أيام قليلة باتت تفصل طلاب
المدارس في
دمشق عن بداية استثنائية أخرى، لعام دراسي جديد وسط جو مشحون عقب تصعيد العمليات العسكرية في بعض الأحياء على أطراف العاصمة وغوطتيها، وتساقط المزيد من قذائف الهاون التي باتت تحصد أرواح العديد من الدمشقيين عشوائيا في مختلف مناطق العاصمة، الأمر الذي أدى لتفاقم مخاوف الأهالي من الأخطار المحدقة بأبنائهم، وسط انعدام الأمان الذي كان يغطي المشهد السائد في دمشق في الأعوام الماضية.
وفي بداية كل عام تبدأ الخلافات والنقاشات بين الأهالي المقيمين في دمشق حول سبل تأمين دراسة أطفالهم، فخالدة وهي أم لثلاثة أطفال لا يتجاوز كبيرهم العشرة أعوام، تقول: "جميعنا نتفق على ضرورة استكمال الأطفال لتعليمهم وعدم حرمانهم من أبسط حقوقهم، لكن القذائف العشوائية والانفجارات المباغتة تزيد من مخاوفنا، خصوصا بعد استشهاد عدة أطفال العام الماضي في باب توما عقب سقوط قذيفة في مدرستهم".
ولذا يلجأ الأهالي لتسجيل أبنائهم في مدارس الحي القريبة، وإن كانت تتفاوت في مستواها التعليمي، لضمان الوصول إليهم بسرعة في حال حدوث طارئ.
من جهة أخرى، أوضح "أبو محمد" أنه انتقل من مكان سكنه مؤخرا واستأجر في مكان آخر رغم الأسعار المرتفعة، بهدف أن يكون أبناؤه في مدرسة قريبة بمكان آمن، فمنطقة العباسيين تشهد في الفترة الأخيرة تساقط العشرات من القذائف، وسط تشديد أمني وعسكري غير مسبوق، دفع بالكثير من السكان لتغيير أماكن سكنهم خوفا على حياتهم وحياة أبنائهم.
جحيم الأسعار
رغم أن معظم الأطفال باتوا يعدون الأيام لبدء العام الدراسي الذي أصبح "على غير العادة" متنفسا لهم للالتقاء بالأطفال الآخرين، فإن ارتفاع الأسعار الشديد بات يشكل أزمة أخرى تثقل كاهل الأسرة خصوصا في شهر أيلول/ سبتمبر الذي يتطلب ميزانية خاصة بطبيعة الحال لترافق افتتاح المدارس مع موسم "التحضير لمونة الشتاء" التي قد تحرم منها العديد من العائلات بسبب ارتفاع الأسعار.
ويوضح "خالد" أحد سكان دمشق، أن شراء المستلزمات المدرسية لطفليه قد يمنعه هذا العام من "المونة" فمتوسط دخل العامل في دمشق يتراوح وسطيا بين 25 إلى 30 ألف ليرة سورية شهريا في معظم الأحوال، في حين تتجاوز كلفة تأمين المستلزمات المدرسية للطالب الواحد 14 ألف ليرة سورية (93 دولار تقريبا)، وسط ارتفاع الأسعار هذا الموسم بنسبة تتراوح بين 200-300%، بحسب ما أوردت صحيفة الثورة الناطقة باسم النظام السوري.
ويضيف خالد، أن أسعار المستلزمات المدرسية تتفاوت بين منطقة لأخرى وسط غياب شبه تام للرقابة على الأسعار "فسعر الحقائب المدرسية يتراوح بين 1200 و4500 ليرة (9-29 دولار) باختلاف المناطق"، مبينا أن "تأمين المستلزمات الأساسية لأطفاله قد لا يكفيه مرتبه الشهري ناهيك عن ارتفاع أسعار الموصلات".
ويوضح أن أصحاب وسائل النقل يستغلون الوضع برفع الأسعار خصوصا وأن بعض العائلات قد غيرت مكان إقامتها ما يجبرهم على الرضوخ لما يطلبه السائقون من مبالغ مقابل تأمين توصيل أبنائهم إلى المدارس وإن كانت في نفس الحي في أغلب الأحيان.
طرق بديلة
وفي ظل كل ما سبق تحاول بعض العائلات من ذوي الدخل المحدود القليل تدبير أمورها بطرق تناسب وضعها الحالي، حيث توضح السيدة "مها" لجوءها لإعادة تدوير الألبسة المدرسية القديمة لأبنائها من خلال إصلاحها بحيث يستطيع الأخ الأصغر ارتداءها بدلا من شراء ألبسة جديدة بهدف تخفيف المصاريف بعد تجاوز سعر اللباس المدرسي 6000 ليرة سورية (40 دولار).
في حين، أوضحت السيدة "أم علاء" وهي المعيلة لعائلتها المؤلفة من أربع أطفال والتي تقطن مع عائلتها في منزل مكون من غرفة واحدة بعد هربها من الريف المشتعل أنها اضطرت لبيع الجزء الأكبر من المعونات الغذائية التي تقدم لها لتستطيع شراء القرطاسية اللازمة لأبنائها.
وقالت: "استكمال التعليم هو الحلم المتبقي لأبنائي بعد كل ما مروا به من ظروف صعبة في الأعوام الماضية، والتي اضطرتهم لإيقاف الدراسة عاما كاملا، لذا سأبذل كل ما أستطيع من جهد لتحقيقه".