كتب غازي العريضي: منذ بداية الحرب في
سوريا بعد اعتماد النظام الخيار الأمني، وعدم التفاعل مع المعارضة الشعبية السلمية التي انطلقت في عدد من المحافظات، انتظر كثيرون من دول وقوى سياسية دعماً للمعارضة، أو قراراً دولياً، أو موقفاً دولياً يكرّس التغيير في دمشق.
الدعم لم يأت في البداية بالشكل المطلوب. والمعارضة لم تكن منظـّمة أو موحـّدة أو تملك برنامجاً واضحاً واستمرت كذلك حتى الآن، ثم بدأت ظواهر حركات متطرفة تظهر على الساحة، فاستغل المعنيـون بالدعم ذلك وتذرعوا بـه لتبرير عدم تقـديم الـسلاح خوفاً مـن وقوعه في يد «المتطرفين»! ولا القرار الدولي جاء بسبب استخدام روسيا حق «الفيتو» في مجلس الأمن.
طالت الحرب، ثم حصل توافق روسي – أميركي على «جنيف 1» كخارطة طريق لحل سياسي للأزمة السورية بعد سقوط المبادرة العربية! ثم حصل خلاف على تفسـير هذا الـ «جنيف 1» لاسيما بشأن الحكومة الانتقالية ذات الصلاحية! ثم وقبل انعقاد «جنيف 2» وفشله، وجهت دعوة من الرئيس
أوباما وعدد مـــــن قادة قمة الـ 20 التي عقدت في إيرلندا إلى «المعارضة والنظام» لمواجهة المتطرفين معاً! وبالتالي تمّ تقديم خطر «التطرف» على ضرورة «تغيير النظام».
كانت «جبهة النصرة» يومها تتقدم صفوف «المتطرفين» في نظر أصحاب هذا التوصيف ومعها قوى إسلامية أخرى، وقـــد حققت بعض التقدم على الأرض. كان أوباما وفريقه يدركون ويقدّرون «خطر» هذه الحركة آنذاك كما كانوا يقولون.
تطورت الأمور، لم يحصل التغيير، لم يقدم الدعم للمعارضة، أعطي فقط ما سمي «السلاح غير الفتاك» – المواد الغذائية – والألبسة – والمناظير الليلية – والسلاح الخفيف مقابل أموالاً طائلة ودماء غزيرة سالت في كل المحافظات.
وازداد «التطرف» وأصبح «
داعش» هو الأقوى وتراجعت كثيراً المعارضة «المدنية» أو «المعتدلة» إثر خلافات داخل الائتلاف السوري، شكلت انعكاساً لخلافات الدول صاحبة القرار راعية الائتلاف بالمداورة والممسكة بمفتاح التمويل!
اليوم، صدر قرار دولي كان منتظراً أن يكون ضد النظام، فإذا به يأتي ضد «الإرهاب». ضد «داعش» ومثيلاته من المنظمات التي تخشى الدول المعنية بالقرار تمدد إرهابها، ارتداده إليها في كل مكان. حاول ويحاول النظام في سوريا الاستفادة من ذلك ليبرّر شرعية حربه بالقول إنه كان يؤكد أن المسألة ليست مسألة تغيير ديموقراطي، بل مواجهة إرهاب وها قد عاد العالم إلى موقفه.
وبالتالي يجب أن يكون تعاون معه للخلاص من هذا الخطر! انقسمت الآراء بين من يسعى لتعويم النظام، ومن يسعى لتقويمه، ومن يصرّ على تغييره!
الحرب لا تزال مستمرة والدمار مستمر، ونزوح الناس مستمر، والخطر على وحدة الأرض والمجتمع قائم ومتفاقم.
منطقة عازلة في الجولان ومنطقة عازلة على الحدود التركية في المناطق الكردية، وإعلان رئيس هيئة الأركان الأميركية الجنرال ديمبسي عن الحاجة إلى ما بين 12 و15 ألف عسكري للمعارضة المعتدلة لتسيطر على المناطق التي انتزعتها القوى المتطرفة منها، ثم تصريح رئيس الائتلاف حول ذلك متسائلاً: «هل ستوفر القوات الدولية وبالتحديد الأميركية منها، الحماية لقوات المعارضة عندما تسيطر على الأرض، أم أنها ستتركها عرضة لقصف الطيران السوري»؟ وطالب بمنع الجيش السوري من القيام بذلك عبر توفير الغطاء الجوي لقوات المعارضة!
في هذا التوقيت، أعلن الرئيس الأميركي فشل وسوء تقدير أجهزة مخابراته في تحديد حجم قوة القوى «المتطرفة» وقدراتها على الأرض في سوريا، وانعكاس ذلك على ما جرى في العراق وصولاً إلى إعلان دولة الخلافة والحرب العالمية عليها، دون أي ضمان للنتائج. لأننا قد نكون أمام حرب طويلة، تدوم لسنوات كما أكد أوباما وعدد من رؤساء الدول والحكومات المشاركة في التحالف.
وقد أكد أوباما أن الحل في سوريا سياسي. «لا توجد طريقة لإنهاء هذا الجنون هذا العام أم بعد قرن من الزمن». «إن الحل الوحيد هو الانتقال السياسي الذي يستجيب لتطلعات الشعب السوري من خلال المفاوضات. وإلى أن يتحقق ذلك، لن نقبل بملاذات آمنة للمجموعات الإرهابية»!
إذاً وبكل وضوح، الأولوية هي لضرب هذه المجموعات. قد تستمر العملية سنة أو عقداً من الزمن أو أكثر. هذه هي الأولوية. هذه هي خارطة الطريق. عندما ننتهي من ذلك - إذا انتهينا- نعود إلى الهدف الثاني: التغيير، وعبر المفاوضات. ماذا سيكون عليه الواقع السياسي؟ هل تنجح الحرب ضد المجموعات المذكورة أم لا؟ لا أحد يعرف! نحن في البدايات، ماذا ستكون الانعكاسات؟ لا أحد يعرف! كيف سيكون التصرف؟ لا أحد يعرف! من يفاوض من؟ لا أحد يعرف! المؤكد: المزيد من الخراب والدمار والقتل في سوريا.
في هذا السياق يؤكد عدد من المسؤولين العرب الذين شاركوا في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أن مداولات جرت في كواليس الاجتماعات واللقاءات الدبلوماسية هناك تناولت الوضع في سوريا وضرورة التغيير، ربطاً بمسؤولية النظام في ما آلت إليه الأمور وبروز ظاهرة «الإرهاب»، ويؤكد هؤلاء أن وزير الخارجية الروسي كان شديد «التطرف» في موقفه الرافض الحديث عن شروط مسبقة للتفاوض حول مستقبل سوريا. توقف عند كلام أوباما حول الحل السياسي عبر المفاوضات، ولو أخذ ذلك وقتاً قد يمتد إلى عقد من الزمن! ولكن «لا شروط مسبقة. وجنيف واحد انتهى. ومن يريد شيئاً من الأسد ليذهب إليه. نحن لسنا وسطاء»! هذا ما قاله سيرجي لافروف.
إنها لعبة الأمم ومصالح الدول، ماذا نفعل ونحن سنكون أمام حرب طويلة في سوريا؟ والمستفيد الأول والأخير إسرائيل التي لم يشر إلى إرهابها أوباما، ولا إلى سياستها المهددة للأمن والسلام في المنطقة، بل اعتبر أن «العنف في مجتمعات دول الشرق الأوسط أصبح مصدراً لكثير من البؤس البشري». وحان الوقت «للاعتراف بالدمار الذي أحدثته الحروب بالوكالة وحملات الإرهاب بين السُنة والشيعة في أنحاء الشرق الأوسط»! وهذا يتلاقى مع ما يقوله الإسرائيليون: «إن إسرائيل هي الدولة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة»، وما يحاولون تسويقه: «إن الخسائر المادية والبشرية التي لحقت بالعرب جراء الإرهاب واقتتالهم الداخلي والفتنة المذهبية وأنظمة الاستبداد لا تُقارن بشيء مع ما جرى طيلة صراعهم مع إسرائيل» وإن «الخطر في المنطقة لا يتأتى من الصراع العربي الإسرائيلي، بل من الإرهاب داخل البيت السُني، ومن الاقتتال السُني - السُني، والسُني – الشيعي»!
نحن ندرك بعقل بارد أن أميركا لن تدين إسرائيل، وبالتالي لا أحد يطالبها بحرب طويلة المدى ضدها وهي دولة الإرهاب المنظم في المنطقة، ولكن الولايات المتحدة مدعوة ومطالبة ومسؤولة عن احترام قراراتها والتزاماتها وتوقيعاتها على القرارات الدولية. فلتعمل على الأقل مع الذين يريدون الأمن والسلام في المنطقة لإلزام إسرائيل بالقرارات والشرعية الدولية لأن الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين، هو السبب الأساس في كل ما يجري، وإلى جانبه ظهرت أسباب جوهرية ومهمة وخطيرة جداً أيضاً، جواب أوباما يؤكد أن أميركا لن تقدم حلاً.
وهذا بحد ذاته، وإضافة إلى ما ذكر، يطرح علامات استفهام كثيرة حول
التحالف الدولي وأبعاده! وفي هذا السياق، يمكن فهم التناغم الإسرائيلي – الأميركي.كلام أوباما جاء قبل وصول نتنياهو إلى نيويورك. شكل مادة للأخير ليشّن هجوماً على «الإرهابيين» من قلب إسرائيل زاعماً أن إسرائيل كانت السبّاقة في مواجهة الإرهاب، داعياً إلى ضرورة دعمها وتقديم كل الضمانات لها، وليكمل هجومه في الأمم المتحدة، مهاجماً الرئيس الفلسطيني وينتقد مطالبته بحق تكريس موقع فلسطين كدولة في الأمم المتحدة وتحديد مهلة زمنية للاتفاق على حدودها في إطار التفاوض مع إسرائيل.
وكان «أبومازن» قد تعرض لهجوم عنيف خطير من قبل بعض المسؤولين الإسرائيليين تضمّن تهديداً لأمنه وأمن الشعب الفلسطيني الخارج من محاولة إبادة جماعية في حرب الـ 52 يوماً على غزة! ألا يستحق ذلك كلمة أميركية أو موقفاً أميركياً ودولياً واضحاً؟
(عن صحيفة الاتحاد الإماراتية 4 تشرين الأول/ أكتوبر 2014)