من الشعائر الجامعة والفروض الأساسية "الحج" باعتباره يشكل القصد والتوجه لمعنى رسالى عمرانى فى إطار المفهوم الحضاري له والجمعي، ومن ثم يعد الحج شعيرة متميزة من فعل يتعلق بطقوس مخصوصة وأركان واجبة مفروضة، وإذا كانت الفرائض الأخرى يمكن أن تمارس بشكل فردي وجمعي فإن الحج لا يمكن ممارسته إلا جمعيا يرتبط بعموم الأمة واجتماعها، فتهوي القلوب والأفئدة إلى هذه الأرض الطيبات وإلى المشاعر المقدسة مستلهمة فيها كل المعاني التي تتعلق بعمران الأمة وبلوغ المقصود عنوانا لعزة الأمة وجلال الشرعة.
موسم الحج يمر على عموم المسلمين وعلى الأمة بكل امتداداتها وتنوعاتها بأشكال لا يعكر صفوها إلا بعض حوادث هنا أو هناك، وفي إطار بدع الحالة الانقلابية وقد تراكمت مجموعة من الأفعال أو إن شئت الدقة "الفضائح"، التي جعلت من الانقلاب المفضوح الذي انكشف ستره بما له من أذرع ثقافية وإعلامية مما يؤدي إلى الاستهانة بهذه الشعيرة والفريضة، فتلك مثقفة تدعي الليبرالية وتستهين بهذه الشعيرة فتسميها "كارثة لعملية قتل جماعي نتجت عن كابوس لرجل صالح"، فحتى لو اعتبرنا ذلك رأيا لها فماذا عن حقوق ما يزيد عن مليار ونصف مسلم في أرجاء المعمورة تهان شعائره وأركان شرعته وقواعد دينه على هذا النحو ومع ذلك لا يرمش جفن لبعض هؤلاء، وهو أمر اعتدنا عليه من قبيل إطلاق قنابل دخان بين الحين والآخر، فيأتي هؤلاء بأمر عجيب يكون مسار أقاويل الناس وانشغالهم واشتغالهم للفت الانتباه عن ما هو جديربالهم بالاهتمام.
وها هم الانقلابيون يمارسون فعلا فاضحا بمنعهم كاتب وشاعر معروف بعد أن تقدم للحج عن أداء فرائض الله، ويحاول هؤلاء من كل طريق أن يظهروا كل مظاهر بطشهم وطغيانهم وتحكمهم في إطار التعامل مع المواطنين بحالة إذعانية كاملة وكأن هذا النظام لا يرى له من وزن أو قيمة إلا حينما يبطش بكل شأن يتعلق بالمواطن والمواطنة فيمنع ويطارد ويعتقل ويحبس ويقتل ويحرق ويستأسد عليهم، وهذه المنظومة لعمري "منظومة بلطجة" أكثر من كونها تشكل رؤية أمنية حقيقية لما يمكن تسميته الأمن الإنساني.
وتأتي ثالثة الأثافي في مسلسل فضائح الحالة الانقلابية حينما يحاول هؤلاء من حيث أرادوا بناء صورة إيجابية تتعلق بمحاولة اكتساب مكانة فإذا بها تتحول بقدرة قادر إلى صورة سلبيىة بارتكاب فعل فاضح في موسم الحج لم يكن إلا مهانة، "فمن يهن الله فما له من مُكرم"، ها هو إعلان عن أن رئيس وزراء الانقلاب ووزير داخليته قد هما بالحج في يوم عرفة يوم الجمعة وبعد ذهابهما يفاجئ الجميع بوجودهما مع الرئيس المنقلب في صلاة العيد في صباح يوم السبت، أي أنهما لم يمكثا في الأراضي المقدسة إلا يوما أو يزيد، وهنا ثارت الأقاويل وبدت معالجة إعلامية هزيلة تافهة، وخرجت الأنباء من هنا وهناك تنسب لمصادر صحفية أو إعلامية أو أمنية أن هذا الأمر ناتج عن أسباب أمنية، وأيا كانت صحة ومصداقية الأنباء التي تواردت فإن هذا الأمر لا يهم في ذاته ولكن الأهم هو ما نعرفه في حقيقة الأمر عن الحج باعتباره شعائر معروفة ومخصوصة لها من الفروض والأركان ولا يجوز لمن أراد الحج ألا يستهين بهذه الشعيرة، فإذا كانت المثقفة المزعومة قد استهانت بهذه الشعيرة في وصفها وفي إهانة رمزيتها فإن هذين الانقلابيين قد أهانا الحج بعمل لا يمكن إطلاقا تبريره فإن أرادوا بفعلهم نيل المكانة فإن الله دمغهم بالخزي والندامة وكتب عليهم المهانة والإهانة.
تبدو المعالجة الإعلامية الفاسدة الساقطة في كل ما تعلق بهذه الفضيحة من أهم المشاهد التي وجب التوقف، فمن الاستهانة أن يقوم محلب بالحديث عن أن "هذا أمر بينه وبين ربه وليس لأحد أن يتدخل فيه"، بل إن الأخطر من ذلك أن يخرج بيان من مجلس الوزراء يؤكد صحة حجته وكأن مجلس الوزراء هو الجهة المعنية الذي يحدد صحة السلوك الديني لرئيس وزرائه، ويتبجح قائلا "هو ده إسلامنا"، والشيء الخطير أن تدخل بعض الشخصيات والمؤسسات الدينية على الخط ليدخلوا الناس في بلبلة لا حاجة لنا فيها إلا أن يكون لهؤلاء دورا فى الإثارة ك "كومبارس" في مشهد الإهانة والاستهانة، فهذا يتحدث أن وزارة الأوقاف قد أكدت صحة حجة محلب ووزيره، وخرج البعض علينا يقول "الركن الأساسى للحج هو الوقوف بعرفات، أما عودة رئيس الوزراء ووزير الداخلية من الحج، وأداؤهما صلاة العيد بالقاهرة، فإنه نظراً للواجبات الوطنية الملقاة على كاهل المسئولين، يصح تفويض من يرمى الجمرات وينحر الأضحية" ولعمري هذا عبث وعبثية، وأفتى البعض أن عليهما دم وكان ذلك مثار سخرية الناس أي دم هذا الذي عليه أهي الدماء التي أسالها كل هؤلاء كطغمة انقلابية وما مارسوه من قتل وحرق وخنق، الدماء التي ولغوا فيها حتى الثمالة مستهينيين فيها بحرمات النفوس، فتاوى إنقلابية منافقة ساقطة.
بل إن البعض قد تحدث عن أن هذين المنقلبين قد تعمدا ألا يرجما الشيطان بالجمرات لأنهم في حقيقة الأمر إقترفا من الأفعال ما يعجز عنه الشيطان أو بنى جنسه، وفي عذر أقبح من ذنب فإنه يقول أن تسرعه في ذلك لم يكن إلا همته في الاطمئنان على مؤسساته "قوم اطمن على مؤسساتك" وكأنه لا يعرف معنى الحج المخصص له مواقيت ولا معنى المؤسسة التي يجب أن تعمل بفاعلية وكفاءة حتى في غياب بعض أشخاصها أو حتى قياداتها، وكذلك لا يعرف أن الحج ليس تأدية لمناسك فحسب ولكنه قبول إلهي نرى في الأفق مؤشرات بخيبة وخزي وإهانة ومهانة يراها القاصي والداني في هذا العمل الأبتر المفضوح الذي قاما به، "لا لبيك ولا سعديك حجك مردود عليك".
هؤلاء جميعا الذين شاركوا فى مشهد الإهانة والمهانة والفضيحة، لم يتعرفوا على المعنى الإنساني في الحج وعلى ارتباطه شعائره بحرمة الحياة وتكريم الله سبحانه وتعالى للإنسان وتفضيله له على كافة خلقه، تناسى كل هؤلاء خطبة النبي في حجة الوداع حينما أسس فيها ميثاقا لحقوق الإنسان مستثمرا مؤتمر الحج ورمزيته التي لم تكن في حقيقة أمرها إلا حفاظا على الإنسان كيانا وكينونة، كرامة وعزة، تضحية وفداء، وحرمة نفوس ودماء، إلا أن هؤلاء المستهينن من مدعى الثقافة أو من هؤلاء "الأمنجية" الذين يحولون بين الناس وأداء الفرائض ومنعهم من مساجد الله، أو من هؤلاء من استخفوا بالشعائر تصلح فيه "الحجة" ببيان من مجلس الوزراء، لا يعرفون للحج معنى ولا يمكنهم أن يلتمسوا منه أي مغزى،، ياهؤلاء "إذا بليتم فاستتروا".