قال أحمد فهمي آخر رئيس لمجلس
الشورى المصري (الغرفة الثانية في البرلمان التي تم إلغاؤها في الدستور المعدل)، إن الرئيس الحالي عبد الفتاح
السيسي (وزير الدفاع حينها) رفض في آخر فترة حكم محمد
مرسي حلا يقضي بأن يتم تكليفه (أي السيسي) برئاسة الحكومة، لحين الدعوة إلى استفتاء على الرئاسة، أو إجراء
انتخابات رئاسية مبكرة.
فهمي، المنتمي لجماعة الإخوان وصاحب آخر مبادرة للحل بين مرسي وعبد الفتاح السيسي، كشف أن هناك مبادرات لحل الأزمة التي مرت بها البلاد طرحتها جهات أجنبية ورفضها الرئيس مرسي، قبل الانقلاب عليه من قبل الجيش.
وفي أول حوار مع وسيلة إعلامية منذ غيابه عن المشهد السياسي بعد 3 يوليو 2013، أشار فهمي إلى أن أطرافا داخلية وخارجية مارست ضغوطا على مرسي للقبول بتغيير الحكومة، على أن يترأسها محمد البرادعي القيادي بجبهة الإنقاذ، مع تفويض صلاحيات كاملة له كرئيس للحكومة، وهو ما رفضه مرسي، وهو بدوره ما جعل الطرفين يتبنيان إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لا يكون الرئيس مرسي طرفا فيها.
وإلى نص المقابلة مع أحمد فهمي آخر رئيس لمجلس الشورى، في فترة حكم محمد مرسي:
** عام كامل قضاه مرسي في الحكم، كيف رأيتم ما واجهه من أزمات أدت في النهاية إلى الانقلاب عليه؟
منذ أن تم إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية بفوز محمد مرسي برئاسة الجمهورية، ورغم قرب النتائج مع المرشح المنافس أحمد شفيق، إلا أنه كان يمثل ضربة للدولة العميقة، وتسبب فوزه بالشعور بالقلق والخوف من النظام الجديد، سواء بمحاسبتهم على ما اقترفوه ضد الشعب أو إقصائهم عن الحياة السياسية.
كان من المتوقع أن يواجه مرسي معارضة ومشكلات كبيرة، إلا أننا لم نكن نتخيل أن تكون الحرب بهذا الحجم وهذه الشدة، أو يكون لها هذا التأثير، وبدأت منذ اللحظات الأولى لإعلانه رئيسا خلال حلف اليمين الدستورية بالمحكمة الدستورية العليا (أعلى هيئة قضائية ويؤدي الرئيس أمامها اليمين الدستورية في حال عدم وجود برلمان بحسب الدستور المصري).
المصالح الكثيرة التي كانت ترتبط برجال الأعمال ورموز النظام القديم والدولة العميقة، كان لها تأثير كبير في السعي نحو إسقاط النظام الجديد، خاصة أن الرئيس مرسي سعى إلى أن يحقق عدالة حقيقية وديمقراطية، مما جعلهم يتربصون به منذ اليوم الأول.
هذه المصالح دعمتها جهات داخلية ممثلة في مؤسسات الدولة، وجهات خارجية أزعجها أن يصل الإخوان المسلمون للحكم في دولة بحجم مصر، خاصة أن مرسي كان يريد التدرج في الإصلاح، ولم يحاول أن يقصي أحدا من المشهد السياسي، فلم يعط لهم فرصة للنيل منه سياسيا.
** يفهم من كلامكم أنكم تعتبرون مظاهرات 30 يونيو/ حزيران 2013، كانت انقلابا علي ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011؟
لا أقول 30 يونيو/ حزيران، وإنما 3 يوليو/ تموز، هي التي كانت كذلك. ففي 30 يونيو/ حزيران، خرج فيها كثيرون حسنو النية، متأثرين بما تم تسويقه في وسائل الإعلام ومفاصل الدولة العميقة، ووضع العراقيل أمام الرئيس ونظامه، وخرجوا من أجل الصالح العام للبلاد.
ولكن الفئة الأغلب كان خروجها مصطنعا، تحت رعاية داخلية وخارجية، وظهر ذلك في مواقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الخليجية، الذين اتفقوا جميعا من أجل مصالحهم بإزاحة هذا النظام، في انتظار الفرصة المواتية باصطناع هذا الخروج بهذا الشكل. ويمكن توضيح هذا بالقول إن بعض مؤسسات الدولة صنعت هذا الخروج، وانتظرت أن يتم بهذا الشكل من أجل الانقلاب على الرئيس كما حدث في 3 يوليو/ تموز.
** لكن أليس الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي في أغسطس/ آب 2012 الذي حصن فيه قراراته، قاده إلى هذا المصير؟
الإعلان الدستوري كان يتضمن مطالب ثورية، كما أنه وبعد أسبوع واحد، عقب اعتراضات واجهت هذا الإعلان، قام بتعديله، فلا يتخذونه شماعة للضغط علي الرئيس بها. أما الأزمات التي شهدتها البلاد، فكانت مصطنعة بفعل الدولة العميقة، في ظل قصف إعلامي شديد، مبرمج ومخطط.
** متى شعرت -بصفتك مسؤولا بالدولة حينها- أن ما تصفونه بانقلاب على مرسي سوف يتم؟
شخصيا، لم يكن يدور في خلدي أبدا أن يتم انقلاب من قبل المجلس العسكري، خاصة أنهم كانوا محل تقدير من الرئيس مرسي، ومنا كمسؤولين في ذلك الوقت، ولم نكن أبدا نقف في طريق ما يسعون إليه وما يحقق أهدافهم من تدريب وتشريعات وغيرها.
ولكن كنت أعتقد أن هناك غضبا في الشارع المصري على بعض سياسيات الرئيس مرسي، ولكني كنت أرى أن يتم إيجاد حلول لهذا الغضب بأمور سياسية. ولكن إحقاقا للحق، فإن الرئيس كلما عرض حلولا للأزمة، كان يواجه بالرفض من قيادات جبهة الإنقاذ التي كانت تتصدر مشهد المعارضة حينها، حتي يتم تصدير المشهد الذي ظهر في النهاية.
** ما هي أبرز هذه الحلول التي عرضها الرئيس مرسي وتم رفضها؟
عرض الكثير من الأمور التي تهدئ من روع الشارع، كتغيير حكومة هشام قنديل (آخر رئيس وزراء في عهد مرسي ووجه بانتقادات شديدة لأداء حكومته)، والموافقة على إجراء استفتاء على بقائه، وغيرها من الأمور، لكنهم كانوا دائما ما يرفضون أي اقتراحات. الرئيس مرسي كان يرى الانتهاء من الاستحقاق البرلماني وعدم إحداث أي فراغ تشريعي، ومن ثم ترتيب كل الأمور المستقبلية عن طريق هذا البرلمان (مجلس النواب - الغرفة الأولى للبرلمان)، باعتباره الذي يمثل الشعب تمثيلا حقيقيا.
والرئيس لم يعترض على تغيير الحكومة، وإنما كان يرى أن فترة الانتخابات قريبة، ومع بداية البرلمان تتشكل الحكومة الجديدة طبقا لدستور 2012. الرئيس مرسي كان يرفض أن تكون قراراته وتغيراته مفروضة من أي جهة، وإنما تتم وفقا للأسس الديمقراطية.
** تتحدث عن ضغوط خارجية، مورست ضد مرسي للتغيير؟
الضغوط على مرسي خارجيا كانت من الاتحاد الأوروبي ممثلا في مسؤولة العلاقات الخارجية كاثرين آشتون، بالإضافة إلى السفيرة الأمريكية بالقاهرة (حينها) آن باترسون، وكانت ضغوط للتغير ليست في صالح الشعب المصري، لأنها كانت بعيدة عن المسار الديمقراطي. الضغوط كانت على مرحلتين الأولى بدأت بطلب تغيير الحكومة، على أن يترأسها بحسب ما علمت، محمد البرادعي القيادي بجبهة الإنقاذ المعارضة، مع تفويض صلاحيات كاملة له كرئيس للحكومة، وهو ما رفضه مرسي، لأن ذلك سيكون بمثابة تخليه عن الحكم بغير إرادة الشعب.
أما المرحلة الثانية من الضغوط فكانت ما كان يصر عليه السيسي في آخر يومين قبل الانقلاب على الرئيس، وهو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لا يكون الرئيس مرسي طرفا فيها.
** ولكن في 23 يونيو/ حزيران، كيف قرأت مهلة الأسبوع التي حددها وزير الدفاع حينها للقوى السياسية لإيجاد حل للأزمة وحالة الاحتقان في الشارع؟
قرأتها بشيء من القلق، ومع ذلك كنت حسن الظن في نية القوات المسلحة، ولم أكن أتخيل أن تكون هذه المهلة للرئيس نفسه.
** بعد ذلك التاريخ بيومين، وتحديدا في 26 يونيو/ حزيران، حدث لقاء بين السيسي والقيادي الإخواني سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب السابق (الغرفة الأولى للبرلمان آنذاك) ، ورئيس حزب الحرية والعدالة، ماذا دار في هذا اللقاء؟
لم أحضر هذا اللقاء، وعلمت به، أنه تضمن مطالبة الرئيس بخروج بعض البيانات التي تهدئ الشارع وتلبي مطالبه، وهو ما قام به الرئيس في خطابه الشهير في ذات اليوم مساء، وقال حينها إنه على استعداد لانتخابات رئاسية مبكرة عقب انتخاب مجلس النواب، وهي الفترة التي كانت ستأخذ من 4-6 أشهر.
** كنتم آخر من أوصل رسالة من مرسي للسيسي والعكس.. ماذا حدث في هذا اليوم؟
في الساعة العاشرة صباحًا (8:00 بتوقيت غرينتش) يوم 3 يوليو/ تموز، اتصل بي اللواء ممدوح شاهين وكان عضوا بالمجلس العسكري، تليفونيًّا وسألني حول تصوري لما سيقوله الفريق السيسي للناس حينما يتحدث إليهم، وهل سيعتذر عن المهلة التي سبق وأن أعلنها للقوى السياسية ويترك لها أن تتصرف مع بعضها البعض، فأخبرته بأنني لا أعلم ما سيقول لأني لم أقابله، فتم تحديد موعد للقائه بعدها بساعة.
ذهبت للقاء السيسي، فسألني: ماذا تريد أن تبلغنيه؟ فقلت له: أنت الذي اتصلت بي، فماذا تريد أن تقول لي، فقال: نحن نريد إجراء استفتاء على الرئاسة خلال أسبوعين أو ثلاثة.
فقلت له: إنها مدة قصيرة وقد يترتب عليها فراغ، فأنا أرى أن يتم تغيير الوزارة، ويمكن أن تكون أنت رئيسها بجانب وزارة الدفاع، وبعدها يتم إجراء انتخابات برلمانية في وجودك حيث إن الأغلبية تثق فيك ويترتب على انتخابات مجلس النواب تشكيل حكومة من حزب أو أحزاب الأغلبية، وبعدها تتم الدعوة إلى استفتاء على الرئاسة أو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وبذلك نتفادى حالة الفراغ.
فرد السيسي عليّ بأن هذا حل طويل، ونحن نريد إجراء استفتاء في أسبوعين أو ثلاثة، فقلت له إن هذا الحل غير مرضٍ، وإن صور المظاهرات التي نشرت في الصحف نشرت صور مظاهرات المعارضة ولم تنشر صور مظاهرات التأييد للشرعية الدستورية ( ... ) قلت له: لقد أخذت قرارك يا سيادة الفريق ولا تحتاج إلى مبادرات أو رؤى للحل.
ذهبت بعدها للسيد الرئيس وعرضت عليه ما دار بيني وبين الفريق السيسي، فوافق على كل ما جاء في عرضي عليه، حرصًا على استقرار البلد بوجود البرلمان والحكومة أولاً.
ثم اتصلت باللواء ممدوح شاهين وأخبرته بما دار بيني وبين الرئيس وموافقته على العرض الذي ينشئ البرلمان والحكومة أولاً ثم يتم الاستفتاء على الرئاسة أو الانتخابات الرئاسية المبكرة، وطلبت منه توصيل هذا الكلام للفريق السيسي، فوعد بذلك.
** وماذا كان رده عليكم؟
حدث الانقلاب العسكري الذي أطاح بالشرعية فعطل الدستور واختطف الرئيس وأخفاه، ثم أصدر قرارًا باطلاً بحل مجلس الشورى.
** وكيف وجدت مرسي في ذلك اليوم؟
وجدته يعلم أن انقلابا عسكريا يحدث ضده، خاصة أنه كان شبه محبوس ومعتقل في دار الحرس الجمهوري (نادٍ اجتماعي لضباط الحرس الجمهوري شرقي القاهرة).
** بعد عام من الانقلاب على مرسي، هل لكم نصيحة إلى مرسي بالقبول بالانتخابات بدلا من الانقلاب وما ترتب عليه من أحداث؟
إذا عاد بنا الزمن للوراء، أعتقد أن الرئيس كان سيصر علي موقفه وسيأخذ نفس القرارات، فليس من المعقول أن تتم انتخابات رئاسية خلال أسبوعين أو ثلاثة، وإنما كان يريد أن يحقق ديمقراطية حقيقية.
** هل كنتم طرفا للتواصل مع السلطات الجديدة للبلاد في إطار التصالح وإيجاد حلول للتسوية عقب الانقلاب على مرسي؟
اتصل بي اثنان من قيادات المجلس العسكري (رفض ذكر اسميهما)، وكذلك شيخ الأزهر أحمد الطيب، عقب الإطاحة بمرسي وقبل فض اعتصام رابعة العدوية في 14 أغسطس/ آب الماضي، في محاولة للوصول إلى تهدئة وتسوية، وكانت كل مبادراتهم تدور في إطلاق سراح المحبوسين، في مقابل اعتراف الجماعة بالأمر الواقع.
** وماذا عن جهود الوساطة الآن؟
لم يعرض علي أي طرف الوساطة، وهناك أشخاص آخرون مسؤولون عن هذا الأمر في التحالف الداعم لمرسي، ومنهم من ينتمي لحزب الحرية والعدالة الذي أنتمي إليه، ولكني على استعداد أن أوصل أي رسائل إذا طلب مني ذلك؟
** وكيف ترى حل الأزمة حاليا؟
كلما مر الوقت، تعقدت الأزمة أكثر، فلا يمكن أن تنهض البلاد في الحال التي هي عليها الآن، ولابد أن يكون هناك حل، قد تكون تفاصيل هذا الحل ليست عندي، وإنما يجب أن نعي تجارب الآخرين في الدول الأخرى.