طنان من
الإسمنت، فقط كل ما يحتاجه الفلسطيني ماجد ياسين، لترميم أسقف غرف منزله، الذي تضرر جزئيا بفعل الحرب
الإسرائيلية الأخيرة على قطاع
غزة.
غير أن ياسين، (39 عاما) وهو أب لخمسة أطفال، فقد الأمل بأن يحصل ولو على بضعة أكياس من الإسمنت، تنقذه من البرد، وأمطار الشتاء، إذ سيضطر للانتظار طويلا، إلى أن تصله بطاقة استلام الإسمنت، أو "
كوبونة الذل" كما أسماها.
وأضاف أن "ما يجري، هو تدمير لإنسانيتنا، ما نريده هو الحصول على كميات من الإسمنت، لا نطلب أشياء استثنائية، أو خطيرة".
وكغيره من آلاف المتضررين، سجّل ياسين اسمه رباعيا، مرفقا ببيانات طويلة ومعقدة، يتم تسليمها لوزارة الأشغال والإسكان الفلسطينية.
وبدأت وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية، في 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بتوزيع كميات من الإسمنت اللازم لإعادة إعمار المنازل المدمرة جزئيا خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وفقا آلية وضعتها منظمة
الأمم المتحدة بالتوافق مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
ويشتمل الاتفاق الخاص بتوريد مواد البناء إلى قطاع غزة، على آلية لمراقبة ضمان عدم استخدام مواد البناء التي سيتم توريدها لأغراض أخرى بخلاف عملية
الإعمار.
وقال ناجي سرحان، وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية، إنّ قوائم أسماء المتضررين، يتم إرسالها إلى وزارة الشؤون المدنيّة، والتي ترسلها بدورها إلى إسرائيل كي يتم اعتمادها.
واعتبر سرحان، أنّ "هذه الآلية، عبارة عن امتهان وذل للفلسطينيين"، مضيفا أن الوزارة تمنح المتضررين بطاقات لاستلام الإسمنت وفق حاجتهم.
وقال إن "هناك إجماعا فلسطينيا على رفض هذه الآلية، كما أن كميات الإسمنت التي تدخل القطاع محدودة جدا، ما يعني أن توزيع كميات الإسمنت سيستغرق سنوات".
ويبلغ عدد المنازل المدمرة كليا والمتضررة جزئيا، جراء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة حو 90 ألف منزل، حسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وفي 14 من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، سمحت إسرائيل بدخول دفعة أولى (75 شاحنة) من مواد بناء إلى قطاع غزة، بعد حظر دام سبع سنوات، فيما استأنفت في التاسع من شهر نوفمبر الجاري (18 شاحنة).
وهذه الكميات، لا تكفي لتعمير شيء، أو البدء في تشغيل مصانع الباطون، كما يقول ماهر الطباع مدير العلاقات العامة، في الغرفة التجارية بغزة.
ويؤكد الطباع، أن إعمار القطاع يحتاج إلى إدخال 400 شاحنة يوميا من مواد البناء، وما تم إدخاله حتى اللحظة لا يمثل 18% من الاحتياج اليومي.
وأضاف:" لو أردنا إعمار غزة في ثلاث أو خمس سنوات، فهذا يتطلب إدخال ما يزيد عن 400 شاحنة يوميا فقط من مواد البناء (الإسمنت والحصى والحديد وغيرها) دون رقابة أو قيود، لكن في حال تم تطبيق آلية رقابة الأمم المتحدة، على دخول مواد البناء سوف يحتاج قطاع غزة إلى 20 عاما لإعادة الإعمار".
ولا يقتصر الأمر هنا، بحسب الطباع، على تأخير عملية الإعمار، بل على الآلية التي تحول أهالي قطاع غزة، إلى متسولين.
وقال "وكأن قدر الفلسطيني، أن يصطف في طوابير طويلة، وبيده كوبونة يحصل من خلالها على الغذاء، والمال، والوقود، والآن الإسمنت، هذه كوبونة إذلال، يجب أن يتم رفض هذه الآلية، رسميا وشعبيا".
و"الكوبونة"هي عبارة عن ورقة يتسلمها المواطن، من جهات حكومية وإغاثية، ثم يذهب بها لجهة حكومية أخرى لتسلم ما تضمنه هذه الورقة من مواد غذائية أو وقود، وحاليا الإسمنت.
من جانبه، قال عصام يونس، مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان، في قطاع غزة، إنّ "الخطة الأممية للإعمار، تنتهك القانون الدولي الإنساني".
وأضاف يونس، إنّ "ميثاق الأمم المتحدة ينص على توفير كافة الاحتياجات الإنسانية، دون قيود أو شروط".
وتابع قائلا إن "الإسمنت يأتي في مقدمة هذه المواد، ولا يجوز أن يتم التحكم بكميات إدخاله، وللأسف الشديد، هذه الآلية، تعبر عن عجز الجهات الدولية، في إغاثة قطاع غزة".
المواطن الغزي الخمسيني، سمير الشوبكي، يشعر بالإحباط، من طريقة الحصول على الإسمنت، وقال إنّ جاره "تمكن من استلام ثلاثة أكياس من الإسمنت بعد 4 أسابيع من التسجيل".
وتابع: "سجلت للحصول على 3 أطنان، وفق احتياجاتي، وها أنتظر، الأمر بات أشبَه بالوقوف في طابور طويل من الذل، كل ما نريده هو حياة كريمة، أن نرمم منازلنا ونقي أطفالنا من البرد والمطر، هذه مواد لا تستخدم في تخصيب اليورانيوم".
واستنكرت حركة حماس، وفصائل فلسطينية، وخبراء سياسيون واقتصاديون خطة الأمم المتحدة، مؤكدين أنّها تشكل إعاقة واضحة لإعادة الإعمار، وإطالة لأمدّه.
وشنت إسرائيل عدوانا على القطاع في السابع من يوليو/ تموز الماضي، استمرت 51 يوماً، أسفرت عن استشهاد أكثر من ألفي فلسطيني، وإصابة أكثر من 11 ألفاً آخرين، فضلاً عن تدمير 9 آلاف منزل بشكل كامل، و8 آلاف منزل بشكل جزئي، وفق أرقام فلسطينية رسمية، بالإضافة إلى مقتل 66 جندياً إسرائيلياً، بحسب بيانات الجيش الإسرائيلي.
وكان مؤتمر إعمار قطاع غزة، الذي عقد في القاهرة في الثاني عشر من شهر أكتوبر/ تشرين أول الماضي، قد جمع مبلغ 5.4 مليار دولار نصفها خصص لإعمار غزة، فيما خصص الجزء المتبقي لتلبية احتياجات الفلسطينيين.