يثير الانتصار الذي حققته حركة "نداء
تونس" في الانتخابات البرلمانية التونسية، تساؤلات حول مستقبل الحياة السياسية في تونس، مع تأكيد الحركة على استمرار زعيمها الباجي قايد
السبسي بخوض الانتخابات الرئاسية، ما يطرح مخاوفا لدى بعض الأطراف من
هيمنة الحركة على السياسة التونسية وإقصاء الأحزاب الأخرى في حال سيطرتها على الحكومة والرئاسة في الوقت نفسه.
وتتجه الأنظار حاليا للهيئة العليا للانتخابات لإعلان النتائج النهائية الرسمية لانتخابات البرلمان، والتي تظهر نتائجها غير الرسمية حصول "
نداء تونس" على حوالي 80 مقعدا، متقدمة على حركة النهضة التي حصلت على حوالي 70 مقعدا، إلا أن الأهم هو حالة الانتظار لمستقبل العملية السياسية بما في ذلك الانتخابات الرئاسية التي تعقد الشهر المقبل.
وأعلنت حركة نداء تونس أنها ستتحالف مع عدد من الأحزاب الفائزة بالانتخابات لتشكيل الحكومة المقبلة، حيث إنها لا تستطيع تشكيل حكومة بمفردها لعدم حصولها على الأغلبية المطلقة في البرلمان (109 مقاعد).
وقال رئيس "نداء تونس" الباجي قايد السبسي إن حزبه سيتحالف مع الأقرب له، وهم من ينتمون "للعائلة الديمقراطية"، دون أن يسمي أحزابا بعينها، فيما أكد عضو المجلس الوطني للحزب أيمن بجاوي على نفس المعنى في تصريحات صحفية، مشيرا إلى أن "نداء تونس" سيتحالف مع من أسماهم بالديمقراطيين، وهم "الجبهة الشعبية وآفاق تونس والمسار"، بحسب قوله.
وتظهر هذه التصريحات أن حزب نداء تونس سيتجه لتشكيل حكومة ضعيفة بتحالفه مع أحزاب صغيرة
لتحقيق الأغلبية المطلقة في البرلمان المقبل، إذ أن تشكيل حكومة قوية لا يمكن أن يتم إلا بتحالف نداء تونس مع حركة النهضة لتكوين أغلبية برلمانية مريحة تتجاوز الـ 150 مقعدا.
وبغض النظر عن طبيعة التحالف الذي سيشكله نداء تونس فإن من المؤكد أنه سيقود الحكومة المقبلة التي تحظى بصلاحيات واسعة بحسب الدستور الدائم الذي أقر في 26 كانون الثاني/ يناير الماضي، وهو ما يعني أن الحزب سيمتلك الدور الأبرز في الحياة السياسية التونسية خلال السنوات الخمسة المقبلة دون منافس.
على أن الحزب لن يكتفي على ما يبدو بالسيطرة على الحكومة المقبلة، بل إنه سيستمر في سعيه للسيطرة على مفاصل الحياة السياسية التونسية من خلال المضي قدما بترشيح رئيس الحزب الباجي قايد السبسي للرئاسة في الانتخابات المقبلة التي تعقد في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وهو ما أثار المخاوف من استئثار الحزب بالسلطة عبر الهيمنة على الحكومة والرئاسة في آن واحد.
وقد نفى الأمين العام لحزب نداء تونس الطيب بكوش في تصريحات لقناة الجزيرة الفضائية نية الحزب لعودة حكم الحزب الواحد، مشيرا إلى أن حزبه سيقيم تحالفا حكوميا موسعا حتى لو حصل على الأغلبية المطلقة بمفرده.
واعتبر بكوش حصول حزبه على رئاسة الحكومة ورئاسة الدولة أمرا مفيدا لإقامة انسجام بين الحكومة والرئاسة في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها تونس.
من جهته أكد رئيس حركة النهضة الشيخ راشد
الغنوشي في مهرجان جماهيري أمام أنصار الحركة أقيم الاثنين: "أن حركته لن تسمح بعودة أصنام الحزب الواحد والزعيم الأوحد والانتخابات المزيفة والمال الفاسد إلى الأبد".
وعلى الرغم من التصريحات المتفائلة من الطرفين بانعدام فرصة عودة حكم الحزب الواحد في تونس، إلا أن الواقع يحمل بوادر سيطرة شبه كاملة لـ "نداء تونس" على الحياة السياسية، إذا فاز السبسي فعلا بانتخابات الرئاسة المقبلة، وهو أمر مفهوم ومشروع في دول ديمقراطية راسخة، ولكنه مثير للجدل والمخاوف في ديمقراطية ناشئة تمر بمرحلة انتقالية صعبة.
ويذكّر هذا الجدل بالصراعات السياسية المستمرة التي واجهتها حركة النهضة بعد حصولها على الأغلبية في الانتخابات التأسيسية الأولى بعد هروب بن علي، حيث واجهت الحركة اتهامات بالسيطرة على الحياة السياسية التونسية على الرغم من تحالفها مع حزبين علمانيين هما حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات.
وقد واجهت النهضة أزمات سياسية شديدة، واتهمت خصومها بالسعي لإفشالها أثناء رئاستها للحكومة، كما واجهت اتهامات من المعارضة التونسية آنذاك بالإقصاء، رغم أن المناصب الرئاسية الثلاث وزعت بين ما كان يعرف بأحزاب الترويكا، حيث احتفظت النهضة برئاسة الحكومة فيما حصل المؤتمر على منصب رئيس الجمهورية، والتكتل على منصب رئاسة المجلس التأسيسي.
وإذا كانت النهضة قد واجهت اتهامات بممارسة الإقصاء والتحكم بالسلطة برغم هذه التحالفات، فكيف سيكون الحال مع "نداء تونس" التي يبدو أنها ستتحكم برئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية على الأقل، وربما ستصر على الاحتفاظ برئاسة البرلمان؟
وستشكل الإجابة على هذا التساؤل عنوانا للمرحلة السياسية المقبلة في تونس، إذ أنها ستكشف حقيقة إيمان حزب نداء تونس بمبدأ التحالف وتوزيع السلطة، كما ستكشف أيضا فيما إذا كانت الأحزاب التي عارضت النهضة قد قامت بذلك من باب الحرص على تشكيل حكم تشاركي في البلاد فعلا، أو أنها كانت ترغب فقط بتعطيل النهضة كما درجت الحركة على اتهام خصومها.
وبانتظار ما ستحمله الأيام المقبلة، تبقى الساحة السياسية التونسية ملتهبة ومفتوحة على احتمالات واسعة؛ تمتلك حركة نداء تونس اليد العليا في تحديدها، بين حكم ديمقراطي تشاركي، وبين هيمنة للحزب الحاصل على الأغلبية في الانتخابات، في بلد لا يزال في خطواته الأولى على طريق الديمقراطية.