كثر الجدل حول عزم المشير السيسي الزج بالجيش
المصري في
الأزمة الليبية. فقد صار جليا دعم النظام المصري الحالي للبرلمان في طبرق والحكومة المنبثقة عنه وسبق ذلك تأكيدات للواء حفتر عن تنسيق مع قادة الجيش المصري وتأييد القاهرة لعملية الكرامة. أيضا قاد
الإعلام المصري حملة تحذر من خطر "الإرهاب" في ليبيا وتحدثت رموز إعلامية وسياسية - لعبت دورا في دعم السيسي للوصول إلى الحكم - عن ضرورة تدخل الجيش لحماية مصر التي باتت مهددة من قبل "الإرهابين" على حدودها الغربية. بل وذهبت بعض التصريحات شبه الرسمية إلى اعتبار التدخل المباشر حق لمصر وشعبها في الانتفاع بثروة ليبيا التي ضاعت هباء ولم تستفد منها مصر. ويذهب البعض في تطرفهم إلى الادعاء أن الشرق الليبي هو امتداد لمصر بما في ذلك مناطق حقول النفط.
والمعروف أن الإعلام المصري المهيمن على المشهد الراهن موجه ويعمل وفق إشارات من دوائر صناعة القرار، فربما يكون الهدف هو ممارسة ضغوط على الطرف الليبي، ولا يُستبعد أن تكون الحملة، التي تهدأ ولكنها لا تتوقف، لتهيئة الرأي العام المصري لتدخل للجيش المصري في ليبيا، خصوصا بعد توقيع الاتفاقية الأمنية بين الحكومة المصرية وحكومة عبدالله الثني والتي تسمح لكلا الطرفين مساندة الآخر في حال وقوع اعتداء عليه، ومعلوم أن اتجاه "الدعم" سيكون من الشرق إلى الغرب وليس العكس، والأسباب معلومة.
لقد ظهر استعداد القاهرة للتدخل المباشر في ليبيا من خلال التنسيق الإماراتي المصري والذي وصل إلى حد قصف مواقع لقوات عملية فجر ليبيا في غرب البلاد. كما تُتِيح مناشدات رئيس البرلمان ورئيس الحكومة ووزير الخارجية الليبي
المجتمع الدولي بضرورة التدخل العاجل لحماية المدنيين ومؤسسات الدولة، تتيح الفرصة للنظام المصري للتحرك العسكري باتجاه ليبيا استجابة لهذه المناشدات وتنفيذا للاتفاقية الموقعة بين الطرفين، في حال قرر ذلك.
فرضية "تحويل الانظار باتجاه خطر داهم" ترجح خيار التدخل وذلك في ظل الوضع المتردي للبلاد وتفاقم الأزمة سياسيا واقتصاديا وأمنيا. فقد مر عام على إسقاط مرسي دون حدوث تحسن، بل الوضع اليوم أسوأ، وإذا علمنا بأنه لا أفق لمجابهة التحديات في المدى القصير والمتوسط خاصة مع تراجع الدعم السعودي الذي يؤكده مساعي السيسي فتح قناة مع إيران للتعويض، فإن التركيز على تعظيم خطر الإرهاب القادم من ليبيا واتخاذ خطوات مباشرة لمجابهته قد تكون الورقة التي تصرف أذهان المصريين عن الفشل، وتسمح بالسكوت عن الاخفاق اقتصاديا بحجة أولوية الإرهاب وخطره الداهم.
ينبغي ألا نغفل إن النجاح في تغليب كفة البرلمان وحكومة عبدالله الثني سيضمن أن تكون لمصر الأولوية في الحصول على امتيازات مباشرة من قروض ومشروعات إعمار وغيرها، يضاف إليها تسهيل عودة نحو مليوني مصري كانوا يعملون في ليبيا ورجعوا إلى مدنهم بعد تأزم الوضع خلال الخمس الأشهر الماضية، حيث يسهم هؤلاء بدرجة كبيرة في تحسين مستوى عيش ما يزيد عن 10 ملايين مصري وذلك في حال اعتبار أن معدل الإعالة في مصر خمس أفراد فقط. وأدى تفاقم الأزمة في ليبيا إلى أن تكون العمالة المصرية في ليبيا عبئا على الدولة بدل أن تكون وسيلة للتخفيف من الضغوط الاقتصادية.
من ناحية أخرى، ربما يتخوف السيسي وقادة أركان حكمه من أن يكون انتصار عمليتي "فجر ليبيا" في غرب البلاد و"ادخلوا عليهم الباب" في شرقها سبب لعزل ليبيا عن مصر، وأيضا ربما يتخوف من أن يكون نجاحهما سبب إلهام قطاعات يائسة من الشباب ممن يرون أن أحلامهم قد تلاشت بمجيئ السيسي للحكم، وأن سلميتهم ومظاهراتهم لن تجدي نفعا، وقد ينخرطون في عمل مسلح يزيد من تعقيد مهمة المشير في فرض الاستقرار وتحقيق الازدهار، وبالتالي فإن إفشال فجر ليبيا وادخلوا عليهم الباب سيعزز من فرص سيطرته على الوضع المصري.
بالمقابل، فإن أمام التدخل العسكري في ليبيا تحديات وعوائق وهواجس، فالموقف الغربي الذي تتزعمه الولايات المتحدة ربما لن يسمح بدخول الجيش المصري على خط الصراع في ليبيا وهم بالتالي قادرون على عرقلته وإفشاله. كما أن الدخول لليبيا لن يكون نزهة، ومع تأييد قطاع من الليبيين له إلا إنه سيعتبر غزوا من قبل الأغلبية وسيكون محركا لنوازع وطنية لأعداد أكبر ممن ينخرطون في العمل المسلح اليوم.
أيضا يتحدث مراقبون عن "عقدة اليمن" والتي ما تزال ماثلة في ذاكرة الجيش المصري منذ مطلع ستينيات القرن الماضي، وإذا أُضِيف إليها عقدة سيناء والفشل الذي تواجه القوات المسلحة المصرية في احتواء المسلحين فيها، فإن أمام السيسي الكثير ليفعله ليقنع الجيش بالتدخل في ليبيا، وأن حدث وفعلها السيسي فلا يمكن أن يكون قراره مدروسا، ولا يمكن أن يحقق مراده.