كتب
فايز الفايز: خبر لافت ومشوق وذكي نشرته "الشرق" نقلاً عن صحيفة "الديلي تلغراف" البريطانية يتناول أخباراً وتقارير تتحدث عن إمكانية ترشيح الشيخ
حمد بن جاسم آل ثاني، أميناً عاماً للأمم المتحدة، وهو خبر لافت، وفكرة لامعة متوهجة يمكن أن يبنى عليها مشروع تحرر عربي طالما كنا ننتظر أن يتمخض عن قيادة عربية عروبية محنكة تتزعم المؤسسة الأممية الأكبر في العالم، فلماذا لا يكون الخبر فكرة، ولما لا يتم البناء على الفكرة ليتم الدفع بالشيخ حمد فعلا كمرشح لذلك المنصب؟!
قبل أيام استوقفتني صورة مزرية ومسيئة لمنصب
الأمين العام للأمم المتحدة وهي صورة "بان كي مون" الأمين العام الحالي داخل أحد الأنفاق التي تقول إسرائيل إنها لنفق بنته حركة حماس للوصول إلى الأراضي الإسرائيلية، ذلك أن "كي مون" وضع نفسه مكان مختار الحارة الساذج الذي جاء ليحل مشكلة تسبب بها صبيان تعاركوا في ساحة المنزل، فأخذه صاحب المنزل ليريه كيف أن "الصبيان" تسلقوا سور البيت ولإثبات إدعائه دفع المختار إلى تسلق السور، وهذا ما حدث مع كي مون عندما انصاع إلى طلب الإدارة الإسرائيلية للدخول إلى نفق وتصويره هناك في محاولة لإقناعه إن حماس تستخدم هذه الأنفاق لقتل المدنيين الأبرياء، وإن المواد المصنوع منها النفق هي من الحديد والأسمنت الذي تزود به غزة من المساعدات الدولية، فكيف بكبير الأمم المتحدة يدخل نفقا قد يسقط على رأسه؟!
مهزلة ارتكبها الأمين العام للأمم المتحدة لإرضاء قادة إسرائيل، فليس من مهام أمين عام الأمم المتحدة أن يلعب دور المحقق، ومع هذا نجح "مون" في الوصول إلى منصبه رغم ضعف شخصيته وانصياعه إلى كثير من الضغوط التي تمارس عليه للميل مع الأنظمة القمعية والمحتلة، وهذه ليست مناسبة الحديث، بل هو استعراض لدرجات قوة الشخصية والقوة السياسية والذكاء والحرفية الدبلوماسية والالتزام بمعايير العدالة في التعاطي مع القضايا الأممية التي يجب أن يمثلها شخص الأمين العام للأمم المتحدة، لا أن ينصاع أو ينساق لموقف دولة ما أو ينكص عن الوقوف بجانب حق شعب ما يعرف العالم كله أنه صاحب حق وضحية نظام بربري لا يرحم.
في تاريخ الأمم المتحدة لم يصل إلى منصب الأمين العام من أصل عربي سوى "بطرس غالي" الذي تم اختياره لعدة محددات ومواصفات خدمته فهو عربي وغير مسلم، وهذه ليست مثلمة ولا انتقاص من قدره وعروبته، بل هي حقيقة اعترف بها كثيرون آنذاك، وهو منساق تماما لمواقف الدول الغربية خصوصا الولايات المتحدة تجاه القضايا العربية والإسلامية، وقد وقعت مذابح البوسنة والهرسك وأكثرها بشاعة مذبحة "سربينيتشا" التي قتل فيها 8 آلاف مسلم على يد الصرب ومليشياتهم واغتصبت 60 ألف امرأة تحت بصر قوات الأمم المتحدة خصوصا الوحدة الهولندية التي رفعت غطاء الحماية عنهم، ولم يقم بطرس غالي بأي رد فعل يعادل مقامه كأمين للأمم المتحدة.
وإن كان بطرس غالي استخدم لغايات التنوع الأممي، فلم يكن الدكتور محمد البرادعي العربي المصري المسلم بأفضل من مواطنه غالي، حيث تزعم وكالة الطاقة الذرية منذ عام1997 ولدورات ثلاث حتى، وعلى عهده تم تمرير الكذبة الكبرى وهي امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل ورغم تفتيش طواقم الوكالة لكل أرض العراق، فإن البرادعي كان أكثر حماسا من بوش الأب والابن لانتقامهم من القيادة العراقية التي هددت يوما إسرائيل، وأعطى غطاء عرقيا وأمميا للولايات المتحدة كي تقود التحالف الأممي لفرض العقوبات الاقتصادية أولا ثم الحرب والاحتلال للعراق، ثم أخيرا ظهر دوره في الثورة المصرية ضد نظام حسني مبارك، فكان واحدا من أبرز المناوئين للرئيس المنتخب محمد مرسي، حتى اختياره نائبا للرئيس المعين من العسكر عدلي منصور.
أمام هذه الصورة السوداء للشخصيات العربية التي لاقت دعما وتسلسلا تاريخيا أوصلتها إلى أعلى سلم القيادة في المنظمة العالمية، من الحرّي بالعرب وهيئاتهم السياسية والدبلوماسية أن تساند ترشيح الشيخ حمد إن صحت التوقعات، فو وزير الخارجية العربي الأكثر بروزا وشهرة خلال العقد الماضي، والذي شكلت أفكاره وسياسته ودبلوماسيته علامة فارقة ساعدت على دعم الدور القطري في حل الأزمات وعقد المصالحات بين الفرقاء في العالم العربي، ورسم خطوط السياسة العربية من جديد، ما أثار نجاحات الدبلوماسية القطرية حنق وحسد وغضب الكثيرين من السياسيين والوزراء العرب المعنيين بالملفات السياسية حتى الآن.
إن وصول شخصية عربية قطرية إلى منصب الأمين العام التاسع للأمم المتحدة ليس مستحيلا، وليس ضربا من الترف، بل هو ميزة للنجاح السياسي والدبلوماسي والتخطيط الخلّاق الذي نراه في الجهد القطري الذي يقوده الأمير تميم بن حمد آل ثاني استمرارا للنهج المميز، وهو فرصة ليكون "فارسنا منّا" لا أن نراهن دوما على فروسية غيرنا.
(بوابة الشرق)