مكتبة الإسكندرية.. صرح معرفي صامد وعريق

بعد مضى قرابة 4 سنوات على الثورة المصرية 25 كانون الثاني/ يناير 2011، وحدوث تغيرات عصفت بالسياسيين، والمجتمع المصري، تظل مكتبة الإسكندرية (شمال)، صامدة تشع نور المعرفة على مريديها وزوارها، رغم تعرضها لأحداث كانت من شأنها، الإطاحة باستمرار دورها التاريخي.

تقول نورهان البرديني، المسؤولة الإعلامية عن المكتبة التي تضم أكثر من 2 مليون كتاب لوكالة الأناضول، إنها "مؤسسة ثقافية ليست مرتبطة بتغيير الرؤساء، ولا تتأثر بوجود رئيس ينتمي لتيار سياسي بعينه، بل يتم تسيير الأمور فيها وفق لوائح وقوانين، مهما اختلف النظام الحاكم".

وتعرضت المكتبة، التي لازالت تحافظ على طابعها العلمي، لأكثر من واقعة للتدمير، كان أعظمها عام 48 ق.م، عندما تعرضت لحريق في عهد الملكة كيلوباترا أثناء الحرب السكندرية، وهي الحرب التي استعانت فيها كيلوباترا بملك روما يوليوس قيصر، لمواجهة زوجها بطليموس 13 الذي كانت على خلاف معه، فاستجاب لها بحرق الأسطول الخاص ببطليموس، وامتدت النيران لمبنى المكتبة.

وتوضح نورهان كيف أن "دور مكتبة الإسكندرية (التي تأسست قديما عام 288 ق.م) لم يغب في أشد الأوقات صعوبة، فرغم عدم وجود مكتبة الإسكندرية منذ القرن الرابع الميلادي وحتى عام 2002 (تاريخ إنشاء المكتبة مجددا)، لكن ظل الاعتماد على مجموعة المكتبات التي كانت ملحقة بالمعابد المصرية القديمة".

ويَعتبر الطلاب الذين يحرصون على الحضور يوميا لهذا المبنى، المكتبة بمثابة الهرم الرابع لبلادهم، حيث تضم أكثر من مليوني كتاب، و120 ألف رسالة دكتوراة، و150 ألف كتاب إلكتروني، وتكونت هذه الثروة العلمية عقب إنشاء المكتبة الجديدة، في عام 2002، عندما اشتركت مصر مع اليونسكو ودول أوروبية عدة في إعادة بنائها في موقع لا يبعد إلا 200 متر عن موقع المكتبة القديمة التي تعرضت للتدمير.

وبحسب جولة قامت بها مراسلة الأناضول للاطلاع على معالم المكتبة، فهي تضم 3 مبان، هي مركز المؤتمرات ومركز القبة السماوية، والمبنى الرئيسي الذي يضم قاعة الإطلاع الرئيسية، وهي عادة ما تعج بزوار من مختلف الجنسيات والأعمار.

وتصف نورهان المكتبة بقولها "المكتبة أفادتني على المستوى الشخصي، وأفادت جميع الطلاب الموجودين هنا، لقربها من مجمع جامعة الإسكندرية، والذي يشمل الكليات النظرية والعملية، وبالتالي اعتماد جميع الطلاب في عمل الأبحاث على المكتبة، كما أن ما يقرب من 80% من زوار المكتبة يعتمدون عليها في تحصيل العلم".

ورغم أن زائر المكتبة، قد يظن للوهلة الأولى أنها تضم مجلدات كتب فحسب، لكن ما أن يبدأ جولة داخل أروقتها، حتى يرى معرض "تاريخ الطباعة" بمصر، الذي يضم ألواحا زجاجية تؤرخ لتاريخ مصر، ومنها لوح زجاجي يضم النص الافتتاحي لمحمد علي باشا المكتوب باللغة العثمانية والذي يؤرخ لافتتاح مطبعة بولاق عام 1820 ميلادي، ولوح زجاجي آخر يضم بداخله صندوق حروف طباعة جرى استخدامها في مطبعة بولاق.

كما يضم المعرض ماكينات مختلفة لتجميع الحروف، فضلاً عن نماذج من المواد المطبوعة،  كتقرير صادر من مصلحة السجون المصرية عام 1902 ونتائج للحائط يرجع تاريخها لعام 1892 ميلاديا، ودفاتر لمرتبات وأجور يعود تاريخها لعام 1887 ميلاديا، وكذلك العدد الأول من جريدة الوقائع المصرية وهي أول جريدة تصدرها مطبعة بولاق.

وأمام أحد الألواح الزجاجية، وقفت "كلاوديا" ذات العقد الأربعيني، من الأرجنتين، والتي قالت للأناضول إنها "تزور المكتبة لأهميتها على مستوى الاطلاع على العلوم"، واصفة التصميم المعماري للمكتبة بأنه "رائع"، وسيدفعها إلى دعوة أصدقائها لزيارة تلك المكتبة، التي لم تكن تتوقع أن تكون "رائعة" بهذه الصورة، على حد قولها.

وتضيف نورهان، "المكتبة ليست متاحة لجنسية أو فئة أو تيار بعينه، لكنها مفتوحة للجميع، كذلك الكتب غير خاضعة للرقابة، حيث يوجد للكتب الجدلية مكانها لاطلاع الباحثين عليها".

ومع الزخم الذي حصلت عليه مكتبة الإسكندرية لاحتوائها على كم كبير من المكتب، غير أن أعدادا تحضر خصيصا لزيارة متحف الآثار بداخلها، حيث يضم نحو 1276 قطعة أثرية، تشمل 4 فترات من العصر الفرعوني واليوناني الروماني والقبطي والإسلامي.

وتفسر سامية سعد رشوان، مديرة المتحف للأناضول، الإقبال عليه بقولها "الجميع يعلم أن العاصمة القاهرة تركز أكثر على الجزء الفرعوني، بينما نحن في الاسكندرية نركز على الجزء اليوناني الروماني، والزائر يفضل المجيء إلى هنا، لأن المتحف ثري بالمجموعة اليونانية الرومانية".

متحف الآثار الذي افتتح عام 2003 مع المكتبة الجديدة، يزوره شهرياً أكثر من 6 آلاف زائر، بحسب سامية، بدأ في مشروع المتاحف الافتراضية، بالاشتراك مع أربع مدن أخرى، وهي مدينة روما بمتحف فوري إمبريالي، ومدينة الإسكندرية بمتحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، ومدينة أمستردام بمتحف آلارد بيرسون، وأخيراً في مدينة سراييفو بمقر مجلس المدينة.

تمضي رشوان، "عقب الثورة المصرية كنا نخشى من أن تتأثر المكتبة أو المتحف، لكن ما حدث هو العكس، فظل المصريون والأجانب يحضرون لتلقي العلم داخل المكتبة وزيارة المتحف، ونحن فكرنا أن نطرح مشروع المتاحف الافتراضية، لأنه سيفيد أي دارس للآثار، كما أنه سيكون أكبر ترويجيا للمتحف الذي يعد ثاني متحف يتواجد داخل مكتبة في العالم، بعد مكتبة الكونجرس الأمريكية".