"مين اللي قتلهم؟ ثوار ليبيا ولا الإرهابين ولا المهربين ولا جنود تبع
السيسي؟".
كتب أحد الشباب
المصريين - يدعى "محسن على" - هذا التعليق على صفحة المتحدث باسم القوات المسلحة، ليعبر عن حيرته هو ومئات المعلقين الآخرين وعدم قدرتهم على فهم ملابسات حادث مقتل جنود الجيش في واحة
الفرافرة.
وأثار الحادث حالة من اللغط بين المصريين حول أسبابه والجهة التي تقف وراء مقتل الجنود بعد ظهور عدد من الشواهد أظهرت أن هناك شيء ما تريد السلطات في مصر إخفاؤه.
ونفذت عناصر مسلحة هجوما السبت الماضي على نقطة لحرس الحدود المصري بمحافظة الوادي الجديد جنوب غربي البلاد راح ضحيته 22 جنديا، في حلقة جديدة من حلقات استهداف رجال الجيش بدأت منذ أكثر من ثلاث سنوات ولم يعرف حتى الآن - بشكل قاطع - من يقف وراءها.
وتنتشر في مصر وعلى مواقع التواصل الاجتماعي شائعات بأن هؤلاء الجنود لم يقتلوا في الوادي الجديد كما أعلن الجيش وأنهم قتلوا في ليبيا أثناء قتالهم بجانب قوات اللواء خليفة حفتر الذي يقود انقلابا هناك ويدعمه عبد الفتاح السيسي قائد
الانقلاب في مصر.
صور مفبركة للضحايا
وكانت أكثر الشواهد التي أثارت شك النشطاء والمراقبين حول ملابسات الحادث، الصور التي نشرتها صفحة المتحدث الرسمي للقوات المسلحة على "فيس بوك" للجنود القتلى، وظهر بوضوح أنها صور مفبركة ومعالجة بالكمبيوتر باستخدام برنامج "فوتو شوب".
وتم معالجة الصور بشكل بدائي يسهل اكتشافه حتى من غير المختصين، حيث تم وضع رأس كل ضحية على من القتلى على صورة جسد واحد، بشكل متكرر في كل الصور، والغريب أن صور الجنود فقط هي التي تم معالجتها، بينما ظلت صورتي الضابطين اللذين قتلا في نفس الهجوم بحالتهما الأصلية دون فبركة.
وتداول نشطاء - مؤيدين ومعارضين للانقلاب - على مواقع التواصل الاجتماعي تلك الصور، وكتبوا مئات التعليقات على صفحة المتحدث العسكري يتساءلون فيها عن سر فبركة الصور، دون أن يصدر الجيش أي توضيح للأمر حتى الآن.
وقال الإعلامي المصري أحمد منصور إن هؤلاء الجنود لم يقتلوا في هجوم على نقطة لحرس الحدود بواحة الفرافرة وإنما لقوا مصرعهم في معارك بالعاصمة الليبية طرابلس وهم يقاتلون إلى جانب اللواء حفتر.
ونقل منصور - عبر صفحته على فيس بوك - عن مصادر ليبية قولها إن السيسي أرسل مئات الجنود المصريين والأسلحة والعتاد لمساندة حفتر، وأن الجيش المصري تحول إلى جيش مرتزقة.
أوكا الربعاوي
ونشر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، تعليقات كتبها أحد الجنود ضحايا هذا الهجوم على حسابه الشخصي على فيس بوك - قبل مقتله - تظهر معارضته للانقلاب العسكري ولقيادة الجيش الحالية وتأييده للرئيس محمد مرسي.
وكتب المجند محمد عبد النعيم "أوكا" على صفحته يوم 11 ديسمبر الماضي "أصبحت منذ اليوم جنديا من جنود القوات المسلحة المصرية، شرف لأى فرد أن يدافع عن هذه الأرض الطاهرة ويحمل السلاح، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أختلف مع قاداتها من الناحية السياسية وما يفعلونه بالشعب المصري، وأتمنى من الله أن تمر هذه الخدمة على خير ولا أحتك بأي قادة هناك أثناء الخدمة وأتمنى رجوع القادة العسكريين إلى رشدهم ورجوع البلاد إلى ما قبل 30 يونيو".
وفي 19 ديسمبر 2013 كتب "أوكا" - الذي تظهر صفحته أنه كان عضوا في حزب الوسط، أحد أحزاب التحالف الوطني لدعم الشرعية - "إلى الأرض الطاهرة غدا، أوكا الربعاوي حتى النخاع".
ويوم 13 أبريل الماضي كتب أوكا " لقد تم ترحيلي إلى السرية الثانية بالفرافرة ضمن "كتيبة 14 حرس حدود" ومعي جندي واحد وتم ترحيله إلى نقطة على الحدود مع ليبيا تدعي عين دالة، حالتي النفسية جيدة وأتمنى أن يتم ترحيلي بعد ذلك إلى مكان أفضل".
وتلقفت وسائل الإعلام المؤيدة للانقلاب هذا الخبر للتأكيد على أن جماعة الإخوان وراء قتل الجنود، لكن كثيرون تساءلوا كيف يكون الإخوان وراء الحادث، بينما أحد أعضائها بين القتلى؟
بينما قال نشطاء مؤيدون للشرعية إن مقتل "أوكا" دليل على أن السيسي يتخلص من الجنود والضباط المعارضين للانقلاب ويلصق التهمة بالإرهابيين.
جثة غريبة
ومما زاد الجدل حول الحادث، أن أهالي أحد الضحايا - ويدعى إسلام البدري - اكتشفوا أن الجيش سلمهم جثة شخص آخر غير ابنهم.
وعرف أهل الضحية هذا الأمر بعد انتقال الجثمان من القاهرة إلى محافظة أسيوط جنوب مصر، عقب إلقاء نظرة الوداع عليه قبل دفنه، وطالبو المسؤولين في الدولة بمخاطبة أهالي باقي الشهداء للتأكد من جثامين ذويهم قبل دفنها، وقالوا إنهم أثناء استلام جثمان ابنهم رفض المسئولون السماح لهم بمعاينته قبل استلامه.
وبعد سبع ساعات من الجدل بين الأهل حول هوية صاحب الجثمان، قاموا بإيداع الجثمان الذي تسلموه بمستشفى عام بأسيوط، قبل أن يعود عم القتيل ويقول إن الجثمان هو لإسلام وأنه لم يستبدل، وأنهم فقط أخطأوا في تمييز شكله بسبب صدمة الحادث وانتفاخ الجثمان!!
وأكد لاحقا في مداخلة هاتفية بأحد البرامج التلفزيونية أنهم قاموا بدفن الجثمان بعد التأكد منه، مضيفا أن "كل شهداء مصر أولادنا!!".
وتساءل كثيرون كيف يمكن أن يقع الجيش في هذا الخطأ الكبير بالرغم من أن عدد الضحايا ليس كبيرا - مقارنة بضحايا المجازر التي شهدتها البلاد في السنوات الأخير - فضلا عن إن الجيش يمتلك ملفات وبيانات كاملة لهؤلاء الجنود بحيث يستحيل استبدال جثة مكان أخرى؟
مهربين أم إرهابيين
وفور وقوع الحادث أعلنت القوات المسلحة أن مجموعة من المهربين هي من نفذت الهجوم، ونقلت وسائل الإعلام الخبر على هذا الشكل، قبل أن يعود الجيش ويعدل الخبر وينسب الهجوم لإسلاميين متشددين قال إنهم كان يرفعون أعلام القاعدة أثناء إطلاق النار على الجنود وأنهم تركوا وراءهم عدد من تلك الأعلام في مكان الحادث.
وأظهرت صورا نشرها الجيش لمكان الوحدة العسكرية التي تعرضت للهجوم أثار حريق وتدمير، لكن لم يظهر في الصور أي أثر لدماء الضحايا - كما هو معتاد في مثل تلك الحوادث - وهو ما أثار أيضا استغراب الكثيرين، الذي شككوا في أن الحادث كله ملفق.