"القانون هو القانون، هكذا تعلمت كطفل، ولكنه هراء في هراء، خذ مثلا حالة جيري آدامز "اعتقل" وبعد ذلك أفرج عنه بعد "حديث" مع شرطة أيرلندا الشمالية، حول تعذيب أو اختفاء جين ماكونفيل، والتي كانت كما وصفها فينتان أوتول "مذبحة تنادي من أجل المحاسبة" والتي ظل آدمز ينفي علاقته بها، وأعلنت
شين فين أن "
اعتقال آدامز كان سياسيا"، وهي تصريحات لقيت الرد المعروف من الجماعات الداعية للوحدة وبريطانيا على حد سواء".
هكذا يعلق روبرت فيسك على اعتقال الزعيم السياسي الأيرلندي جيري آدامز حول قضية اختفاء أيرلندي أثناء الحرب في الإقليم الشمالي من أيرلندا، الذي ترفض
بريطانيا منحه الاستقلال ومنحته بعد عقود من الحرب شكلا من أشكال الحكم الذاتي.
ومقابل اعتقال آدامز وتعريض مستقبله السياسي، أعلنت سكرتيرة أيرلندا تريزا فيليرز أنه لن يعقد تحقيق في مقتل 11 مدنيا في بالميرفي في آب/ أغسطس عام 1971 عندما أطلق النار عليهم جنود وحدة المظليين، والتي كانت أكثر وحدة بريطانية أقل انضباطا ترسل للإقليم، وبعد ذلك قتلت 14 مدنيا في بلدة ديري فيما يعرف بالأحد الدامي.
ويقدم فيسك تفاصيلا عن حادث بالميرفي، الذي
قتل فيه البريطانيون قسيسا كان يحمل راية بيضاء وأما لها ثمانية أولاد ذهبت لمساعدة صبي جريح، ويعلق فيسك أن موت الأب هيو مولان والسيدة جوان كونولي أيضا "مذبحة تنادي للمحاسبة"، لكن سكرتيرة أيرلندا لا ترى أي داع لأخذ العقاب وتحقيق العدالة.
وأكدت فيليرز عدم فتح تحقيق في القنبلة التي انفجرت في فندق لامون عام 1978 عندما حرق الجيش الأيرلندي الحر 12 شخصا، ولدى عائلات الضحايا شكوك من أن نصوص التحقيقات مع المشتبه بعلاقتهم بهذا الحادث من الجيش الأيرلندي الحر قد تم نزعها من الأرشيف لحماية شخصيات لها علاقة بالعملية السلمية الحالية في أيرلندا.
ويتساءل إن كان اعتقال آدامز قبل الانتخابات البرلمانية الأوروبية ليس سياسيا، فعندها سيكون بالتأكيد رفض السلطات البريطانية التحقيق في حادث بالميرفي، خاصة أن السلطات البريطانية تعرف الجنود الذين ارتكبوا العمل، وتعرف أعمارهم ورتبهم العسكرية.
ويتحدث فيسك عن التحقيق الذي أجرته الحكومة البريطانية في الأحد الدموي "تحقيق سافيل" والذي كلف الحكومة ملايين الجنيهات، ويتساءل عن السبب الذي منح فيه الجنود الذين قدموا شهاداتٍ غطاءً ولم تُذكر أسماؤهم، وهو أمر لم يُمنح لجيري آدمز، ولا يرى فيسك إمكانية تقديم أي من البريطانيين الذين يعرفون عن أحداث في دبلن أو موناغان أدلة والتحقيق معهم بنفس الطريقة التي تم التحقيق فيها مع آدامز.
ويرى الكاتب هنا في الموقف "نفاقا" بريطانيا لا يرتبط فقط بأيرلندا الشمالية "خذ مثلا قرار وزيرة الداخلية لحرمان المهاجرين البريطانيين من جوازات سفرهم إن سافروا للقتال ضد نظام الأسد في سوريا، مع أن ويليام هيج، وزير الخارجية وزملاءه دعموا في البداية تسليح المعارضة السورية".
ويضيف "هناك مشكلة في قضية الجوازات، فهناك الكثيرون من داعمي إسرائيل في بريطانيا، مثلا قاتلوا نيابة عن إسرائيل ولبسوا الزي العسكري الإسرائيلي في الحروب التي خاضتها إسرائيل. ولكن ماذا لو قاتلوا في وحدات قامت بارتكاب جرائم حرب في لبنان وغزة؟ أو خدموا في سلاح الجو الإسرائيلي الذي يقوم باستباحة دم المدنيين في الحرب". وبناء عليه يتساءل فيسك "هل هؤلاء سيتم سحب جوازات سفرهم إن لم يكونوا ولدوا في بريطانيا؟"، "طبعا لا" يجيب فيسك. "فهناك قانون للمسلمين وآخر لغير المسلمين".
ويتابع فيسك "لا نريد الانشغال بكل ملمح من ملامح النفاق تجاه الشرق الأوسط، مثل الغضب على إيران ومحاولتها الحصول على السلاح النووي، في الوقت الذي تمتلك فيه دولة أخرى في المنطقة كميات كبيرة منه، أو الغضب الأمريكي على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في الوقت الذي لا تعبر فيه عن غضبها على ضم مرتفعات الجولان السورية أو استمرار إسرائيل بسرقة أراضي العرب في الضفة الغربية والتي تعتبر مخالفة للقانون الدولي، وبناء هذا الأساس بني العدوان مثل الغزو غير القانوني للعراق".
ويختم بالقول إنه يتذكر كل هذا بسبب البحث الذي يقوم به حول المغرب، وانقلاب عميد في الجيش على الملك عام 1972 والذي فر بطائرته إلى جبل طارق الخاضع للسيادة البريطانية، حيث طلب محمد اميكرين اللجوء السياسي، فما كان من حكومة جلالة الملك البريطانية إلا حمله وتسليمه للملك الحسن الثاني، الذي أعدمه، وحصلت أرملته فيما بعد على مبلغ 37 ألف جنيه استرليني كتعويض من الحكومة البريطانية.