تزداد أهمية حقول
النفط في المنطقة الجنوبية الأكثر أمنا بالعراق في ظل هجمات المسلحين السنة التي تساهم في الحيلولة دون تحقيق حلم بغداد بمضاهاة طاقة إنتاج النفط
السعودية، لكن الجنوب أيضا لم يكن في مأمن تام من الهجمات.
وتواجه بغداد صعوبات لاحتواء هجمات مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية" (
داعش) الذي سيطر على بعض المنشآت النفطية، حينما اجتاح مناطق في شمال غرب
العراق في حزيران/ يونيو الماضي، وهو ما شجع
الأكراد في إقليمهم الشمالي شبه المستقل على السيطرة على حقول النفط الكبيرة في كركوك.
ولم يتأثر إنتاج النفط في جنوب العراق بشكل يذكر، حيث يبلغ نحو 3.15 مليون برميل يوميا.
وقالت مصادر نفطية وأمنية إن البصرة العاصمة النفطية في الجنوب شهدت هذا العام أعمال عنف أقل من مدن عراقية أخرى، لكن عددا قليلا من تفجيرات السيارات الملغومة ومحاولات الاغتيال وعمليات خطف العمال الأجانب وقعت هناك على مدى الأشهر الأخيرة.
ولم يتضح من وراء تلك الهجمات، حيث يصعب غالبا التمييز بين هجمات المسلحين والجرائم.
وتشير السوابق التاريخية إلى عدم إمكانية استبعاد أي احتمال.
ففي عام 2011 تعرضت خطوط أنابيب النفط في الجنوب لتفجيرات أدت إلى تعطل الإنتاج من حقل الرميلة أكبر حقل نفطي في العراق مرتين على الأقل.
وقال ثامر الغضبان وهو كبير مستشاري الطاقة لرئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي إن الأمور تسير حاليا وفق ما هو مخطط لها، إذ لم يتأثر إنتاج الجنوب، ولا تزال أهداف إنتاج البلاد قائمة.
وقال الغضبان: "لم نعد النظر بشكل جدي في أهداف الأجل الطويل. لم تتم أي مراجعة حتى الآن. نأمل بطرح حلول سياسية قريبا كي لا نعيد النظر في أهداف الأمد البعيد".
وعلى مدى السنوات القليلة المنصرمة، دفعت البنية التحتية الضعيفة والمشكلات الفنية بغداد إلى تقليص طموحاتها في الوصول إلى طاقة إنتاجية قدرها 12 مليون برميل يوميا من النفط بحلول عام 2020، وهو مستوى لا تتجاوزه سوى السعودية بطاقة إنتاجية تبلغ 12.5 مليون برميل يوميا.
ويقول خبراء ومحللون في قطاع النفط إنه حتى المستوى الجديد المستهدف للطاقة الإنتاجية للعراق على الأمد البعيد والبالغ 8.4 مليون برميل يوميا يعكس إفراطا في التفاؤل.
ولا تزال منشآت تصدير النفط الجنوبية في منأى عن الاضطرابات، حيث بلغ متوسط الصادرات من الجنوب 2.442 مليون برميل يوميا في تموز/ يوليو الماضي مقتربا من مستوى قياسي مرتفع.
وقال الغضبان إن خط الأنابيب الشمالي الذي يمتد من كركوك إلى ميناء جيهان التركي كان ينقل عادة 300-400 ألف برميل يوميا من الخام قبل توقف الضخ بسبب تفجيرات في شباط/ فبراير.
وأضاف: "تأثرت كركوك ومناطق أخرى بالوضع الأمني، ولا شك أن ذلك سيكون له تأثير" على إنتاج العراق في الأمد القصير.
وكان العراق قال في وقت سابق إنه يهدف لزيادة إنتاجه النفطي إلى 3.7 مليون برميل يوميا في ،2014 وهو رقم يستثنى منه النفط الكردي في ظل النزاع القانوني والدبلوماسي بين بغداد وحكومة إقليم كردستان على مبيعات النفط وصادراته.
وأقر الغضبان بأن من المستبعد حاليا أن يصل العراق إلى معدل الإنتاج المستهدف لعام 2014، لكنه لم يذكر أي بيانات معدلة.
ويرى بعض الخبراء في قطاع النفط أن مستوى الإنتاج البالغ 3.4 مليون برميل يوميا هو الأكثر ترجيحا هذا العام.
وقال ميريل لينش في مذكرة بحثية في حزيران/ يونو الماضي إن من غير المرجح على الإطلاق أن ينمو إنتاج العراق النفطي هذا العام.
ويبدو من المستبعد أن تتعرض المنشآت النفطية في الجنوب لهجمات كبيرة.
وقال رئيس اللجنة الأمنية بمجلس محافظة البصرة جبار السعدي إن العراق شدد إجراءات الأمن ونشر مزيدا من القوات حول منشآت النفط الجنوبية.
ومن المحتمل أيضا تأجيل مشروعات جديدة لزيادة إنتاج العراق من النفط وطاقته التصديرية والتكريرية لأشهر أو أعوام أو إلغاؤها كليّا مع إحجام الشركات الأجنبية عن الإقبال على مزيد من المخاطر الاستثمارية.
وكان رئيس شركة نفط الجنوب العراقية التي تديرها الدولة قال في حزيران/ يونيو الماضي إن "إكسون موبيل" أجرت عملية "إجلاء كبرى" لموظفيها من العراق، بينما رحلت "بي.بي" 20% من عامليها.
وأطلق ناشطون حملة على موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي وصفوا فيها شركات عاملة في العراق مثل "إكسون موبيل" و"رويال داتش شل" بأنها "هدف مشروع لكل مسلم".
وفي أيار/ مايو حذرت السفارة الأمريكية ومسؤولون بريطانيون رعاياهم في البصرة خاصة العاملين في قطاع النفط من احتمال تعرضهم للخطف على أيدي جماعات متشددة.
وقال مسؤول نفطي كبير لا يزال يعمل في العراق: "لم يتأثر إنتاج وتصدير النفط من البصرة فهما بعيدان في الجنوب. لكن السؤال الآن يتمثل في ما الذي سيحدث بعد ذلك؟".
وكانت الحكومة في بغداد تخطط لإنشاء خط أنابيب استراتيجي لنقل النفط من حقولها في البصرة عبر تركيا وسوريا وخط آخر عبر الأردن. لكن من غير المرجح تنفيذ تلك المشروعات قريبا.
وقالت وكالة الطاقة الدولية الشهر الماضي إن الصراع الذي طال أمده ربما يهز ثقة المستثمرين ويضعف النمو في العراق على الأمد البعيد.
وسيتوقف إنتاج العراق الفعلي من النفط بحلول عام 2020 أيضا على الطلب العالمي واحتمال خضوعه لقيود منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على حصص الإنتاج والتي تعفى منها بغداد حاليا.