شكك خبراء عسكريون ومحللون سياسيون أمريكيون، في فاعلية ومدى الجدوى التي يمكن أن تحققها الضربات الجوية التي ينفذها التحالف الدولي الذي تقوده بلادهم ضد تنظيم "
داعش" في
سوريا والعراق.
واختلف الخبراء والمحللون، مع الرئيس الأمريكي، باراك
أوباما، بشأن استراتيجية إدارته المعلنة في حربه على "داعش"، فيما استبعد بعضهم إمكانية القضاء على التنظيم عسكريا في المستقبل القريب.
وتقوم استراتيجية أوباما في مواجهة "داعش" على تنفيذ ضربات جوية من قبل الولايات المتحدة وحليفاتها، يصاحبه تقدم بري تشنه القوات الكردية والجيش
العراقي في العراق، بالإضافة إلى مساندة قوات المعارضة السورية المعتدلة عبر الضربات الجوية بالإضافة إلى تسليحها وتدريبها.
وقال لورنس كورب، المساعد السابق لوزير الدفاع كاسبر وينبرغر في عهد الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان: "لن تستطيع تدميرهم (داعش) عسكريًا، سواء أكان ذلك باستخدام قوات أرضية أم جوية".
ومضى قائلاً إن "ما تريد فعله هو إضعافهم حتى لا يكونوا تهديدًا للمنطقة أو العالم، ثم أنت تريد تقويض دعايتهم التي تصورهم على أساس أنهم المستقبل الذي يريد الناس رؤية المسلمين يأخذون موقعهم الصحيح في العالم"، وذلك في إشارة إلى دعوة "داعش" لإعادة الخلافة الإسلامية.
كورب اعتبر أن اشتراك 5 دول سنية مسلمة في العمليات العسكرية (السعودية والأردن وقطر والبحرين والإمارات) كان جزء من عملية تقويض دعاية "داعش"، كونها إشارة واضحة إلى أن هذه الدول ذات الأغلبية الإسلامية السنية لا ترى في "داعش" تمثيلاً شرعياً للإسلام.
ولا يتفق الأستاذ المساعد في كلية سانفورد من جامعة "دوك"، دايفيد شانزر، كذلك مع استراتيجية أوباما وتحديدا الضربات الجوية كونها "غير كافية لتدمير داعش"، لأن القوة الجوية قادرة على إيذاء التنظيم وليس إزاحته من الأراضي التي يسيطر عليها.
شانزر لم يكن متفائلاً في قضية اعتبارا أوباما تدمير داعش هدف استراتيجي، مشيراً إلى أنه لا يرى إمكانية حصول ذلك "في المستقبل القريب".
الأكاديمي الأمريكي المتخصص في السياسات العامة، قال إنه لا يرى إن أوباما يملك صلاحيات حقيقية لشن حرب على "داعش" قائلا "لا أعتقد أن التخويل باستخدام القوة الذي تم إمراره بعد 11 سبتمبر (أيلول عام 2001) ينطبق على وضع داعش".
شانزر لفت إلى أنه على الكونغرس الأمريكي أن "يقوم بالتصويت" على قضية تخويل الرئيس بشن الحرب على "داعش".
ويخوض أوباما الحرب على "داعش" في سوريا والعراق مستنداً إلى تخويل قديم كان الكونغرس قد منحه لسلفه جورج بوش الابن على خلفية أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 لمواجهة تنظيم القاعدة، إلا أن أوباما عاد ليطلب معونة الكونغرس في 10 سبتمبر/أيلول من هذا العام لإصدار تخويل لإدارته لتدريب وتسليح المعارضة السورية المعتدلة، بغية استكمال استراتيجيته لمواجهة "داعش".
وبرغم اعتراض الكونغرس بغالبيته من الحزب الجمهوري على ما يعتبره تجاوزاً للرئيس الأمريكي الذي ينتمي للحزب الديمقراطي على صلاحيات الكونغرس فقد قام بالموافقة على منحه تخويلاً مؤقتاً حتى 11 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الجاري لتدريب وتسليح المعارضة السورية.
ودخل البرلمان الأمريكي بفرعيه الشيوخ والنواب في إجازة للتهيؤ للانتخابات الفصلية حيث يتم انتخاب 435 عضواً في مجلس النواب و33 من أصل 100 عضوا في مجلس الشيوخ.
المحلل السياسي والعسكري والخبير في الشرق الأوسط، مارك بيري، يرى أن السؤال الذي أغفلته الإدارة الأمريكية هو "ما الذي سيأتي بعد هزم داعش في العراق؟".
ويقول بيري، إن قتال "داعش" ما هو إلا هدف عسكري وما أخفقت الإدارة الأمريكية عن فعله هو التمهيد للهدف السياسي، معتبرا أن كل ما تردده الحكومة الأمريكية عن استقرار العراق هو مسألة لا يمكن تحقيقها لأنها لم تضع طريقاً للوصول إليه.
ويرى المقدم المتقاعد في القوات الخاصة الأمريكية ومدير معهد الاستقرار (بحثي غير حكومي)، سكوت مان، أن أهم الوسائل لتحجيم "داعش" وإنهائها يتمثل في التواصل مع المجتمع المحلي.
وقال مان "اعتقد أن القوات المحلية تستطيع أن تكون مؤثرة بشكل فاعل جداً"، إلا أنه يرى أن هنالك مسؤولية تقع على كاهل الأمريكان تتعدى التدريب والتسليح قائلا "إذا أردت تدريب السكان المحليين وتسليحهم فعليك واجب أخلاقي في أن تكون معهم".
ويعتقد مان، أنه من الأهمية بمكان أن تقوم الإدارة الأمريكية بإشراك القبائل في تدقيق خلفيات المقاتلين ضد "داعش" سواء في العراق أو في سوريا وفي اختيارهم كذلك، مستشهداً بتجربة الجيش الأمريكي في أفغانستان التي صار يتبعها في الفترة الأخيرة.
وقال "أعتقد أن أفضل رسالة هي ما نفعله في المراحل الأخيرة من الحرب في أفغانستان حيث تعيش القوات الخاصة في القرى وسط المجتمعات والقبائل لتساعدهم على الحرب ضد المتطرفين".
"مان" الذي قضى 23 عاما من حياته يخدم في أنحاء مختلفة من العالم في آسيا وأمريكا اللاتينية ومن ضمنها العراق وأفغانستان يعتقد أن ما أغفلته الإدارة الأمريكية هو انشغالها بالعلاقات الحكومية عن القيادات غير الرسمية في الأوساط الاجتماعية.
وقال "إنهم لا يمنحون القبائل السنية وغيرها من المجتمعات غير الرسمية المصداقية التي يجب منحها عندما يتعلق الأمر بالمجتمع المدني، حيث يكون تأثير الدولة في وسطها ضعيفاً"، وهو بحسب العسكري السابق في الجيش الأمريكي يترك هذه المجتمعات لتكون من حصة المتطرفين.
ومضى بالقول "انظر أين تعمل داعش الآن، إنهم لا ينشطون في صفوف الحكومة، إنهم يستخدمون المظالم التي يعاني منها المجتمع والقبائل".
ويرفض الرئيس الأمريكي باراك أوباما إشراك قوات أرضية في قتال داعش خوفاً من أن تجر الولايات المتحدة إلى حرب شبيهة بما حصل عام 2003 في العراق، مفضلاً عوضاً عن ذلك توجيه ضربات جوية وتقديم مساعدات الإنسانية.
ومنذ أغسطس/ آب الماضي تقوم القوات الأمريكية بشن طلعات جوية على "داعش" في العراق ولكنها توسعت مؤخراً عندما قامت بمساعدة كل من الأردن والإمارات والسعودية والبحرين وقطر بتوجيه ضربات جوية لأهداف لـ"داعش" في سوريا، إضافة لمجموعة "خراسان" التي قالت الإدارة الأمريكية إنها على صلة بتنظيم القاعدة.
وتدعو الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالف دولي لمحاربة داعش على مختلف الأصعدة منها السياسية والاجتماعية والإعلامية والاقتصادية والعسكري، حيث تقول إن هنالك أكثر من 40 دولة أعربت عن رغبتها في الانضمام إلى هذا الحلف.