تجارة مربحة جدا في المدن الساحلية التركية، كمدينة مرسين وإسكندرون، حيث ينشط فيها مهربو البشر الذين يقومون بتهريب الشباب السوريين والعائلات أيضا إلى الشواطئ الإيطالية، كما بدأت تنتشر مكاتب لسماسرة
التهريب إلى أوروبا في هاتين المدينتين التركيتين. وذكر الناشطون اسمي مكتبين في المدينتين المذكورتين، تحتفظ "عربي21" بهما.
يقول ناشطون، في أحاديث خاصة لـ"عربي21"، إن هذه المكاتب تعمل في العلن بمجال العقارات، لكن يقوم وسطاء بالتواصل مع شبان سوريين راغبين بالهجرة الى أوروبا ويرتبون لهم مواعيد مع السماسرة الذين بدأت أسماؤهم تنتشر مؤخرا، ومن بينهم شخص يعرف باسم "جدو اللاذقاني" وآخر باسم "الأشقر"، وهما يقطنان حاليا في مدينة مرسين التي تنطلق منها سفن صغيرة محملة بمئات العائلات إلى شواطئ أوروبا.
وبحسب الناشطين، يقوم بعض السماسرة ومن بينهم "الأشقر" بشراء قوارب صغيرة من مصر، وتكون هذه القوارب غير صالحة للسفر أو لنقل الركاب، وغالبا ما تكون مخصصة للصيد، وعند انتهاء صلاحيتها يتم بيعها بثمن رخيص جدا لا يتعدى 20 ألف دولار، ليتم صيانتها وتجهيزها لرحلة واحدة فقط إلى
إيطاليا، ثم تتم مصادرتها من قبل البحرية الإيطالية.
عبد الستار، شاب سوري من مدينة اللاذقية، يروي قصته، وكيف ودع أهله أكثر من خمس مرات ظنا منه أنه سيغادر على متن إحدى هذه القوارب، إلا أن جميع محاولاته باءت بالفشل، لتنجح محاولته السادسة بالهروب إلى إيطاليا.
يبدأ عبد الستار قصته بقوله: "بدأت قصتي عندما تواصلت مع عدة مهربين جميعهم طلبوا مني أن أتواجد في مرسين، أي مكان الانطلاق. وفعلا، توجهت إلى المدينة وقابلت سمسارا يدعى أبو أحمد. وفي البداية طلب مني مبلغا كبيرا يصل إلى تسعة آلاف دولار أمريكي قبل الاتفاق على مبلغ ستة آلاف دولار. وما وعدني به كان باخرة طولها 90 مترا، وفيها قوارب احتياطية وستر نجاة، ومكان لائق للإقامة، وحمامات للسيدات وللرجال. وقمت بتسلميه المبلغ كاملا كوني أعرفه من اللاذقية على أساس الثقة المتبادلة".
يتابع: "تم تجريدي ومن معي من الشباب الذين يريدون السفر من جوالاتنا، ونقلنا إلى فندق صغير مغلق قريب. وبعد أربعة أيام جاء المهرب إلينا، وأخبرنا أن نتجهز للسفر، وهنا شعر الشباب بالفرح والسرور، إلا أنني لم أكن لأني أعلم مدى كذبهم. وعند المساء، جاء نفس الرجل وقال لنا إن الرحلة تأجلت لأن الجندرما (أي الشرطة) تشدد المراقبة. واستمر الحال على ما هو عليه عدة أيام أخرى، حتى بدأ الجميع يشعر بالملل، وهنا أعاد السمسار لنا الجوالات، وبعد يومين عاد إلينا لاسترجاعها، واحتفظ أحد الشباب بجهازه "الآي فون" دون علم المهرب".
يقول عبد الستار: "في المساء تم نقلنا إلى الشاطئ على دفعات، كل شابين مع بعضهما، حتى وصل عددنا إلى مئة تقريبا. وصعدنا إلى قارب صيد صغير، كان هناك أشخاص أتراك يقفون على القارب يرمون كل الأشياء التي بحوزتنا حتى طعام الأطفال، ويهددونا بالرجوع إذا لم نعطهم أغراضنا، وكانت الساعة حينها قاربت الواحدة ليلا. وانطلق بنا المركب إلى المياه الدولية حيث تهنا فيها لأكثر من ثلاث ساعات".
يتابع: "قال لنا الشخص الذي يقود الزورق إننا ضعنا في البحر، وليس لدينا جهاز "ثريا" كي نتصل ببقية المجموعة. وبقيت الأمواج تتلاطمنا أكثر من خمس ساعات، وكل منا يقرأ القرآن، ويدعو الله بأن يتلطف بنا، لكنني انتبهت إلى أن الشاب صاحب "الآي فون" كان من بين الموجودين على القارب، وصرخت في وجهه: "أخي هات تلفونك"، وفعلا كان الهاتف هو سبيلنا للخلاص".
يقول عبد الستار: "اتصلنا بقوارب أخرى، واستطعنا النجاة بأرواحنا، حيث نقلتنا هذه القوارب إلى قارب كبير يقف في المياه الإقليمية، صعدنا إليه الساعة الخامسة صباحا من اليوم ذاته، وكان عبارة عن قارب شحن. ونمنا على أرض من الحديد. وعند الساعة العاشرة صباحا أيقظنا شبان سوريون ملثمون وقدموا لكل شاب رغيف خبز وقطعة جبن صغيرة. وبقينا في عرض البحر سجناء محتجزين في عنبر السفينة لمدة ثلاثة أيام، حيث تيسر مجيء الدفعة الثانية عند الساعة 11 ليلا، وكان عددهم أيضا 100، أكثر من 25 منهم نساء وأطفال".
يضيف: "عندها أخبرنا طاقم السفينة ببدء الرحلة باتجاه إيطاليا، وعند صباح اليوم التالي بعد مسير ليلة، تفاجأنا بأننا لم نتحرك إلا بضعة أميال في عرض البحر، ليستضيف القارب دفعة أخرى من اللاجئين عددهم قرابة 100 ليصبح العدد الكلي 300 لاجئ. وكان عدد الأطفال والنساء ما بين 40 إلى 50".
يبيّن عبد الستار أن المكان كان ضيقا جدا، "وكنا نعامَل معاملة السجناء، ونأكل وجبتين من الطعام يوميا ولا طعام للأطفال. وفي صباح اليوم التالي، استيقظنا على صراخ أفراد الطاقم وهم يقولون "الجندرما" التركية اكتشفت أمرنا، وهنا اكتشفنا أننا كنا ندور في الحلقة ذاتها، وبالقرب من المياه التركية".
يتابع عبد الستار: "هنا بدأت السفينة تسير بسرعة خشية الاعتقال، وأثناء الرحلة حدث خرق كبير في مؤخرة السفينة، ما تسبب في تسريب المياه إليها بشكل بسيط. أخبرنا الطاقم، فكانت الإجابة "دبروا حالكم". واضطررنا جميعا للنزوح إلى مقدمة السفينة داخل العنبر، واستطاع بعض الشبان أن يحلّوا المشكلة بشكل مؤقت".
يقول: "في اليوم التالي، أخبرنا أحد أفراد الطاقم بأن هناك انحرافا في مسار الرحلة، لأن أفراد الطاقم يعتمدون على شروق الشمس في تحديد مسار الرحلة، وأننا نتوجه باتجاه مصر بسبب نفاد الطعام والماء. وخيرونا بين أن نبقى عدة ساعات لجلب الطعام والماء من مصر، أو نبقى ستة أيام أخرى بدون طعام وماء حتى نصل إيطاليا. وفعلا تابعنا المسير باتجاه المياه المصرية، وبقينا يومين كاملين بانتظار المياه والطعام، وأخيرا منّ الله علينا ببعض عبوات المياه الصالحة للشرب وطعام للأطفال الصغار الذين لا يهدأ صراخهم وبكاؤهم".
ويوضح عبد الستار: "أثناء ذلك انضم إلينا أيضا مزيد من المهاجرين الجدد، ويبلغ عددهم أكثر من 50، ليصبح العدد الإجمالي أكثر من 350. وصعد بعض الشبان على سطح العنبر، واشتبكوا مع الطاقم؛ لأنهم لم يصدقوا بأي من الوعود التي أطلقوها. واستطاع الشبان الذين صعدوا للأعلى أن يجبروا أفراد الطاقم على المسير باتجاه المياه الإيطالية، وأعادوا لنا أجهزة الموبايل المصادرة، وبذلك تمكنت من التقاط بعض الصور. وبعد ذلك انطلقنا أخيرا باتجاه المياه الإيطالية".
يشير عبد الستار إلى أن سرعة السفينة كانت هائلة؛ بسبب صوت هدير المحرك، وبعد يومين أخبرونا أننا اجتزنا المياه اليونانيةن ووصلنا إلى المياه الإيطالية. وهنا اقتربت منا سفينة بحرية حربية ومروحية مكتوب عليها (MARINA) يبدو أنها إيطالية، وبعد ان اقتربت السفينة الحربية منا وزعوا لنا الماء والطعام، وأخذوا والنساء والأطفال أولا، وبعد عدة ساعات أخذوا كل الشباب. لكن الملفت لنا أن أفراد الطاقم نزعوا اللثام عن وجههم واختفوا بين الشباب".
يوضح: "انتقلنا إلى المخيم في إيطاليا. استغرقت الرحلة 12 يوما بالضبط، بالإضافة إلى أربعة أيام أخرى قضيناها بالقرب من مرسين التركية".
يختتم عبد الستار بالقول إن وزنه نقص سبعة كيلو غرامات خلال هذه الرحلة المأساوية، وكان الشباب غالبا ما يعطون جزءا من طعامهم إلى النسوة اللواتي يرضعن الأطفال على متن السفينة.
وتوجه عبد الستار إلى ألمانيا ليطلب اللجوء فيها، مبينا أن "هناك من يتاجر بأرواح اللاجئين السوريين، ويكسبون أكثر من مليون ونصف دولار في كل رحلة يسيرونها".