قطاع
غزة على صفيح ساخن، فالضربات الموجعة التي يتلاقها
الاحتلال الإسرائيلي في كافة النواحي، وخاصة الأمنية منها، جعلت من قطاع غزة ساحة لمختلف أنواع المعارك، والتي من أشدها الحرب الاستخبارية أو حرب المعلومات، والتي لا يشعر بها الكثيرون لكنها لا تخمد أبدا، ولكشف العديد من جوانب تلك المعركة حاورت "عربي21"، مسؤولا أمنيا كبيرا بغزة طلب عدم الكشف عن اسمه أو منصبه.
زرع العملاء
ويسخر الاحتلال الإسرائيلي إمكانيات وطاقات هائلة من أجل التقدم خطوة للأمام ومن أهم أدواته العملاء، الذين يسكنون أحيانا وينشطون أخرى، لكن "الاحتلال وأجهزته الأمنية في ضعف شديد"، كما يؤكد المسؤول الأمني الذي كشف لـ "عربي21"، أن "جهاز الأمن الفلسطيني، يقوم بإدارة العديد من العملاء المزدوجين، ومن خلالهم نتابع الأنشطة الاستخبارية للاحتلال أولا بأول في قطاع غزة".
وبين أن "أجهزة مخابرات العدو كثيرا ما تعتمد الطريقة الانتقائية في اختيار العملاء، والتي من خلالها يسعى لزرع عميل له في المكان الذي يريد، فيقوم بدراسة الهندسة الاجتماعية لهدفه؛ كالوضع المالي الاجتماعي، ويبدأ بمحاولة التواصل به ويلقي شباكه على من يعتقد أنه سهل الاصطياد".
ونشر مؤخرا جهاز الموساد الإسرائيلي طلبات لمن يريد أن يعمل معه بشكل مباشر، بدلا من عملية الانتقاء والاختيار، التي يعتمد عليها، وكشف جهاز الأمن الفلسطيني بغزة الكثير من المواقع الإلكترونية التي لها علاقة بالتوظيف وحلول المشاكل، والتي تعمل لصالح جهاز المخابرات الإسرائيلي.
تحريك العملاء
وحول نشاط العملاء في الفترة الأخيرة أفاد المسؤول الأمني أن العملاء قبل حرب العصف المأكول "كان لهم نشاط طبيعي"، مؤكدا أن الاحتلال عانى من "عجز فاضح في تحريك العملاء أثناء الحرب".
وقال: "نحن نمتلك الأدوات المناسبة لقراءة المشهد بطريقة أكثر قوة، فالاحتلال احتاج لتحريك بعض العملاء ممن بقي يعمل معه من محافظة لأخرى، أو من أقصى شرق غزة لغربها، وحدث ذلك، لكن تجاوب هؤلاء العملاء لم يكن بالشكل المطلوب، ومنهم من كان يكشف لنا أولا بأول ما يحدث معه".
وأكد نجاح الجهاز الأمني في "اعتقال العديد من العملاء أثناء الحرب وبعدها"، مبينا أن الاحتلال قام بإصدار "توجيهاته لبعض العملاء بعدم التحرك"، مرجعا ذلك "للتحرك الواسع والمكثف لرجال الأمن في الميدان".
ومضى قائلا: "بعد الحرب كانت هناك حالة من الخمول تماما، فالكل ينتظر كيف يتحرك جهازنا الأمني حيث لديه العديد من الإشارات والمعلومات، وتمكنا بعد الحرب من اعتقال ما يزيد عن عشرة عملاء جميعهم اعترف بالعمالة لدى الاحتلال"، مؤكدا وجود "عشرات الإشارات الأمنية التي تخضع للمعالجة، ويمكن أن يتولد عنها اعتقال مزيد من العملاء بعد أن ينضج الملف الخاص بهم".
المستقبل للمقاومة
وتعتبر حاجة الناس هي "كلمة السر في كل ما يتعلق بعمل الاحتلال"، الذي يستغلها بشكل فاضح من أجل تجنيد المزيد من العملاء، ويرى المسؤول الأمني أن العمل على "توفير الاحتياجات الأساسية للمحتاجين"، سيحد بشكل كبير من قدرة الاحتلال على تجنيد العملاء، والذي يؤكد أنه "ليس بالضرورة كل محتاج يمكن أن يتعامل مع الاحتلال".
وكان للرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيرس في السبعينيات جملة مشهورة حينما قال: "نحن الآن سيطرنا على قطاع غزة سيطرة كاملة"، وعند السؤال كيف؟، قال: "جميع احتياجات سكان قطاع غزة بأيدنا "، "وهذا هو الخطير"، كما يفيد بذلك محدثنا الذي أعتبر أن "هذه الفلسفة غير الإنسانية هي التي تحكم عمل الاحتلال".
ونفى المسؤول الأمني أن "يكون المستقبل للعملاء، وإنما للمقاومة"، مبينا أن عملية كشف العملاء "مستمرة باستمرار الاحتلال ووجود المقاومة، طالما هناك احتلال هناك عملاء، وطالما أن هناك مقاومة هناك كشف عن هؤلاء العملاء، لكن منحنى زيادة عدد العملاء إلى هبوط، بازدياد وتصاعد المقاومة ".
وأكد أن "خبرة الأجهزة الأمنية تعطي مساحة واسعة من النجاحات"، موضحا أن أبرز تلك النجاحات هو إحداث حالة من الوعي الأمني، التي وصفها "بالمهمة جدا، لأنها تضيق الخناق على العملاء، فأي تحرك مشبوه يلفت انتباه المواطن العادي الذي بات يدرك ذلك من خلال تعميق الثقافة الأمنية لدى مختلف فئات المجتمع الفلسطيني".
التحكم بالعملاء
وأفاد أن "المقاومة أثناء الحرب اعتقلت بعض المشبوهين، كما اعتقل بعضهم من قبل المواطنين"، وتلقى الجهاز الأمني أثناء الحرب بلاغا من أحد المواطنين يفيد أن ابنه عميل بعدما لاحظ عليه بعض السلوكيات الغريبة، وثبت صحة ذلك وقام المختصون بالتعامل مع الابن.
كما أكد أن الاحتلال تلقى الكثير من "الضربات الموجعة باعتقال العديد من العملاء"، كاشفا أن بعضهم كان "وراء اغتيال قيادات فلسطينية، وآخر كان مكلفا بزرع النقاط الميتة"، بمعنى أنه البنك المتحرك لجهاز مخابرات الاحتلال، وبالتالي تم إيقاف شبكة كاملة من العملاء.
وتمكن الجهاز الأمني من السيطرة على بعض العملاء والتحكم بهم من خلال ما أسماه المسؤول "إدارة بعض الحالات"، والتي من خلالها "نفشل العدو الذي يدير العميل لصالحه، ونقلب الأمر لصالحنا دون أن يعي الاحتلال ذلك"، مشيرا لوجود "تعاون جاد في المستوى الأمني مع المقاومة، وصل لمستوى كبير من الثقة ".
ووصف المسؤول الأمني تراكم تلك النجاحات أنها "تعطي حالة مستقرة تعوق عمل المخابرات الإسرائيلية".
مصائد الاحتلال
ودمرت العديد من الأماكن التابعة للجهاز الأمني بفعل الحرب الإسرائيلية الأخيرة، لكن ذلك لم يعوق عمل رجال الأمن الذين يعملون "بإرادة قوية تسهل علينا كل ما يقابلنا"، كما يؤكد محدثنا ذلك ويقول: "نحن في حالة مستمرة من الإنجازات والمعوقات والصعوبات"، مؤكدا: "أثناء الحرب كنا في موقع العمل والإشراف والتوجيه في أماكن خاصة بنا، لم نشعر أن هناك صعوبة أو أمرا خطيرا، أبسط شيء كان من الممكن أن يقابلنا هو الشهادة، وهذا أمر بسيط جدا في خضم تلك الحالة التي صنعتها غزة".
وحول معبر بيت حانون "إيرز"، الذي يقع شمال قطاع غزة ويربط القطاع بالداخل الفلسطيني المحتل، ويتحكم فيه الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل، قال المسؤول الأمني "نحن لا ننظر لهذا المعبر على أنه إنساني"، مطالبا "جهات الاختصاص الحكومية والحقوقية والسياسية بوجوب العمل على مغادرة كل رجال الأمن الإسرائيلي لهذا المعبر".
وقال: "يجب إعادة إعمار المعابر بطريقة تجنب أهلنا مصائد الاحتلال"، مضيفا "على معبر بيت حانون يقوم الاحتلال بمساومة المرضى الذين يذهبون للعلاج في المستشفيات الإسرائيلية للتعامل معهم، فإما التعاون أو الموت".
حرب المعلومات
وكشف أن مخابرات الاحتلال تتواجد في "المستشفيات لاستقبال من تمت معه الخطوة الأولى في معبر بيت حانون"، موضحا أن الاحتلال "يحاول أن يهدم التركيبة النفسية والثقافية والجمعية للمجتمع الفلسطيني في قطاع غزة ومعبر بيت حانون هو أحد تلك الأدوات"، وجدد مطالبته "بوجوب أن يكون المعبر إنسانيا بامتياز، لا مكان فيه لرجال المخابرات".
وشدد على أن الاحتلال وأجهزة مخابراته المختلفة "تسعى لهدم الإنسان الفلسطيني".
وسمح الاحتلال الإسرائيلي مؤخرا لمن هم فوق الستين عاما بالسفر عبر معبر بيت حانون للصلاة في المسجد الأقصى المبارك، وينوي أيضا إصدار تصاريح لبعض العمال الفلسطينيين للعمل في الداخل الفلسطيني المحتل، مما يشير إلى أن "الضربات الأمنية الموجعة"، التي تلقاها الاحتلال كما وصفها المسؤول الأمني، خلال حربه الأخيرة على غزة أثرت على عمله بشكل كبير، فهو على الدوام يحتاج لتجديد معلوماته وعناصره.
الخطة الأمنية
لكنه رغم قراءته لإجراءات الاحتلال -السماح بالصلاة في الأقصى ودخول العمال- قراءة مدنية، فهذا لا يمنع من اتخاذ بعض الخطوات الخاصة بتكليف بعض "الضباط المختصين بوضع التوجيهات والملاحظات العامة لزائري القدس"، والذين بدورهم "يبادرون بإعطاء بعض المعلومات من خلال ما حصل معهم".
وأشار إلى أن "الاحتلال لا يبادر دائما بخطته الأمنية في المراحل الأولى"، لذلك قام بتسليم المصلين باقة ورد، كتب على ورقة بها "نتمنى لكم قضاء وقت ممتع"، وذيلت برقم هاتف للتواصل، وهذا يدل على أن "الذئب"، كما يضيف المسؤول أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول أن يحسن من صورته.
استكمال النقص
ومضي قائلا: "وهنا يحدث التراخي، ومن ثم تأتي الإجراءات الأمنية لاحقا، والتي من أهمها الحصول على المعلومات، فيتم التعاطي معهم على أساس استقاء المعلومات بطريقة مدنية ليست ذات بعد أمني، وهذا خطير".
وأوضح أن "كل معلومة عامة عند المواطن، هي ليست كذلك عند رجل المخابرات الإسرائيلي، الذي يجمع تلك المعلومات ومن ثم يستكمل النقص فيها من خلال العميل".
وبين أن "المعلومات هي رأس مال أي جهاز استخباري، وهي أساس عمله، يبحث عنها بشكل دائم رجل المخابرات، وتتم معالجتها بالطريقة التي يمكن الاستفادة منها"، موضحا أن مجالات البحث والأدوات "مفتوحه أينما وجد مكان أو ظرف مناسب أو فرصة مواتيه للحصول على معلومات"، وتبقى المعركة الأمنية مستمرة.