قضايا وآراء

أفق البديل الإسلامي

محمد مراح
1300x600
1300x600
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات .وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد، نعلم جميعا أن موضوع (البديل الإسلامي) كان خلاصة الرسالة التي سعت الصحوة الإسلامية لبعثها والتبشير بها ، في سبيل العودة بالمجموع الإسلامي إلى ربه عز وجل. 

وكلمة البديل يفيد مقتضاها البديل عما انتهجت الأمة أو أُنتهج بها من سبل وشبه مناهج واتجاهات تشترك في سمات أهمها (الأرضية -الدنيوية - حد الدين عن التأثير العميق فضلا عن القيادة ) ،وهي بعض من معالم العلمانية \الدنيوية. 

والملاحظ من الوجهة العملية أن تلك المناهج الأرضية أُعتسف في تطبيقها على الأرض الإسلامية بما لم يف بمبادئها وخصائصها ، ومقتضاها العملي ، فكانت هي بدورها عرضة للظلم من قبل مسويقيها والمفتونين بها . وهو أحد أهم الأسباب المفضية لعدم إثمارها في الواقع الإسلامي على نحو ما أثمرت به في جوانبها الفاعلة إيجابا في منشئها. 

لذا لاحظنا كيف أورثت (الديقراطية ) ـ مثلا ـ حكما ديكتاتوريا ، و(الإشتراكية )غنى فاحشا عندنا . فظُلمت هذه الايديولوجيات عندنا ظلم إدعاء ، وظُلمت الأمة ظلم خداع بها، فما نالها منها سوى مساوئها ورذائلها ، والمظالم التي ارتكبت باسمها في جسم المجموع الإسلامي.

البديل الإسلامي حمل أشواقا وآمالا وأحلاما عذابا ؛ فبث في أوصال المجتمع رفرفات الإيمان ، وثبات اليقين ، وتطلعات الحياة الإسلامية النقية السعيدة على نهج النبوة وعهود الخيرية الأولى ؛ فأشرقت الأرض بنور الالتزام الاجتماعي (الشباب خصوصا ) ، عبادة ، وسمتا إسلاميا ، وخُلقا كريما رفيعا ، وأخوة جارفة صادقة قوية حملت حرارة الأخوة الأولى من ذمة التاريخ المنير لحاضر الأمة المتأهبة لصنع البديل.

وعند هذا المستوى من (البديل الإسلامي ) نقول صادقين مطمئنين لقوة حكمنا: لقد أوجدت الصحوة البديل الرائع العميق ؛ إلى الحد الذي نجزم معه أن كل ما في مجتمعنا من بقية تدين وإلتزام وجريان ألفاظ وعبارات في الحيز الاجتماعي ، ومظهر معلن عن تدين يعود مباشرة أو بغيرها لغرسها الإسلامي المبارك ، وكل محاولة إنكار او اعتراض عما نقول غير مجدية.

ومع أن هذه الحال التي صيرت لها الصحوة المجتمع من النواحي العقائدية والأخلاقية والاجماعية كانت أقرب للمجتمع الفطري؛ فقد بقيت مراحل أخرى أبعد تقدما ، وأوفق ملائمة للمجتمع المتحضر الذي صار يُصاغ عبر المبادئ والأفكار والآيديولجيات بوسائل البحث الاجتماعي والبحث العلمي. 

و(البديل الإسلامي) من هذه الوجهة لم يحظ بما هو أهل له ، بالنظر لثراء وعظمة وقوة المبادئ الإسلامية والقيم التي تتضمنها ليُصاغ المجتمع الإسلامي الجديد عبرها . وإذا كان متعذرا تقصى الأسباب الموضوعية هاهنا ، فلا يفوتنا ذكر سببين هامين على الأقل هما : 1- عدم دخولنا المرحلة العلمية ؛ على نحو تصبح فيه كل قضايانا الاجتماعية وغيرها طوع المعالجة البحثية العلمية ، وهو ما تدخر له المبادئ والأحكام والقيم الإسلامية ثروة نادرة من المناطات والموجهات الواعدة بنموذج اجتماعي متحضر وراقي.

2 - غياب الإطار المنهجي الذي نفهم من خلاله عمق وحقيقة المتغيرات السلبية والايجابة للمجتمع الإسلامي المعاصر . ولعل السبب في هذا إنسياقنا وإغراقنا في ما ينبغي أن يكون ، دون تحليل جيد لما هو كائن ، وكيف نسير به إلى ما ينبغي أن يكون.

أما فكرة البديل الإسلامي الجاهز للتطبيق ، فأعتقد أن المسألة لا تخلو من نية إرباك عن قصد أو عن إدراك غير سليم ؛ فالملائم لمشاريع التغيير أن تطرح فلسفتها ومبادئها ، وميادينها التي تريد استهدافها . وتعمل في المقابل على الإعداد الفكري والعلمي (ومنه\الخبرات العلمية ) لإطاراتها ونخبتها الجيدة والممتازة . مع محاولة فهم الواقع فهما علميا دقيقا.

وعلى ضوء كل هذا ترسم خطط عملها وحركتها الواقعية كي توجد في المجتمع القابلية لتلقى البديل الإسلامي من خلال واقعه ومشكلاته ، واحتياجاته ، مع التعديل والتقويم المناسبين لأسسه العقائدية والأخلاقية على وجه الخصوص.

بقيت ملاحظة مهمة ، هي أن بقدر حاجة البديل الإسلامي لكنوزه الإسلامية خصوصا المصادر الخالدة، فهو مطالب بالتفاعل العميق الواسع مع المنتج الفكري والبحثي ، والإبداعي المعاصر دون تهيب ولا تحقير .وأن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده الصالحين.
التعليقات (0)