يتبع المرجع الديني علي
السيستاني،
الإيراني الأصل والمولود في إيران عام 1930، الخط التقليدي لحوزة النجف، ويمثل الاتجاه السائد لرجال الدين لشيعة المحافظين في
العراق المولودين في إيران.
وهو الذي عاش حياة مضطربة مع حكومة صدام حسين، حيث قضى فترات طويلة من عمره قيد الإقامة الجبرية، لكن أسلوبه الهادئ الذي نهجه للعيش في العراق في عهد صدام حسين تعرض للانتقاد من جانب زعماء
الشيعة من جيل الشباب.
ولا يعرف الكثير عن تفاصيل حياة السيستاني ومن القليل المعروف عنه أنه انتقل عام 1951 إلى قم في إيران؛ ليستكمل دراسته العلمية على يد أبو القاسم الخوئي وحسين الحلي ، ليعود بعدها إلى النجف عام 1954 للتأليف والتدريس في الحوزة العلمية هناك ليصبح فيما بعد أحد المراجع الكبار في حوزة النجف.
بعد فشل ما يسمى الانتفاضة الشيعية في جنوب العراق عام 1991 بعد حرب الخليج الثانية التي اندلعت لإخراج القوات العراقية من الكويت اعتقل مع آخرين ومكث في السجن لفترة قبل إطلاق سراحه.
وعندما توفي المرجع الخوئي نودي به مرجعا لكنه بقي رهن الإقامة الجبرية في منزله بالنجف حتى سقوط بغداد.
وأعلنت الإدارة الأميركية بأنها تعتمد عليه في إشاعة الهدوء والاستقرار في المناطق الشيعية بعد تفجر المقاومة في المدن السنية.
ودعم في عام 2005 قائمة الائتلاف العراقي الموحد في الانتخابات مصدرا فتوى تدعو إلى المشاركة في الانتخابات بكثافة.
بعد سقوط بغداد مباشرة حاصر أتباع الصدر منزل السيستاني ، الذي كانوا يصفونه بالمرجعية الصامتة، مطالبين بمغادرته البلاد وأن يعترف بمقتدى الصدر مرجعا دينيا، ولكنه لم يواجههم وتوارى عن الأنظار، واتخذ الصراع على زعامة الطائفة الشيعية منحى دمويا في غضون أيام قليلة، فبعد أيام من عودته من منفاه في لندن طعن عبد المجيد الخوئي، ابن المرجع الأسبق ابوالقاسم الخوئي، ومات في النجف، وخرجت ادعاءات بأن الصدر متورط في الحادث، واصدر القضاء العراقي بالفعل مذكرة اعتقال بحق مقتدى بتهمة الضلوع بقتل الخوئي.
وفي الأشهر القليلة بعد الحرب ظهر السيستاني متبنيا نفس الأسلوب المعتدل الذي نهجه من قبل في عهد حكم حزب البعث، وكرر مسؤولو الاحتلال الانجلو سكسوني، الذين يعون سلطاته وتأثيره، ثناءهم على آرائه المعتدلة، وحث مرارا أتباعه ومقلديه على عدم حمل السلاح ضد قوات التحالف.
وبعد سقوط بغداد في التاسع من نيسان عام 2003 لزم السيستاني الصمت، ولم تصدر عنه فتوى تبيح مقاومة الاحتلال الأميركي، وبرر السيستاني ذلك بأن الظرف لم يحن بعد لمثل هذه الفتوى.
غير أنه عاد ودخل على خط السياسة حين طالب مجلس الحكم المؤقت بانتخابات عامة حرة يشارك فيها الشعب العراقي لاختيار حكومة انتقالية تشرف على استلام السلطة، ورفض إشراف مجلس الحكم المؤقت على هذه الانتخابات مهددا عند عدم الاستجابة لمطلبه بنزع الشرعية عن مجلس الحكم، لكنه عبر عن قبول ضمني بحكومة رئيس الوزراء العراقي المؤقت إياد علاوي وقدم نصائحه لها.
ويقال أنه بذلك أراد أن يستعرض قوته وإرسال رسالة غير مشفرة إلى أمريكا ومجلس حكمها بأنهم لا يمكن أن يتجاهلوا حصة التيار السيستاني ومكانته ونفوذه في "عراق ما بعد التحرير"، وإذا ما عرفوا حق قدره فباستطاعته أن يمد لهم يد العون، وبالفعل وفي المواجهة الثانية بين جماعة مقتدى الصدر والقوات الأمريكية عام 2004غادر إلى خارج العراق بحجة العلاج بذريعة أنه أصيب بانسداد الشريان الأبهر.
توقيت مغادرته المثير للاستغراب هو واحد من المفاصل التي تحتاج إلى توضيح في هذه الرواية، المعضلة الواضحة للسيستاني، الذي ترك هذا الصدام الحرج من أجل علاج طبي لقلبه المريض في لندن، عاد وتدخل بقوة لدعم مكانته في العراق وزاد من نفوذه.
وحين ينظر المراقب إلى الخارطة السياسية وخارطة القوائم الانتخابية في العراق وتشكيلة الحكومة بقيادة نوري المالكي الذي يتهم من أطياف عراقية عديدة بأنه طائفي وموال لإيران بالكامل، أو باستعراض توزيع المناصب القيادية في الدولة العراقية يرى بوضوح الطائفية والمحاولات الفاشلة لإخفاء هذه الصبغة.
لو بقي السيستاني على صمته ربما كان سيجد له البعض مبررا بأنه لا يريد إقحام نفسه بالسياسة أو الخوض بملفات شائكة ، لكن فتواه الأخيرة بوجوب حمل السلاح للجهاد دفاعًا عن المقدسات في العراق ضد من سماهم الإرهابيين في العراق، فسرها البعض من زاوية طائفية بحتة وبأنها تصب الزيت على النار بدلا من أن تطفئ قليلا من سياسات المالكي الإقصائية والطائفية.
وتتابعت فتاوى المشايخ الشيعة في العراق اتباعا لفتوى السيستاني بوجوب الجهاد ضد من سمتهم الإرهابيين، ونقلت صورًا عديدة لمشايخ دين شيعة وقد حملوا السلاح عملًا بالفتوى وحثًّا للناس على حمل السلاح والانضمام إلى قوات الأمن دفاعًا عن المقدسات. فيما نُقلت صور أخرى لمتطوعين للجهاد يتوافدون على مقرات الأمن للمشاركة في القتال والقيام بواجبهم الجهادي حسب فتاوى المرجعيات.
وعبرت حركة تجديد العراقية التابعة لنائب الرئيس العراقي المستقيل طارق الهاشمي عن أسفِها لصدور الفتوى عن السيستاني التي ستؤدي لحرب أهلية طائفية لن يخرج منها أحد منتصرًا.
وقال البيان إنه كان أحرى بالمرجعية التي سكتت عن سنوات من الظلم والإجحاف والتمييز ضد العرب السنة بأن تنظر إلى الإنصاف والعدل الذي تعامل به الثوار العراقيون مع منسوبي الجيش العراقي.
وقد سيطرت فتوى السيستاني على الجدال في مواقع التواصل الاجتماعي، فيما اعتبرها عدد من المراقبين أنها فتوى تعزز الانقسام الطائفي، وأنها موجهة للشيعة للاحتشاد ضد قتال العرب السنة الذين يعانون من هضم حقوقهم طوال سنوات حكم الشيعة للعراق بقيادة نوري المالكي، وأن السيستاني نفسه الذي أفتى بعدم قتال قوات الاحتلال الأميركية إبان غزوها للعراق عام 2003، فإنه اليوم يفتي بقتال السنة بتسميتهم الإرهابيين.
واعتبر بعض المراقبين والمعلقين أن الفتوى فتحت على العراق أبواب الحرب الأهلية التي حاول العراق الخروج منها، ولكن الفتوى تعيدها الآن بأقوى ممّا كانت في السابق.