كثر الكلام وتعددت السيناريوهات حول عملية
اغتيال قيادة "حركة
أحرار الشام الإسلامية" ليل الثلاثاء 9 أيلول/ سبتمبر. وكما في كل مرة يبكي البعض ويفرح آخرون وتضيع خيوط ما جرى في الاتهامات المتبادلة التي تأتي من كل حدب وصوب كما التحليلات السطحية والمتسرعة لحدث يستأهل التدقيق نظرا لما سيكون له من تداعيات مفصلية على الساحة السورية في الأيام والأشهر المقبلة.
اغتيل حسان عبود، أبو عبد الله الحموي أمير "حركة أحرار الشام الإسلامية" وعدد من قيادات الصف الأول وهم: أبو يزن الشامي، وأبو طلحة المخزومي، وأبو عبد الملك الشرعي، وأبو أيمن رام حمدان القائد العسكري، ومحيي الدين الشامي نائب حسن عبود، وأبو حمزة، وأبو أيمن الحماوي، وأبو سارية الشامي، وأبو يوسف بنش، وطلال الأحمد تمام، وأبو الزبير الحماوي.
وبعد دقائق من وقوع الانفجار في بلدة رام حارم في إدلب، وتحديدا في ما يعرف بـ"المقر صفر"، وهو عبارة عن مقر أمني بامتياز تابع للقيادي أبي أيمن، بدأت الإشاعات تسري من كل حدب وصوب. بداية قيل إن التفجير انتحاري ونسب لـ "
تنظيم الدولة- داعش"، وما زاد الذين قالوا ذلك تأكيدا إلا فرحة عدد من جنود وأمراء "تنظيم الدولة" بمقتل قيادات كانت معادية لها، ذلك بالرغم من صدور بيان شبه رسمي عن التنظيم يدعو للتروي.
ثم تم تداول خبر سيارة مفخخة، وبعدها قصف بالطيران، ومن ثم قصف كيميائي، وإلى ما هنالك من سيناريوهات.. إلا أن المؤكد كان خبر تصفية قيادة "حركة أحرار الشام الإسلامية" برمتها.
كيف تمت عملية الاغتيال ولمن؟
قال أحد مصادر فرانس برس في منطقة ريف إدلب، إن "مكان الحادث يعتبر من أكثر الأماكن أمنا وتأمينا لأحرار الشام. فضلا عن أن الاجتماع كان يدور تحت الأرض وكانت عدة حواجز تحيط بالمكان بدائرة واسعة، ما يجعل وصول سيارة مفخخة أو حتى ركنها في المكان مستحيلا عمليا". كما أنه أكد لنا أنه "لا يوجد لقاعة الاجتماع إلا باب واحد محروس حراسة شديدة، ما يجعل وصول أي انتحاري للمجتمعين مستحيلا". ذلك قبل أن يضيف أن "وجود مدخل واحد للصالة جعلها فخا مُحكما للمجتمعين لأن الانفجار الذي حصل في معمل للذخيرة هو الآخر تحت الأرض وبجوار مكان الاجتماع والغازات [أي دخان المواد المتفجرة] التي تسربت هي التي أدت لمقتل المجتمعين".
غير أن المصدر أكد في الوقت نفسه وبشكل قاطع أن "الانفجار الذي حصل في المعمل لم يكن حادثا عرضيا بل كان معدا له ومقصودا". ذلك قبل أن يقول جازما أنه "لا يمكن أن يكون من زرع عبوة في المصنع إلا من صفوف أحرار الشام ومن الملمين بجغرافية المكان. ما يدل على أنه هنالك خيانة من داخل الحركة، وما يؤكد ذلك أيضا هو قلة عدد الأشخاص الذين كانوا على علم بساعة ومكان الاجتماع، الذي أتى إليه حسان عبود من خارج
سوريا".
من المستفيد؟
من المؤكد أن النظام السوري سيستفيد من تصفية قيادة "أحرار الشام" التي تعتبر من الرعيل الأول في الحراك العسكري ضده منذ بداية الثورة السورية. فعدد من القيادات وعلى رأسها حسان عبود نفسه، هم من المعروفين لدى السلطات السورية، وكانوا في سجن صيدنايا الذائع الصيت إلى أن صدر بحقهم العفو الرئاسي الشهير عام 2011. فهؤلاء مجتمعين نجحوا ببناء "حركة أحرار الشام" وهي من أكثر الفصائل تنظيما وأوفرها عدة وعديدا واحترافا في العمل العسكري والسياسي، وهي عماد ما يعرف بـ"الجبهة الإسلامية".
والحركة معروفة بقربها من "جبهة النصرة" فكريا وعملانيا، فلقد خاض الفصيلان معارك كبيرة جنبا إلى جنب ضد الجيش السوري. والحركة تعتبر من المعادين لـ"تنظيم الدولة" ولذا فإن القضاء على قيادتها سيكون مفيدا لـ"تنظيم الدولة"، أقله من الناحية المعنوية، كونها تحملهما مسؤولية الصراع معها وتتهمهما بـ"الردة".
من جهة أخرى، يرجّح بعض المحللين أن تكون الولايات المتحدة قد نفّذت عمليّة استخباراتيّة دقيقة استهدفت من خلالها قيادات الحركة، قبيل الإعلان عن القوى التي ستشاركها في العمليات على الأرض ضد "داعش"، وذلك لاستبعاد الحركة المتحالفة مع القوى المرشّحة للشراكة مع واشنطن، والتي ترى أن الحركة هي الأكثر تشدّداً بين التشكيلات المعتدلة التي تنوي القتال إلى جانبها.
وأصدر "الائتلاف" الوطني المعارض، أمس الأربعاء، بياناً دان فيه استهداف قادة الحركة، واعتبر أن "مرتكب هذه الجريمة النكراء، أيّاً كان، ليس إلا عدوَّ الشعب السوري وثورته العظيمة". وأضاف: "لقد تصدّى أبو عبد الله الحموي، برفقة قادة الحركة وجنودها، لمهام الدفاع عن المدنيين وحمايتهم من بطش نظام الأسد، وكان لهم مساهمات كبيرة في الثورة، وفي ما يتعلق بقيادة العمل المسلح في مختلف أنحاء سوريا، والدفاع عن حقوق الشعب السوري المُطالِب بالحرية والكرامة". وأرجع البيان سبب التفجير إلى سيّارة مفخخة استهدفت اجتماعاً لقادة الحركة.
فضلا عما سبق، فإنه عندما نرى من تسلم زمام الأمور، أي القيادة الجديدة، يمكننا أن نتخيل أن الحركة تتجه نحو مزيد من الصراع مع "تنظيم الدولة"، فالقيادات الجديدة وعلى رأسها الأمير الجديد أبو جابر المسكني، وهو من مدينة مسكنة، وأبو صالح من مدينة تفتناز وهو القائد العسكري الجديد، لديهما ثأر قديم مع "الدولة" قد يؤدي لتفاقم الوضع ميدانيا.
من ناحية أخرى، فإن البعض يلمح إلى أن هذه الضربة التي تلقتها الحركة، وقربها من جبهة النصرة، قد يؤديان إلى تضعضعها وانشقاق عدد كبير من جنودها نحو ذراع القاعدة السوري في الأيام والأشهر المقبلة نتيجة لأداء القيادة الجديدة، لكن البوادر الأولى لردة فعل أبناء الحركة ترجّح عكس ذلك.
نهاية تُذّكر هذه العملية التي أطاحت بقيادة "حركة أحرار الشام الإسلامية"، وإن اختلفت الوسيلة، باغتيال عبد القادر الصالح قائد لواء
التوحيد. وكما أنه كان اغتيال الصالح، الذي لم يكن يحبذ الدخول في صراع بين الفصائل، سابقا للصراع المفتوح مع "الدولة الإسلامية في العراق والشام" في وقته، قد تكون تصفية حسان عبود وقيادة "أحرار الشام"، القريبة من "جبهة النصرة" والتي لم تحبذ التقاتل ما بينها وبين عدد من فصائل الجيش الحر مؤخرا، بادرة حرب ترتسم ملامحها يوما بعد يوم في الشمال السوري ما بين فصائل الجيش السوري الحر وتنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الشام.