وقبلية فرض عليها إعادة تشكيل نفسها لمواجهة ذلك التمدد.
ومع اتساع جغرافيا الحرب التي تخوضها جماعة الحوثي اليوم، التي بدت ذات طابع مذهبي في أكثر من جبهة، سواء مع القبائل التي تنتمي لحزب
التجمع اليمني للإصلاح، أم مع قوى إسلامية أخرى مثل سلفيي دماج. وانتهى الصراع لصالح الحوثي، بموجب اتفاق رعته لجنة رئاسية شكلها الرئيس هادي، قضى برحيل السلفيين من مركز دار الحديث بدماج في محافظة صعدة شمال اليمن.
وصار من المتوقع أن يحدث تقارب بين قوى الإسلام السياسي في البلاد، وذلك بعد دخول قوى إسلامية جديدة إلى المشهد السياسي العام. ومثال على ذلك: حزب الرشاد السلفي.
وبطبيعة الحال، فإن خروج السلفيين من دماج، دفع قوى إسلامية وقبلية إلى أن تدق ناقوس الخطر، حتى بات التوجه لدى تلك القوى إقامة تحالف سني لمواجهة الزحف الحوثي الشيعي الذي اتسع إلى أكثر من منطقة تابعة لهم، وعلى ما يبدو أن هناك اتصالات سرية مع حزب الإصلاح الإسلامي للانضمام إلى ذلك التحالف.
بدوره، يشدد عادل الأحمدي رئيس مركز نشوان للدارسات، على أن "ذلك التحالف واضح، وله دلائل على الأرض، من بينهما التعامل الإعلامي لوسائل إعلام علي صالح مع التوسع العسكري للحوثيين، حيث باتت كثير من هذه الوسائل، وكأنها ناطقة باسم الحوثي، وتروج للرواية التي يتبناها الحوثيين".
ويضيف الأحمدي لــ "عربي 21"، أن "عددا من قيادات وكوادر حزب صالح في المناطق التي تتعرض لاكتساح الحوثيين، تتواطأ مع الحوثيين، وتسهل عليهم عمليات الاستيلاء على تلك المناطق، رغم أن قيادات وكوادر أخرى من نفس الحزب تواجه الحوثي، ويسقط بعضهم بنيران الحوثيين".
ووفقاً للأحمدي فإن "المستفيد الحقيقي من هذا التحالف هو الحوثي وليس صالح".
وفي الإطار ذاته، تشير تقارير صحفية وإعلامية، إلى أن الرئيس السابق علي صالح أجرى مشاورات مكثفة مع قيادات بارزة سواء في الحراك الجنوبي أو في جماعة الحوثي بغية تشكيل جبهة موحدة في مواجهة النفوذ المتنامي لحزب الإصلاح الاخواني، وحليفه القوي اللواء الركن علي محسن الأحمر مستشار الرئيس هادي لشؤون الدفاع والأمن.
ويٌجسّد ذلك الطرح إحاطة جمال بنعمر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لليمن، مجلس الأمن الدولي في 28 من كانون الثاني /يناير 2014 أن هناك قوى وقيادات من النظام السابق تمارس عرقلة ممنهجة، وواضحة تشكل تهديداً حقيقياً قد يغرق البلاد في فوضى إذا لم يتمّ إزالة هذا التهديد قريباً.
الكاتب والمحلل السياسي عبدالله عامر يعتقد أن المصالح السياسية والظروف الحالية التي تمر بها اليمن وتعقيدات المشهد السياسي يعملان على تغيير خارطة التحالفات السياسية، فالأحزاب التي وصلت إلى السلطة ارتكبت أخطاء فادحة حين كررت ممارسات النظام السابق الذي كانت تطالب بإسقاطه؛ لتستمر العوامل والأسباب التي تعمل على تشجيع الصراعات المحلية سواء بدعم داخلي أو تدخل خارجي.
وأضاف لــ"عربي 21" أن الحوثيين قوة سياسية، وكانوا جزءا من الثورة الشبابية الشعبية السلمية والإصلاح. لكن الخلاف بين القوتين له أسباب عديدة، كون الإصلاح يرى في الحوثيين بأنهم قوة أيديولوجية وتمتلك السلاح في الوقت الذي يسعى فيه الإصلاح للسيطرة على كامل السلطة، ولهذا، فإنه لا بد من مواجهة أي مشروع منافس.
ولفت عامر إلى أن "تهمة التحالف الحوثي مع صالح أو العكس ليس لها أي وجود واقعي سوى ما تتحدث به وسائل إعلام الإصلاح فقط".
وأوضح أن "الإصلاح يواجه مخاطر عدة أولها من مراكز القوى الذي ترتبط به؛ فهي قوى فاسدة وغير مقبولة شعبياً، وبالتالي فإن الخطر من داخل الإصلاح نفسه، ناهيك عن تغير خارطة التحالفات الإقليمية التي أصبحت ضد
الإخوان بشكل كامل".
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي عبدالله عامر أن "أحزاب اللقاء المشترك بدأت تتجه نحو تحالفات جديدة، وهو ما يجعلنا أمام مشهد سياسي جديد ينبئ بظهور تكتلات جديدة على آثار تصدع هذه التجربة الفريدة للقاء المشترك، التي لم تكن متماسكة إلا في تحقيق هدف واحد هو إسقاط منظومة الرئيس السابق"، مشيرا إلى أنه "حينما تحقق ذلك الهدف، بدأت الأحزاب تتجه نحو أهدافها الخاصة كون اللقاء المشترك، لم يكن سوى تكتل رأسي يجمع رؤوس تلك الأحزاب من أجل التنسيق والشراكة في معارضة نظام صالح".
وما يبرهن على وجود انقسام داخل تكتل اللقاء المشترك، التباين في رؤى ومواقف أحزابه من بعض القضايا الرئيسية مثل القضية الجنوبية وقضية صعدة، فضلاً عن عدم وجود تصور مشترك تجاه العملية السياسية ومستقبلها أو تجاه عملية إعادة بناء جهاز الدولة المتهالك.
وتكاد معادلة الصراع تكون صفرية؛ فكل طرف يضغط بكل ما أوتي من إمكانات وتحالفات لحسمها لصالحه، أو على الأقل لكسر التوازن لمصلحته، وعلى نتيجة هذا الصراع ستُرسم سياسات وتوازنات جديدة، يتوقف عليها شكل المستقبل القريب في اليمن.