تزوجت هبة في سن 16 من شاب في العشرين، وأصبحت أما بعد عام واحد من زواجها، حيث أنجبت طفلا وهي في سن السابعة عشرة فقط. ولكن فرحة هبة لم تدم طويلا، حيث فقدت زوجها الذي كان قد حمل السلاح لصد قوات النظام السوري التي تحاول اقتحام إحدى بلدات
ريف دمشق الغربي.
وتروي هبة من إحدى بلدات ريف دمشق الغربي لـ"عربي21" قصتها بعد مقتل زوجها، والتي تشبه مأساة العديد من بنات سنها اللواتي أصبحن أرامل وهن في عمر الشباب، قائلة: "لم أتصور حدوث هذا في يوم من الأيام، فحتى اليوم ما زالت في داخلي الطفلة الصغيرة التي تهوى اللهو واللعب مع رفيقاتها في حين يفرض علي الواقع حالا مغايرا".
وأضافت أنها تحولت الآن إلى أرملة تحمل مسؤولية طفل رضيع، وتتنقل بين أهلها وأهل زوجها الراحل، فقد دخلت في حياة جديدة "مليئة بالتفاصيل التي لا تطاق، فالجميع باتوا يدلون بالنصائح، وكل منهم بات يعتبر نفسه وصيا علي، وعلى طفلي الصغير"، على حد قولها.
تعوّد أهل الريف منذ زمن ليس بقريب على
الزواج المبكر، فالشاب الذي بلغ العشرين من العمر في الأرياف متزوج على الأغلب في الوقت الذي يكون فيه عمر الخامسة عشرة هو العمر المناسب لزواج الفتاة.
ولذا فإن هذه الظاهرة أسفرت عن أزمة بعد بداية الثورة في
سوريا، لا سيما بعد تحولها إلى مسلحة، حيث شهدت الأرياف مقتل الكثير من المقاتلين الشباب، وأغلبهم من المتزوجين، تاركين وراءهم الأرامل اللواتي ما زلن في أعمار صغيرة، فشريحة واسعة من الفتيات في الأرياف تنجب قبل العشرين من العمر مثل هبة التي أصبحت أما أرملة في سن ما زالت تعتبر فيه طفلة في أغلب بلدان العالم.
وانتشرت هذه الظاهرة بشكل واسع في البلدات السورية، وخاصة تلك التي لم تفارقها المعارك منذ بداية الثورة، حيث بات من المألوف أن ترى أثناء تجوالك الكثير من الفتيات الصغيرات اللواتي يحملن أطفالا بأيديهن، وفي كثير من الأحيان يكون "طفلا لأب شهيد وأم يافعة".
وقال أحد الناشطين من المنطقة، إن
تعدد الزوجات كان أحد أبرز الحلول المطروحة لمثل هذه الظاهرة بتلك المناطق التي يعد تعدد الزوجات فيها أمرا طبيعيا لعلاج المشاكل الناتجة عن وفاة الأزواج، وبسبب الحاجة إلى معيل لعائلة صغيرة لا تقوى على متابعة الحياة وحدها، لتبقى الحياة بذلك مستمرة رغم قسوتها.
أما "ياسين" فهو شاب مقاتل في صفوف إحدى كتائب المعارضة، والذي قتل صديقه أمام عينيه في معركة تاركا خلفه طفلان صغيران وزوجة شابة لا معيل لهم، حيث تقدم لخطبتها، ليصبح مسؤولا عنها وعن عائلة صديقه الذي أوصاه بها قبل مماته، وفق ما صرح به لـ"عربي21".
وأوضح أن عائلة صديقه لم تكن قادرة على تقديم مستلزمات الأسرة الصغيرة المكلومة، في حين لا يستطيع هو تقديم المساعدة للأسرة ضمن تقاليد البلدة إلا بالزواج.
وياسين ليس الوحيد في بلدته الذي تزوج ليعين أسرة فقدت معيلها، فالكثير من الزوجات الأرامل تزوجن ليصبحن الزوجة الثانية في ظروف صعبة لا تبدو نهايتها قريبة.