كتب دانيال ويليامز، الباحث السابق في منظمة "هيومان رايتس ووتش" ومراسل صحيفة "واشنطن بوست" في مدينة إربيل عن وضع المسيحيين في
العراق.
وجاء في مقاله "في جزء من خطابه الذي ألقاه يوم 10 أيلول/ سبتمبر من أجل مواجهة "تنظيم الدولة" المعروف بـ "
داعش"، لم يتحدث الرئيس باراك أوباما إلا قليلا عما يجب عمله من أجل مساعدة المسيحيين والأقليات، الذين طردوا من المدن والبلدات في شمال العراق وعودتهم لها". وقال الرئيس أوباما: "لن نسمح بطرد هذه المجتمعات من أرض أجدادها".
ويعلق الكاتب أن أوباما مخطئ في كلامه؛ فلن يعود حوالي 120,000 عراقي، ممن فروا إلى كردستان في حالة غياب من طردوهم.
ويقول: "هذا الشهر قضيت العشرة أيام الأخيرة مع اللاجئين المسيحيين في مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، وكانوا مصرين على أنهم لن يعودوا للموصل والمدن القريبة منها أو ما يعرف بسهول نينوى".
مضيفا أن أمر عودتهم "ليس ببساطة؛ لأن هؤلاء المسيحيين مروا بتجربة قاسية، فقدوا كل شيء بما في ذلك بيوتهم وأعمالهم، وفي بعض الحالات قضوا أياما بل وأسابيع في الحبس، حيث تعرضوا للضغوط ليعتنقوا الإسلام، وخُطف الأطفال من أحضان أمهاتهم من أجل الفدية، وملئت الحافلات بالشباب الذين نقلوا إلى أماكن مجهولة. وليس لأن جيرانهم، كما يقولون، انضموا للقتال مع (داعش)".
ويرى الكاتب أن الأشهر الثلاثة الأخيرة، تعتبر للمسيحيين، ذروة جحيم الـ 11 عاما الماضية "فنحن الأميركيون لدينا ذاكرة قصيرة، حيث بدأ
المسيحيون يعانون مشاكل في أقل من عام بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003. وقد عانوا أحيانا من القاعدة، التي كانت تعمل على عودة سيطرة السنة على الحكم، وكذلك من المقاتلين الشيعة، الذين كانوا يقاتلون السنة ولكن لديهم الوقت الكافي لاضطهاد المسيحيين".
ويشير ويليامز إلى أنه "قد بدأت ملاحقتهم بالهجمات على المحلات التي تبيع الخمور، وفي آب/ أغسطس تم وضع متفجرات خارج خمس كنائس في العاصمة بغداد وفي مدينة الموصل، وقتل فيها 11 شخصا، وتم تفجير كنيستين في تشرين الثاني/ نوفمبر، وبعدها بدأ المسيحيون بالهرب إلى كردستان والأردن. ومنذ تلك الفترة تم تفجير60% من كنائس البلد، وكان آخرها الهجوم على كنيسة في بغداد في يوم عيد الميلاد".
كما وكان القساوسة والأساقفة هدفا محددا للهجمات، من أجل إرسال رسائلهم لرعاياهم أن لا أحد آمنا في العراق، بحسب الصحيفة.
ويضيف: "قام مسلحون بقتل أحد القساوسة الكلدانيين الكاثوليك، وثلاثة شماسين في حزيران/ يونيو 2007؛ وذلك لأنهم رفضوا اعتناق الإسلام. واختطف مسلحون اسقف الكلدان "بول راحو" وقتلوا سائقه واثنين من حراسه. ووضع الخاطفون الأسقف في صندوق السيارة، حيث كان قادرا على الاتصال مع صديق له، عبر هاتف نقال، وطلب منه إخبار الكنيسة عدم دفع فدية. وعثر على جثته في قبر ضحل".
ويواصل بقوله إن "الهجمات استمرت على المسيحيين العاديين، وتلقت النساء رسائل تهديد تطلب منهن التوقف عن العمل، فيما تلقت عائلات تهديدات بالموت مقابل (دفتر)، وهو تعبير محلي لمبلغ 10,000 دولار أميركي. وطرد المسيحيون من حي الدورة في بغداد". وكل هذا سبق "تنظيم الدولة" المعروف بـ "داعش"، وتم دفع فدية لتخليص قسيس قيمتها 85,000 دولار في بغداد قبل 7 أعوام، حيث حذره صديق مسلم من البقاء في البلد، وفق ما أوردته الصحيفة.
ويؤكد الكاتب أن هجرة المسيحيين مستمرة، متسائلا: "ألم يلاحظ أحد كيف انخفض عدد المسيحيين في العراق من أكثر من مليون نسمة عام 2003 إلى 300,000؟، واليوم لم يتبق ولا أي مسيحي في الموصل أو سهل نينوى".
وعندما سأل الكاتب المسيحيين عن خططهم قالوا إنهم يريدون مغادرة العراق بشكل كامل، وهي رغبة تعارض ما يريده من في خارج العراق لهم، وهو بقاؤهم في الأرض التي شهدت
المسيحية قبل ألفي عام "إنه محزن ولكن صحيح: انتهت المسيحية في العراق"، مضيفا "أخبرني أحد اللاجئين (نريد العراق ولكن العراق لا يريدنا)".
ويلفت الكاتب إلى "أن المساعدة الإنسانية التي تحدث عنها أوباما جيدة وضرورية، لكن المشكلة الكبرى التي تواجه اللاجئين، لم يتم التصدي لها، وهي حقيقة عدم عودة اللاجئين لبلادهم مرة أخرى".
ويتحدث الكاتب للصحيفة عن الدور الذي يمكن للولايات المتحدة وأوروبا لعبه لتوفير حماية مؤقتة للاجئين الذين لا يستطيعون العودة لبيوتهم، وهو ترتيب لا يشبه اللجوء، ومع ذلك يمكن تقديم الدعم الاقتصادي للناس حتى يستطيعوا الوقوف على أقدامهم، مع الحفاظ على إمكانية عودتهم لبلدهم العراق. فقد قامت فرنسا بنقل عدد من الرحلات الجوية المحملة بالمسيحيين من كردستان، وهناك حاجة لعمل المزيد "ويجب على الدول الأوروبية التعاون معا، وتقديم اللجوء لعشرات الآلاف ممن يريدون مغادرة العراق".
ويختم ويليامز قائلا: "نعم قد تكون نهاية المسيحية في هذا الجزء من العالم، حيث كان وجودها دائما حاجزا ضد
التطرف، ولكن انتهى الأمر مهما حدث لـ (تنظيم الدولة)، فقد حان الوقت كي نواجه الحقيقة وينقذ المسيحيون أنفسهم".