كان تنظيم القاعدة قبل دخول القوات الأمريكية أفغانستان مهتما بامتلاك قنابل انشطارية وإشعاعية، ففي كانون أول/ ديسمبر 1998 قال بن لادن إن تنظيم القاعدة يسعى لامتلاك أسلحة نووية، وأن الحصول عليها من الواجبات الدينية، وأن التنظيم لديه
فتاوى شرعية باستخدامها، وقد أكدت الوثائق التي عثرت عليها الولايات المتحدة في أفغانستان عقب دخول القوات الأمريكية وإسقاط حكم طالبان أن جهود القاعدة لبناء أسلحة نووية كانت متواضعة، لكنها أثبتت في نفس الوقت أن تنظيم القاعدة كان مصمما على امتلاكها، وأنه كان ينوي استخدامها في حال حصوله عليها.
فقد تبنى تنظيم القاعدة منذ الإعلان عن تأسيس "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبين" عام 1998، وحتى عام 2001 تأسيس معسكرات خاصة بصناعة وتطوير الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، في أفغانستان، تحت إشراف الخبير الكيميائي للقاعدة "أبو خباب المصري" مدحت مرسي، (قتل عام 2008 بطائرة أمريكية بدون طيار)، إلا أن تنظيم القاعدة لم يحقق نجاحا يذكر في هذا المجال، كما أنه لم يثبت استخدامه لأسلحة تقليدية، واعتمد في كافة هجماته على أسلحة تقليدية.
لقد كان الجدل الفقهي الشرعي داخل تنظيم القاعدة مترددا في مشروعية استخدام
الأسلحة غير التقليدية، ولم ينجح التنظيم في الحصول على فتوى صريحة بامتلاكه واستخدامه من الشيوخ المعتبرين حتى أيار/مايو 2003 عندما أصدر الشيخ السعودي ناصر الفهد (معتقل حاليا في السعودية) "فتوى" تجيز استخدام أسلحة الدمار الشامل بعنوان "رسالة في حكم استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد الكفار"، جاء فيها: "إن بإمكان المقاتلين المسلمين استخدام الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية ضد "الكفار"، وإذا نظرنا إلى العدوان الأميركي على المسلمين وأراضيهم خلال العقد الماضي، لوجدنا أن من المسموح الهجوم بأسلحة الدمار الشامل تحت مبدأ المعاملة بالمثل".
لقد ترددت بين الحين والآخر إشاعات تقول بأن تنظيم القاعدة يمتلك أسلحة نووية أو إشعاعية، إلا أن الخبراء الموثوقين يؤكدون على أن "أي تحليل شامل ورصين للمعلومات المعلنة والمقابلات المفتوحة مع مسؤولين واسعي الاطلاع، يقود حتما إلى الاعتقاد بأنه لا يوجد أي دليل مقنع على أن بن لادن أو تنظيم القاعدة يمتلكان أي قنبلة نووية أو ما يكفي من من المواد الانشطارية لتصنيع مثل هذا السلاح"، أما الادعاءات القائلة بأن تنظيم القاعدة قد اشترى "قنابل سامسونايت نووية" من الترسانة الكازاخية أو من بعض الثوار الشيشانيين أو المافيات الروسية، فهو عار عن الصحة تماما، مع أن تنظيم القاعدة حاول عن طريق أيمن الظواهري جاهدا الحصول عليها، كما أنه لا أساس من الصحة المتعلقة بالإشاعات التي انتشرت حول استئثار تنظيم القاعدة بعدد من العلماء النوويين التابعين لبعض جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق.
وبحسب تقرير لمساعد وزير الخارجية الأمريكي للبحث والمعلومات الاستخبارية توم فينغر يقول: "لم نعثر على أي دليل مقنع يثبت أن تنظيم القاعدة قد أنتج أي مادة انشطارية، أو أنه امتلك أي برنامج جدي وثابت لإنتاج مثل هذه المواد، ويتمثل الاحتمال الأسوأ في هذا الصدد بامتلاك التنظيم كميات صغيرة من المواد المشعة، التي ربما يتمكن من استخدامها في تصنيع قنبلة إشعاعية".
ربما أحد الشكوك الأمريكية المقلقة كانت تتعلق بفضيحة شبكة عبد القدير خان للاتجار سرا بالتكنولوجيا النووية، والعلاقة الوثيقة السابقة للقوات المسلحة ومديرية الاستخبارات الخارجية ومكافحة التجسس الباكستانية بنظام طالبان قبل سقوطه وتنظيم القاعدة، وإمكانية حصول التنظيم مستقبلا على التكنولوجيا النووية، فبحسب التقرير السنوي الذي قدمته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) إلى الكونغرس عام 2003 جاء فيه: "لقد عمل تنظيم القاعدة في الأبحاث النووية الأولية، ولكن نطاق برنامجه النووي لا يزال ضعيفا، ومن المحتمل أن يكون خبراء من خارج التنظيم كالمهندس النووي الباكستاني بشير الدين محمود التقى بأسامة بن لادن لمناقشة معلومات تتعلق بالأسلحة النووية".
لا شك أن حلم القاعدة بامتلاك أسلحة نووية كان خياليا ونظريا، نظرا لفقدانها السيطرة المكانية، والملاذات الآمنة والمنشآت اللازمة، إلا أن أحد أجزاء الحلم قد يتحقق قريبا، من خلال التركيز على الأسلحة البدائية نسبيا؛ كالأسلحة الكيميائية أو البيولوجية أو الإشعاعية التي تشتمل على مواد غير غير متطورة يسهل إنتاجها أو الحصول عليها، ويبدو أن تنظيم "الدولة الإسلامية" بزعامة أبو بكر البغدادي قد اقترب من تحقيق ما فشلت في تحقيقه القاعدة المركزية بقيادة بن لادن الذي قتل في آيار/ مايو 2011، وخليفته الحالي أيمن الظواهري.
فالتنظيم الأكثر خطورة والأشد فتكا في تاريخ الحركات الراديكالية السلفية الجهادية ممثلا بالفرع العراقي المتمرد على تنظيم القاعدة "الدولة الإسلامية" بات قاب قوسين أو أدنى من امتلاك أسلحة غير تقليدية كالأسلحة الكيميائية أو البيولوجية أو الإشعاعية، عقب سيطرته على مساحات واسعة في العراق وسوريا منذ حزيران/ يونيو الماضي، إذ يتوافر التنظيم على عزم وإصرار على تطوير قدراته القتالية، منذ شبكة أبو مصعب الزرقاوي المؤسس الذي قام في منتصف عام 2002 بتدريبات وتجارب على استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في معسكر بالقرب من شمال شرق العراق، كما أن شبكة الزرقاوي الممتدة استخدمت مادتي الريسين والسيانيد للقيام بعمليات في أوروبا في نهاية عام 2002 وبداية عام 2003. لا شك أن خليفة الزرقاوي الحالي أبو بكر البغدادي، يقترب اليوم من تحقيق حلم المؤسس، إذ يستند التنظيم منذ تأسيسه على تراث فقهي يتبنى سائر تكتيكات العنف والرعب من الناحية الفقهية الشرعية، فقد ورد في الكتاب المرجعي الفقهي الرئيس المعتمد لتنظيم "الدولة الإسلامية" وهو بعنوان "مسائل في فقه الجهاد" للشيخ أبو عبدالله المهاجر التأكيد على بداهة مشروعية امتلاك واستخدام الأسلحة غير التقليدية إذ يقول: "إذا تقرر معنا مشروعية رمي الكفار المحاربين، وقتلهم وقتالهم بكل وسيلة تحقق المقصود في قتال الطلب، وإن كانت الوسيلة هي ما يعرف اليوم بأسلحة الدمار الشامل، من الأسلحة النووية، والكيمياوية، والجرثومية ونحوها عند الحاجة إليها، فلا شك في تقرير هذه المشروعية من باب الأولى في قتال الدفع، أي عند نزول العدو الكافر ديار الإسلام".
لا جدال أن سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على مساحات واسعة في العراق وسوريا، سوف يجعل من الممكن حصوله على أسلحة غير تقليدية محققة مع مرور الوقت، فقد أعربت الولايات المتحدة عن قلقها إزاء إمكانية أن يكون النظام السوري أغفل الإعلان عن أسلحة كيميائية قد تقع في أيدي مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية، وجاء ذلك عقب تقرير قدمته الأمم المتحدة جاء فيه: "إن تناقضات وأسئلة ما زالت تحيط بالإعلان الذي قدمته سوريا بشأن أسلحتها الكيميائية"، كما أوضحت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سامانتا باور أن بلادها "تبدي قلقها تجاه كل الأخطاء المحتملة، وكذلك تجاه إمكانية أن تكون هناك عمليات حذف حقيقية في لائحة الترسانة الكيميائية السورية التي نقلتها دمشق إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، كما كشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز إخفاء وزارة الدفاع الأمريكية ما يقارب من خمسة آلاف رأس حربي كيميائي في العراق، أصيب بها جنود أمريكان قبل انسحابهم من البلاد، وتقع الآن في مناطق نفوذ تنظيم الدولة.
الخطر المحتمل اليوم أصبح أكثر واقعية وأشد خطورة مع تنامي قوة تنظيم الدولة الإسلامية وسيطرتها المكانية على منشآت عراقية تسمح بإنتاج أسلحة غير تقليدية، بالطبع حلم الحصول على أسلحة نووية يبدو مستحيلا، إلا أن الحديث هنا عن أسلحة غير تقليدية كالأسلحة الكيميائية أو البيولوجية أو الإشعاعية التي تشتمل على مواد غير غير متطورة يسهل إنتاجها أو الحصول عليها، وهو الأمر الذي بات محققا منذ تموز/ يوليو الماضي عندما استولى تنظيم "الدولة الإسلامية" على "مجمع المثنى" الذي يحتوي على مخزون عراقي كبير من الأسلحة الكيميائية، وعلى الرغم من الشكوك الدولية حول امتلاك تنظيم الدولة للخبرة اللازمة لاستخدام الذخيرة الكيمائية بشكل كامل، ورصد الولايات المتحدة للمجمع، وربما تدميره لاحقا، إلا أن ما هو مؤكد أن تمتع التنظيم بالسيطرة المكانية على المدى المتوسط والطويل يجعل من مسألة امتلاك التنظيم لأسلحة غير تقليدية بدائية مسألة وقت لا أكثر.