نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا لمراسلها في القدس بيتر بيمونت، قال فيه إن اتفاق إعادة بناء
غزة برعاية
الأمم المتحدة، ينتقده العديد من المسؤولين الدوليين الكبار والمنظمات غير الحكومية، حيث يقولون إن الاتفاق سيخلق نظام مراقبة جديدا لمواد البناء، جاعلا الأمم المتحدة في موقع مدير للحصار
الإسرائيلي المستمر.
وترى الصحيفة أن جوهر الخلاف يكمن في إصرار إسرائيل على تصنيف مواد الإسمنت والحديد والطوب كمواد ثنائية الاستخدام، وتقول بأن حماس استغلتها في الماضي لبناء الأنفاق.
وتشير الصحيفة بأن منتقدي هذه الخطة، التي تفرض قيودا على استيراد وتخزين ومبيعات مواد البناء، عن طريق تركيب كاميرات فيديو ومفتشين دوليين، وإنشاء قاعدة معلومات بأسماء الموردين وزبائنهم، يقولون إن هذه الخطة تصلح لمنع إنشاء مفاعل نووي، لا أن تكون خطة إعادة إعمار بعد الحرب.
ويقول بيمونت إن هذه الاتفاقية تمنح إسرائيل الحق في الموافقة على أو رفض مشاريع إعادة بناء وأماكن بنائها.
ويكشف بيمونت أنه لم يطلع على تفاصيل هذه الاتفاقية – التي سربت لصحيفة "الغارديان" - بين مبعوث الأمم المتحدة روبرت سيري والسلطة الفلسطينية وإسرائيل، سوى عدد محدود من المسؤولين الكبار في الأمم المتحدة.
وكانت غزة موضع ثلاث حروب مدمرة، وعانت طويلا من منع دخول مواد البناء، وكانت هناك دعوات دولية لرفع الحصار والمنع على مواد البناء مثل الإسمنت والحديد، ولكن بدلا من رفع الحصار ستضع الاتفاقية الجديدة قيودا إضافية على هذه المواد، بصورة أسوأ من الحصار، بحسب المقال.
وتذكر "الغارديان" أن هذه الانتقادات ظهرت بينما كان من المقرر أن يجتمع سيري مع مسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين يوم الخميس في رام الله، قبل اجتماع للمانحين الدوليين في القاهرة، والذي سيعقد بتاريخ 12 تشرين الأول/ أكتوبر.
وبحسب التقديرات الفلسطينية فإن غزة تحتاج إلى 8 مليارات دولار لإعادة إعمارها بعد الحرب، التي استمرت 50 يوما، وأسفرت عن مقتل 2000 فلسطيني.
ويلفت المقال إلى أن تسريب محتوى الاتفاق، والذي رسمه سيري بناء على محادثات ثنائية مع الإسرائيليين أولا، ثم مع
السلطة الفلسطينية قبيل المفاوضات لتثبيت وقف إطلاق النار، والذي يستند بالنسبة للجانب الفلسطيني على إعادة بناء غزة ورفع الحصار عنها.
وتبين الصحيفة عن تقييم للمخاطر المتعلقة باتفاقية الإعمار المقترحة أعدته الأمم المتحدة في 14 أيلول/ سبتمبر، بعد دراسة إمكانية تطبيق نظام الرقابة، أن من أكبر المخاطر هو أن تتنكر إسرائيل للاتفاقية وستكون آثار هذا كارثية.
وتنقل "الغارديان" عن المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قوله إن الآلية هذه كانت ضرورية، لمنع حماس من إعادة بناء بنيتها التحتية العسكرية،
وقال مارك ريجيف ردا على الانتقادات "يجب ألا تكون إسرائيل هي الوحيدة التي تسعى لهذا الترتيب، بل يجب أن تسعى له المنظمات غير الحكومية والمنظمات الإنسانية الدولية، فليس في مصلحة أحد أن تسرق حماس مواد البناء، وخاصة أنهم أعلنوا أنهم سيعيدون بناء أنفاق الإرهاب"، وفق الصحيفة.
وأضاف ريجيف "ليس هناك بديل، وأظن أنها ستنجح إن وجدت النوايا الحسنة، وستكون حماس هي الرقم الصعب في تطبيق هذا الاتفاق".
وبالرغم من الانتقادات، فإن مسؤولين دوليين آخرين مشاركين في المباحثات حول إعادة اعمار غزة، قالوا للغارديان إن إسرائيل هي الأكثر حرصا على إيجاد آلية لإيصال مواد البناء لغزة.
فقال جيمز رولي نائب المبعوث الخاص للأمم المتحدة: "يمكن لهذه الاتفاقية، إن تم تطبيقها، أن يكون لها تأثير كبير على حياة الناس في غزة"، واستدرك قائلا: "نحن ندرك أن التجربة ستكون هي أكبر برهان".
وقال مسؤول أممي آخر شارك في المباحثات: "لا أحد يشك في مدى الصعوبات التي تنطوي عليها العملية، وكانت الأمم المتحدة على رأي المنادين برفع الحصار، نعلم أن هذا ليس رفعا كاملا للحصار ولكنه خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح".
وتأتي هذه التسريبات في وقت تتعالى فيه أصوات الاحتجاج في غزة ضد المؤسسات الدولية من أناس يريدون لمس أي تقدم.
ويورد المقال أنه بحسب الوثيقة المعنونة "آلية إعادة إعمار غزة"، فإن الترتيبات المؤقتة تقتضي إقامة "فريق قيادة على مستوى عال" ليقوم بمهمة الرقابة. ومن بين الخمس أولويات الشاملة المذكورة، يأتي أولها "إيفاء المتطلبات الأمنية الإسرائيلية المتعلقة باستخدام مواد البناء والمواد ذات الاستخدام المزدوج، وبالذات ما يتعلق في الرقابة، ومتابعة المواد للمشاريع الكبيرة بالتحديد".
وتعتقد الصحيفة أنه بالنسبة للمشاريع الكبيرة كإعادة بناء المدارس والمصانع سيتم ضبط عمليات الاستيراد بتطبيق أشد قوانين الأمم المتحدة لمناهضة الإرهاب، وإسرائيل هي التي ستقوم بالمصادقة على المشاريع. وستتركز الرقابة الأشد على مصانع الطوب التي "ستتم فيها الإجراءات الأمنية، بحسب مواصفات الحكومة الإسرائيلية"
وهذا يتطلب "تواجدا مستمرا للأمم المتحدة وتفتيشا يوميا من مسؤولي الأمم المتحدة الدوليين في مصانع الإسمنت"، بالإضافة إلى تركيب كاميرات لمراقبة الموقع.
وتوضح "الغارديان" أنه قد يضطر أصحاب المنازل، الذين يحتاجون لمواد بناء، أن يقوموا بالتسجيل في قاعدة بيانات، حيث تحتوي على رقم الهوية والعنوان والحالة الاجتماعية، وستكون معلومات هذه القاعدة متوفرة للمسؤولين الإسرائيليين بما في ذلك المخابرات.
وتجد الصحيفة أنه بالرغم من ضرورة إعادة البناء في غزة، فإن الآلية المصممة لاستيراد مواد البناء لمشاريع كبيرة أو صغيرة "ترتكز على إنشاء قاعدة بيانات على الكمبيوتر"، يسجل فيها الاستيراد والتحويل لمواد البناء، والتي يقترح إنشاؤها من مؤسسة مثل مؤسسة تدقيق رئيسية.
وبحسب مؤسسة غير حكومية اطلعت على الاتفاقية فإن هذا الترتيب "ببساطة غير قابل للتطبيق".
وقال المصدر، الذي اطلع على نص الاتفاقية: "إنها تقوم بشكل تام على حسن نوايا إسرائيل وتقديراتها، فليست هناك آلية لحل الخلافات، كما إنها لا تأخذ الواقع على الأرض بالحسبان، سواء من الناحية الأمنية أو من ناحية السياسة في غزة. فهي ترى السلطة الفلسطينية تدير غزة دون ذكر لحماس في وقت لا تقوم فيه حكومة الوحدة حتى بإدارة الوزارات المحلية في غزة ..، وفي المحصلة فكل ما سيحصل هو أن تنتقل مهمة الحفاظ على حصار غزة للأمم المتحدة"، وفق الصحيفة.
وينقل التقرير قول كريس غنس، المتحدث باسم الأنروا: "نرحب بالآلية الجديدة، ونأمل أن تصبح فعالة في أقرب فرصة، لضمان توفير كل ما تحتاجه إعادة إعمار غزة بالكامل".
ويضيف أن هذه الآلية لا تغني عن رفع الحصار بالكامل، بما في ذلك التصدير، وتجاوزت الحاجة في غزة العمل الإنساني فقط، بل هناك حاجة لفعل سياسي يتعامل مع أسباب الصراع، ودون هذا فإن مسؤولية خرق القانون الدولي تقع على الجانبين، نخشى أن يتكرر نموذج الحصار والصواريخ والدمار.