لا تشعر سهى رضوان بأي ضيق أو ملل، وهي تلبي كافة احتياجات ابن أخيها الصغير والذي لم يتجاوز عمره الثلاثة أعوام.
كل ما تريده رضوان (39 عاما)، هو أن ينعم الطفل مالك بأيام جميلة، وحياة هادئة، تعوضّه عن فراق والديّه، وتنسيه أوجاع اليُتم، وما أورثتّه إياه الحرب
الإسرائيلية الأخيرة على قطاع
غزة، التي استمرت لـ"51" يوما، وأسفرت عن مقتل وجرح آلاف الفلسطينيين.
وتقول رضوان عمة الطفل، إنها قامت باحتضان وكفالة مالك، بعد مقتل والديه واثنين من أشقائه، في قصف إسرائيلي استهدف منزلهم، خلال "
العدوان" الإسرائيلي الأخير.
وأضافت: "كان هو الناجي الوحيد، من أسرة أخي، وقمت باحتضانه، وبدأت أربيه وأرعاه، وأتكفل بشؤونه، زوجي لم يعارض ذلك، فأجر كفالة اليتيم (الجنة) فكيف إذا كان هذا اليتيم ابن أخي؟".
ولا يمكن وفق رضوان، أن تُلقي أسرتها بالطفل إلى إحدى المؤسسات أو الجمعيات التي ترعى وتكفل
الأيتام.
وتستدرك بالقول: "ما دمنا قادرين على رعايته فنحن أولى بكفالته، وتقديم الرعاية اللازمة له، حتى يكبر".
وتؤكد رضوان، أنّ الأسر الممتدة، تقوم بدور المعاهد والملاجئ، وأنّه لا حاجة لها في ظل رعاية هذه الأسر لأقاربهم وذويهم.
وتتكفل الأسرة الممتدة، (المكونّة من الأجداد والعمات والأعمام، وأبناء العم)، برعاية وكفالة الأيتام، وتعد هذه الصورة الأكثر حضورا، وتداولا بين سكان قطاع غزة.
ولا تسمح العديد من العائلات كما يؤكد مؤنس سالم (52 عاما) والذي تكفل برعاية ابنة شقيقه (لين 5 سنوات)، التي فقدت كافة أفراد أسرتها، خلال الحرب الإسرائيلية، بأن يذهب الأيتام إلى المراكز بعيدا عن عيون أقاربهم.
وأضاف سالم: "هناك مؤسسات ترعى وتكفل الأيتام، ولكن قلة من يرضى بأن يبقى اليتيم خارج أسرته الممتدة، طوال اليوم، كأن ينام ويصحو هناك".
وأشار إلى أن اللجوء إلى الجمعيات الخيرية التي ترعى الأيتام يكون من باب جلب الدعم النفسي، والمالي لمن لا يستطيع تحمل نفقات الكفالة.
وفي الوقت الحالي، تعكف الوزارات، والجمعيات والمؤسسات الخيرية المختصة برعاية الأيتام، على البحث عن كفالة مالية ومعنوية، للأيتام الذين خلّفهم العدوان الإسرائيلي الأخير.
وتقول "اعتماد الطرشاوي"، المدير العام للرعاية الاجتماعية، بوزارة الشؤون الاجتماعية الفلسطينية، في حديث لوكالة الأناضول، إنّ هناك (2000) يتيم، بفعل الحرب الإسرائيلية الأخيرة، فقدوا والدهم، أو والدتهم، وفي كثير من الحالات فقدوا الاثنين معا".
وأشارت "الطرشاوي"، إلى أن الوزارات، والمؤسسات المختصة برعاية الأيتام، ستواجه "أزمة في استيعاب هؤلاء الأيتام، وتقديم الرعاية اللازمة لهم".
وتسببت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي بدأت في السابع من يوليو/ تموز الماضي واستمرت 51 يوما، باستشهاد 2156 فلسطينياً، وإصابة أكثر من 11 ألفاً آخرين، بحسب مصادر طبية فلسطينية، فضلا عن تدمير 9 آلاف منزل بشكل كامل، و8 آلاف منزل بشكل جزئي، وفق إحصائيات لوزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية.
وتوصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، في 26 من أغسطس/ آب الماضي، إلى هدنة طويلة الأمد، برعاية مصرية، تنص على وقف إطلاق النار، وفتح المعابر التجارية مع قطاع غزة، بشكل متزامن، مع مناقشة بقية المسائل الخلافية بعد شهر من الاتفاق.
وبحسب الطرشاوي فإنّ هناك أنواعا من كفالة الأيتام في قطاع غزة، وأكثرها انتشارا، هي كفالة الأسرة الممتدة، ويكون ولي الأمر بحسب درجة القرابة، كأن يكفل اليتيم عمه أو جده أو خاله، ويكون ولي أمره الأقرب فالأقرب، وترعى هذا اليتيم الوزارات والمؤسسات المعنية بتقديم كفالة مالية لليتيم.
ولفتت الطرشاوي إلى أن أكثر الأيتام تتم معاملتهم وفق هذه الحالة، مشيرة إلى أن العديد من كافلي الأيتام في الداخل والخارج يتعهدون شهريا بتقديم كفالة لليتيم (لا يتم تحديد سقف أدنى أو أعلى للمبلغ الذي يتم تقديمه).
وهناك نوع آخر من الكفالة، يتم عن طريق تقديم رعاية كاملة للأيتام من مبيت ومأكل، وملبس وكافة التفاصيل الأخرى، غير أن قلة من المؤسسات والجمعيات بغزة تنفذه، كما تؤكد الطرشاوي، نظرا لصعوبة تحقيق الأمر، بسبب الاحتياجات المادية الهائلة، إضافة لرفض كثير من العائلات لفكرة إقامة أقاربهم في مراكز دائمة.
وتتابع: "وهناك الكفالة عن بعد، كأن ترعى إحدى الجمعيات أو العائلات أو المؤسسات في الخارج، أحد الأيتام وتتكفل برعايته شهريا، وبعد انتهاء الحرب تواصل عدد كبير من الأشخاص من ماليزيا، وتونس، ودول أخرى لتبني أيتام كي يقيموا بشكل دائم معهم، لكنْ هناك رفض رسمي لهذه الفكرة، وشعبي أيضا".
وأكدت الطرشاوي، أنّ طبيعة المجتمع في قطاع غزة، وشكل الأسر الممتدة يجعل من تبني الأيتام أمرا صعبا، مشددة على أن اليتيم يحظى بالدرجة الأولى برعاية عائلته الممتدة بحسب درجة القرابة، وتكون هي الملاذ والحضن الدائم والأول له.
وقام معهد الأمل للأيتام، بضم نحو 200 يتيم، خلفتهم الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، بحسب إياد المصري مدير المعهد.
ويؤكد المصري، أن المعهد هو الوحيد في قطاع غزة، الذي يقوم برعاية الأيتام، على مدار الساعة.
وتابع: "المعهد يحتضن نحو 700 يتيم، يقيمون إقامة دائمة في المعهد، ونوفر لهم الإيواء، والرعاية الصحية والنفسية".
ويعتمد المعهد، وفق المصري، على التبرعات الداخلية والخارجية، مشيرا إلى صعوبة التعامل مع العدد الكبير الذي خلفته الحرب الإسرائيلية.
واستدرك بالقول: "قمنا باستيعاب نحو 200 يتيم، لكن الحديث يدور هنا عن ألفي يتيم، هؤلاء بحاجة إلى مراكز إيواء، ومؤسسات تقدم الرعاية الكاملة، على مدار الساعة".
ويرى المصري، السبب الحقيقي في قلة المعاهد والملاجئ هو كفالة الأسر الممتدة لأيتامها مضيفا: "العائلات تتحفظ على ظاهرة الملاجئ، فلا يمكن لعائلة مقتدرة أن تُلقي بأبنائها بالملجأ".
وتقوم عدة جمعيات خيرية، في قطاع غزة بكفالة الأيتام عبر كفلاء في الداخل والخارج، وقالت جمعية الصلاح الخيرية في قطاع غزة، والتي تقوم بكفالة نحو 6 آلاف يتيم، إنها أرسلت طلبات جديدة إلى جهات كافلة في الداخل والخارج، لتقديم الكفالة الشهرية لمئات اليتامى الجُدد.
وقالت الجمعية، إنّ الوضع الاقتصادي، والإنساني الصعب في قطاع غزة، يجعل من توفير الدعم للأيتام أمرا صعبا.
ومنذ أن فازت حركة "حماس"، التي تعتبرها إسرائيل "منظمة إرهابية"، بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير/ كانون الثاني 2006، تفرض إسرائيل حصارًا بريا وبحريا على غزة، شددته إثر سيطرة الحركة على القطاع في يونيو/ حزيران من العام التالي، واستمرت في هذا الحصار رغم تخلي "حماس" عن حكم السلطة بغزة، وتشكيل حكومة التوافق الوطني الفلسطيني في يونيو/ حزيران الماضي.
ويرى درداح الشاعر، أستاذ علم النفس بجامعة الأقصى بغزة، أن أفضل الطرق لكفالة الأيتام ورعايتهم هي احتضان الأسر الممتدة لهم.
وأكد الشاعر، أن بيئة غزة المحافظة، إضافة إلى تماسك العائلات فيها، يجعل من كفالة اليتيم أمرا سهلا لتلك العائلات.
وأضاف: "تبقى
العائلة الممتدة هي الأفضل لليتيم، فبحكم صلة الرحم والقرابة، لن يجد اليتيم نفسه غريبا، بل سيكون مؤهلا للاندماج، والتعافي من آثار الفقد".
غير أن الشاعر، شدد في ذات الوقت على أهمية دعم الجمعيات الخيرية، سواء في الداخل أو الخارج للأيتام.
ويبلغ عدد الأيتام في قطاع غزة قرابة 20 ألف يتيم بفعل حروب إسرائيل على القطاع أو الوفاة الطبيعية، وفق إحصائية لوزارة الشؤون الاجتماعية الفلسطينية.