تساءل تقرير لموقع "ميديل إيست آي" البريطاني إن كان حزب "نداء
تونس" ورئيسه الباجي قايد
السبسي يمثل حنينا لفئة من التونسيين إلى الماضي، الذي يمثله
بورقيبة والدساترة والتجمعيين.
وقال التقرير الذي كتبه باتريك أو. ستريكلاند ونوري فيرغيز: "وقف الباجي قايد السبسي، رئيس الحزب الذي جنى أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية التونسية الأخيرة وحيداً، باسطاً كفيه على ضريح أبيض مزين بالديباج، وعينه ترمق الماضي، ليدشن حملته للانتخابات الرئاسية التي من المقرر أن تجري في أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري".
وأضاف "قبل ذلك بلحظات، وقف زعيم نداء تونس البالغ من العمر 87 عاماً، خطيباً في آلاف المؤيدين الذين تجمعوا يوم السبت في المنستير، وهي بلدة تقع على الساحل الشرقي لتونس، ليقول لهم إنه آن الأوان "لاستعادة هيبة الدولة وتوحيد التونسيين".
وتابع التقرير الذي رصد حديث السبسي الذي ترحم على الحبيب بورقيبة، أول رئيس لتونس بعد الاستقلال، الذي حكم البلاد من 1956 وحتى أطاح به زين العابدين بن علي في عام 1987: "ينبغي استعادة دور الدولة، وهذا هو دورنا".
وحول السيرة الذاتية لحزب نداء تونس، أوضح التقرير "تشكل حزب نداء تونس الذي يترأسه السبسي في عام 2012 بعد أول انتخابات تشهدها تونس في عام 2011 بعد الإطاحة بنظام بن علي، وقد كسب نداء تونس 85 مقعداً من أصل 217 مقعداً برلمانياً صوت عليها التونسيون في الانتخابات التي جرت يوم 26 أكتوبر. وجاءت حركة
النهضة، الحزب الإسلامي المعتدل، في المرتبة الثانية بتسعة وستين مقعداً.
وأوضح من النتيجة أن أياً من الحزبين لم يتمكن من كسب ما يكفي من الأصوات ليشكل أغلبية تمكنه
من الحكم منفرداً".
وعرج التقرير محدثا عن منطقة المنستير بقوله "لما كانت المنستير مسقط رأس ومحل دفن الرئيس السابق بورقيبة، فإنها تحتل مكانة خاصة في المخيلة الشعبية التونسية، إنها قلب المنطقة التي ينحدر منها كلا الرئيسين السابقين بورقيبة وبن علي، والتي تعرف محلياً باسم الساحل، والتي حظيت باستمرار بامتيازات اقتصادية حرمت منها المناطق الداخلية جنوب البلاد والتي طالما عانت من التهميش السياسي ومن الفقر".
ونوه إلى أنه "بعد سنوات من الغياب النسبي من الخطاب السياسي الرسمي في فترة حكم بن علي، ها هي صورة بورقيبة تبعث من جديد على أيدي السبسي الذي قام بزيارة علنية إلى ضريح الرئيس السابق احتفت بها وسائل الإعلام المحلية وسلطت عليها أضواءها".
الذاكرة الانتقائية
ولفت التقرير إلى ما قالته النائب البرلماني عن حزب نداء تونس وعضو المكتب التنفيذي للحزب بشرى بلحاج حميده من أنه "إذا كان ثمة ما يوحد الحزب فهو مشروع بورقيبة الاجتماعي الحداثي".
وبين التقرير أنه في اللقاء مع "ميدل إيست آي"، قالت حميدة التي جلست في مكتبها أمام صورة للرئيس السابق وهو ممسك بيده باقة زهور بيضاء: "الأيديولوجية لا توحد الحزب"، في الوقت الذي أشار فيه إلى أنه "قد لا تجد في كلام هذه السيدة التي انتخبت مؤخراً عن حزب نداء تونس كثيراً من التفاصيل وإنما الكثير جداً من اليقين وهي تعبر عن رؤية الحزب التي تستهدف إبراز صورة له ترتبط بالبراعة التكنوقراطية". مكررا ما قالته حميدة: "نحن ندعم دولة تحكم بالقانون، وبحقوق المرأة وبالحرية".
وقال التقرير: "بينما جلست تدخن السجائر بشراهة، ذهبت البرلمانية حميدة، وهي المحامية والعضو السابق في التجمع الدستوري لابن علي ورئيسة اتحاد النساء الديمقراطيات، تروي قصة تلخص الرؤية الأيديولوجية غير الواضحة والمتغيرة للحزب الجديد، وتصف السنوات الأولى من عمرها السياسي حينما كانت معارضة شديدة لبورقيبة".
وتابع التقرير قائلا: "في أحد الأيام، وبينما كانت تشارك في اجتماع للمحامين العرب في تونس عام 1980، تفاجأت حميدة بما صدر عن زميل لها من تصريحات محتقرة للمرأة، وقالت: "قمت مباشرة بكتابة عبارة يعيش بورقيبة على محفظتي". وقررت منذ تلك اللحظة أن الرئيس كان هو رمز التحرر.
وأشار التقرير إلى أنه "كثيراً ما ينسب لبورقيبة الفضل في صياغة قانون الأحوال الشخصية، والذي غدا ساري المفعول بعد حصول تونس على الاستقلال من فرنسا عام 1956، ويشتهر بإعلانه المساواة بين الرجال والنساء. إلا أن بورقيبة وعلى مدى سنوات حكمه الإحدى والثلاثين استبدل خطابه الراديكالي المبكر والداعي إلى العدالة والمساواة بتحالفات نخبوية محلية وبنزعات استبدادية واضحة".
ولفت التقرير إلى أنه "حينما حكم أحد القضاة عام 1986 بالبراءة على أعضاء في حركة النهضة كانوا يحاكمون بتهم تتعلق بنشاطات لهم خلال فترة مطولة من القمع الجماعي ضد الحركات الإسلامية، اشتاط بورقيبة غضباً وطالب بإعادة محاكمتهم والحكم عليهم بالإعدام".
فيما اعتبر التقرير أن السكرتيرة الصحفية لحزب نداء تونس عايدة القليبي تقر "بأن بورقيبة كانت له مواقع ضعف"، قائلة: "صحيح أنه لم تكن هناك ديمقراطية، إلا أن على كل جيل واجبات ينبغي أن يضطلع بها، وبالنسبة لبورقيبة تضمنت تلك الواجبات القضاء على المرض، والتعليم الشامل وحقوق المرأة".
وترى القليبي أن جذور حزب نداء تونس تعود إلى حركات الإصلاحيين التونسيين في مطلع القرن التاسع عشر.
في وجهة نظر مختلفة، أبرز التقرير ما قالته الباحثة والصحفية هند حساسي، التي ترى بأن حزب نداء تونس يستأثر لنفسه بالخطاب البورقيبي حول حقوق المرأة وحول الحداثة من أجل "تسويق أنفسهم كحزب".
ولعل كلامها يعززه ما أثير مؤخراً من تشكيك بصدقية السيبسي في ادعائه حمل راية الدفاع عن الإناث، إثر رده في لقاء تلفزيوني في مطلع شهر أكتوبر على انتقادات وجهتها له نائب رئيس المجلس التأسيسي التونسي بالقول "إنها مجرد امرأة". وفق ما ذكره التقرير.
وفي رأي آخر، خصص لأستاذ التاريخ المعاصر في جامعة مانوبه، قمر بندانه، حيث قالت إن نداء تونس يعتمد على الذاكرة الانتقائية، قائلة: "في الفترات العصيبة ينزع الناس إلى اللجوء إلى الماضي، الذي يربط فيه البعض بورقيبة بتاريخ مجيد. إلا أن ذلك نوع من الانتقائية، وكل الذاكرة الإنسانية انتقائية".
وأضافت بندانه إن صورة بورقيبة كبطل للاستقلال تستخدم أداة في استراتيجية نفسية هدفها كسب أصوات الجماهير استغلالاً لحالة القلق التي يعيشونها.
قليل من الاتفاق
واصل الكاتبان في تقريرهما "لقد لجأ حزب نداء تونس مؤخراً إلى أساليب غير مسبوقة في محاولة منه لتقديم نفسه على أنه امتداد للعهد البورقيبي، ففي لقاء للحزب عقد في سوسه، وهي مدينة ساحلية إلى الجنوب من العاصمة تونس، بث مسؤولو الحزب المحليون صورة ضخمة لرأس الرئيس السابق، وبعد عدة دقائق من الصمت، انطلق صوت السبسي وهو يتحدث من خلال بورقيبة الذي بعث من جديد إلى الحياة بفضل وسائل التقنيات الرقمية".
واستدرك الكاتبان "إلا أن النقاد يرون بأن تمثل نداء تونس للعهد البورقيبي ما هو إلا وسيلة لتجنب الانتقادات الموجهة إليه بأن كثيراً من أعضائه كانوا مشاركين فاعلين في النظام الدكتاتوري لابن علي وبأنه يعاني من انعدام التماسك الداخلي".
ولفت التقرير إلى أن معارضي الحزب "يستغلون حقيقة أن نداء تونس ولد بشكل رئيسي من خلال رد الفعل المسعور على نجاح حزب النهضة الإسلامي المعتدل في انتخابات أكتوبر من عام 2011".
وسلط التقرير الضوء على ما قالته عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية اليسارية حياة حمدي في تصريح لميدل إيست آي: "لا يوجد داخلياً ما يوحد آراءهم السياسية والاقتصادية، إلا أن العناصر الرأسمالية التي تمثل المصالح التجارية الكبرى داخل نداء تونس هي صاحبة الصوت الأعلى".
إلا أن البرلمانية حميده من نداء تونس تدحض ذلك بالقول: "كل الأحزاب لديها علاقات برجال الأعمال". يجمع فيه حزب نداء تونس ضمن إطاره عدداً من المصالح المتناقضة، فمن أعضاء سابقين في التجمع الدستوري الديمقراطي لابن علي إلى رجال الأعمال الذين ارتبطوا بالنظام القديم إلى المستقلين الاتحاديين واليساريين.
وكان رئيس نداء تونس السبسي قد عين في أكتوبر من عام 2013 محمد غرياني، الأمين العام السابق للتجمع الدستوري الديمقراطي مستشاراً خاصاً له.
من ناحيتها، تقول السيدة حساسي بأن الحزب "سعى إلى مواجهة الآثار السلبية لمثل هذه الخطوة من خلال إبراز ما في داخله من تيارات يسارية عبر وسائل الإعلام نظراً لأنها "تحظى باحترام أكبر". إلا أن التصدعات بين مكونات تحالف نداء تونس المتباينة بدأت تبرز إلى السطح فيما وراء الكواليس".
وتابعت "فلقد ألغي مؤتمر الجمعية العمومية للحزب، الذي كان مقرراً انعقاده في يونيو، وبدلاً من التداول حول القضايا الخلافية مثل التحالف المحتمل مع حركة النهضة، ومصادر تمويل الحزب، وانتخاب الهيئات الحاكمة للحزب، قرر زعماؤه تأجيل اجتماع آخر نظراً لخشيتهم من أنه لو عقد كان سيفاقم من التوترات بدلاً من يساهم في حلها".
وأوضح التقرير أنه "في أغسطس اضطر نجل السبسي واسمه حافظ إلى سحب اسمه من قائمة مرشحي رئاسة حزب نداء تونس في الدائرة الأولى داخل العاصمة، وهي واحدة من أهم الدوائر في البلاد، بعد اتهامات بالمحسوبية وجهها بعض أعضاء الحزب. في أحد البرامج التلفزيونية الحوارية".
أما رئيس مفوضية الانتخابات في الحزب وأحد رجال الأعمال الأثرياء فوزي اللومي فقد قال كما جاء في التقرير: "لم يوافق أحد على هذا الترشيح، وإنما كان ذلك قرار والده، بوصفه رئيساً للحزب والرجل الذي يمسك بزمام الأمور فيه، رغبة منه في أن يتصدر ابنه القائمة".
بينما علقت المحللة السياسية المقيمة في تونس نوال بايزيد، التي كانت تشغل من قبل المنسق السياسي لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية قائلة: "يمكن بسهولة أن يصبح نداء تونس ثلاثة أو أربعة أحزاب نظراً لقلة الوفاق بين مكوناته على الرؤية السياسية. لا يمكن على المدى البعيد الحفاظ على الوحدة بين مكوناته المتناقضة، وخاصة في ضوء ما يتوقع نشوبه عاجلاً أم آجلاً من أزمات داخلية". ثمة إجماع بين الطيف السياسي في تونس، بما في ذلك سياسيون من اليسار ومن اليمين، على أن رؤية نداء تونس للبلاد فيما عدا الرغبة في تقليص دور حركة النهضة تبقى غامضة.
وتتابع بايزيد: "نداء تونس، في الواقع، مدين في الانتصار الذي أحرزه لحركة النهضة. فبالإضافة إلى أنه ولد من رحم المعارضة للنهضة، فإن ما تحقق له من نجاح حتى الآن لم يكن ليجنيه لولا أخطاء حركة النهضة".
لم ننتخب
رغم الانتقادات التي توجه على نطاق واسع لحركة النهضة بسبب سوء إدارتها للاقتصاد في فترة ما بعد الثورة في تونس، وهي فترة شهدت أيضاً سخطاً متزايداً إزاء تدهور الحالة الأمنية على حدود البلاد، إلا أن الحزب الإسلامي كسب سمعة طيبة لمحافظته على ديمقراطية حية ونشطة داخلياً.
ففي الوقت الذي فيه يصر ممثلو حزب نداء تونس على أن الآليات الداخلية لحزبهم في طور التحول نحو مزيد من الديمقراطية والتمثيل الشعبي. تقول البرلمانية حميدة عن حزب نداء تونس: "كلنا نؤيد الحديث عن ذلك بأمانة ونزاهة. نحن فعلاً لم ننتخب". وهي تقصد بذلك موقعها في اللجنة التنفيذية للحزب والتي يقدر عدد أعضائها بحوالي ثمانين عضواً.
وفي محاولة منها لتبرير انعدام الهياكل الديمقراطية داخل حزب نداء تونس، تشير حميدة إلى أن الحزب ما يزال في مهده وبأنه سيتخذ قرارات تتعلق بمستقبله في المؤتمر القادم للحزب في المستقبل.
إلى ذلك، وفي وضعها الحالي، تبقى الآليات الداخلية لحزب نداء تونس مبهمة سوى في بعض الحالات النادرة التي تخرج فيها الأزمات إلى العلن.
من وجهة نظر المحللة نوال بايزيد فإن "نداء تونس أشبه ما يكون بصندوق أسود لا نستطيع بعد الاطلاع على ما في داخله".
وكان الحزب في شهر أغسطس قد هزته موجة استقالات بين أعضائه في المكتب الجهوي بسبب خلافات حول قوائم الحزب الانتخابية.
تختم بايزيد حديثها قائلة: "من الصعب القول، ولكن ما يمكن استنتاجه من كل هذه الأمثلة هو أن العمليات الداخلية لنداء تونس عبارة عن أوامر من أعلى إلى أسفل وأنها ليست ديمقراطية جداً. هناك تغيرات داخلية كثيرة ولكن يبدو أنها تحدث فقط بأمر من السبسي، والذي يبقى باستمرار كما هو، الزعيم".